أزمة مائية طاحنة تقف على أبواب البلاد، وتهديد لأمنها المائي والغذائي يلوح في الأفق، وحكومة فاشلة لا تستطيع أن تحرك ساكنا، وشعب يترقب في قلق مستقبله المظلم، ما الذي يمكن أن تفعله كي تخسر أكثر؟ يبدو لا شيء؟ لا تقلق.. الحكومة المصرية لديها المزيد.

استفزاز جديد قامت به قوات عبد الفتاح السيسي بحق الجارة السودان، حائط الصد الوحيد الباقي أمام إثيوبيا ومشروعها الخطير. إذن، يستفز السيسي السودان، فيدفعها للانضمام إلى حلف الخصوم، فيدمر أي فرصة لتشكيل تحالف يمكنه أن يقوض مشروع سد النهضة وتبعاته.. رائع، خطة دمار في منتهى الذكاء.

حلايب مرة أخرى

أشعلت قوات السيسي أزمة النزاع الحدودي على مثلث حلايب بين مصر والسودان، من جديد، بعد اختراق عناصر من الجيش المصري للحدود السودانية، أعقبتها الخرطوم بتصريحات شديدة اللهجة، قائلة إنها ترفض أي اختراق من قبل الجيش المصري لحدودها.

وقال زير الدولة في وزارة الخارجية السودانية، حامد ممتاز، إن “العلاقات مع مصر تمر بأزمة بسبب قضية مثلث حلايب الحدودي المتنازع عليه مع القاهرة، وتضييق السلطات المصرية على المعدنيين (منقبين سودانيين عن المعادن) الذين يعملون في المنطقة”.

وشدد الوزير في بيان، الأربعاء الماضي، على أن “حلايب سودانية”، و”التحكيم الدولي ضمن الحلول المطروحة”، لكن “مصر تصر على رفض التحكيم والحل السلمي”.

واستطرد: “القاهرة تصر على مصرية مثلث حلايب، دون تقديم مستندات للعالم لإثبