أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي  الحاكم في السودان منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، مساء الأحد عن «استعداده» لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، إلا أن «الجمود» أصاب مفاوضات الانتقال إلى الحكم المدني في السودان.

وقد اتجه اللواء عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري، إلى مبنى التلفزيون ليعلن استعداد الجيش لتسليم «مقاليد الحكم»، اعتبارًا من اليوم التالي، شريطة أن تتوصل القوى السياسية إلى توافق فيما بينها وأن يطرحوا حكومة يمكنهم الاتفاق عليها، ورفض العضو البارز في ائتلاف الحرية والتغيير المعارض، وجدي صالح خطاب البرهان بشدة، وألقى خطبة في اجتماع حاشد أمام مقر القيادة العسكرية بعد فترة وجيزة من خطاب البرهان، وأعلن تعليق محادثات المعارضة مع المجلس العسكري، وقال

« لقد كان مُقررًا عقد اجتماع مع المجلس العسكري أمس لإبلاغه بالخيارات الخاصة بالمجلس السيادي المدني، لكن المجلس العسكري، الذي يُعد استمرارًا للنظام الحاكم، أظهر وجهه الحقيقي، وأخبرنا المجلس أنه يريد مناقشة اقتراحنا من بين 100 اقتراح آخر قدمتها الأحزاب السياسية»

وقد جرى التراشق الذي بثته قنوات التلفزيون أمس، على خلفية سلسلة من الاجتماعات التي عُقدت السبت الماضي، والتقى خلالها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، بممثلي الجيش والمعارضة في الخرطوم.

ووفقًا لقواعد الاتحاد الأفريقي، فإن الإقالة القسرية لرئيس دولة من جانب هيئة عسكرية تعد انقلابًا، خاصةً إذا استمر ممثلو القوات المسلحة في إدارة شؤون الدولة، ومن ثم تُعلق عضويتها في الاتحاد الأفريقي مؤقتًا، كما حدث مع مصر في 2013، وعليه فقد أمهل فكي الجيش السوداني 15 يومًا أخرى لتسليم السلطة لحكومة مدنية، إلا أن مصر التي تترأس الاتحاد الأفريقي حاليًا، تحاول منذ الإطاحة بالبشير منع الاتحاد من اعتبار تدخل الجيش انقلابًا عسكريًا، وبدلاً من تسليم المجلس العسكري السوداني حكم البلاد إلى حكومة مدنية، تسعى مصر في الوقت الراهن إلى تحقيق نتيجة مختلفة؛ إذ ترى القاهرة أن دور المجلس العسكري يجب أن يستمر في إدارة شؤون الدولة «لفترة مقبلة»، بحسب مصادر حكومية مصرية، وتقول المصادر إن مساعي القاهرة هي جزء من محاولة لدعم العلاقات الثنائية الخاصة، تزامنًا مع سرعة تغير المشهد السياسي في الخرطوم، وذلك تحت غطاء دورها كرئيس للاتحاد الأفريقي وفي محاولة للتخفيف من الأضرار المحتملة الناجمة عن الرهان العلني على استمرار البشير في الحكم على مدى الشهور الأخيرة.

‎مصر تضغط

أكد مصدر حكومي مصري شريطة عدم الكشف عن هويته، أن مصر خططت لاستضافة اجتماع للاتحاد الأفريقي في القاهرة الثلاثاء لمناقشة الوضع في السودان، وقد أعدت القاهرة هذه الخطة ووافق عليها المجلس العسكري السوداني، وفقًا لمصدر حكومي سوداني، ومن المقرر أن يحضر اجتماع القاهرة 13 عضوًا من الاتحاد الأفريقي، أغلبهم من الدول المحيطة بالسودان، ومن مجموعة دول ترويكا الاتحاد الأفريقي، وفقًا للمصدر الحكومي المصري، الذي أضاف أن البرهان «ربما» يحضر ذلك الاجتماع، «يجب أن تتأكد القوات المسلحة من أن البلاد لن تقع في فوضى أو حرب أهلية جديدة، هذه دولة لها تاريخ حديث من النزاعات العرقية ويمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة في خضم الصراع على السلطة في أعقاب البشير» ووفقًا للمصدر، فإن مصر تخطط لمطالبة أعضاء الاتحاد الأفريقي المجتمعين في القاهرة يوم الثلاثاء بالاعتراف بدور الجيش السوداني في تلبية مطالب الشعب السوداني والحفاظ على وحدة الشعب السوداني وسلامة أراضيه، هذا بالإضافة إلى تعهده بالسماح للشعب السوداني بتحديد المسار والمدى الزمني لعملية الانتقال الديمقراطي، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة، هذه الخطة قد حصلت بالفعل على بعض القبول، وفقًا لدبلوماسي ينتمي إلى دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، سوف ترسل وفدًا رفيع المستوى إلى الاجتماع «الأمر الضروري هو ألا تكون مصر وحدها، نريد مشاركة من الدول الأفريقية»، كما أشار المصدر، مضيفًا أن بعض دول الاتحاد الأفريقي تتقبل فكرة عدم انتقال السلطة فورًا إلى حكومة مدنية في السودان، وتتفق مع الموقف المصري، شريطة أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة في النهاية دون عرقلة استقرار البلاد، وأثناء الترتيب لاجتماع الثلاثاء، ظهرت تقارير في نهاية الأسبوع الماضي تفيد بأن السيسي ربما يسافر مباشرة إلى الخرطوم للانضمام إلى وفد مصري يزور العاصمة السودانية، ووفقًا للمصدر الحكومي المصري، فقد التقى الوفد بمسؤولين في السودان يومي الأربعاء والخميس الماضيين لمناقشة التطورات في البلاد والنتائج التي سيُسفر عنها اجتماع القاهرة يوم الثلاثاء، إلا أن المصدر نفى ما قاله مسؤول سوداني”إن زيارة السيسي للخرطوم للقاء البرهان أُلغيت بناءً على طلب من المجلس العسكري السوداني، بسبب مخاوف من أن تفاقم زيارة الرئيس المصري من قلق الرأي العام؛ المشحون بالفعل، والذي ينتقد دور الجيش علنًا، في محاولة لتجنب تكرار «السيناريو المصري»، مبينا أن «هذا ليس صحيحًا. لم تكن هناك خطة نهائية للرئيس لزيارة الخرطوم. لقد نوقشت الفكرة ولكنها ليست نهائية»، على الرغم من الأهمية الجيوسياسية للسودان في السياسة الخارجية للقاهرة، يؤكد المصدر أن زيارة السيسي للخرطوم لم تكن حول «العلاقات الثنائية»، بل تنطلق من دور السيسي كرئيس للاتحاد الأفريقي، وقال المصدر «يتمتع رئيس الاتحاد الأفريقي بتفويض لزيارة دول القارة التي تمر بصعوبات سياسية لاستكشاف طرق لدعم أمنها واستقرارها»، ويؤكد أن الزيارة أُلغيت بناءً على توصية من مصدر مخابراتي مصري في الخرطوم، والذي قدّر أن الوضع في العاصمة السودانية لا يزال شديد السيولة.

وقال المصدر: قد «جرت مشاورات هاتفية مُكثفة بين القاهرة والخرطوم خلال الأيام القليلة الماضية، ونحن لا نرغب في تفاقم الوضع الحساس هناك. ما نريد القيام به هو التواصل مع السودان وإبلاغ الشعب السوداني برغبتنا في أن نقف إلى جواره على نحو يساعد على تعزيز أمن واستقرار هذا البلد، وهو أمر على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لمصر، لأسباب واضحة؛ هي الأمن الحدودي والمائي».

نقلا عن موقع مدى مصر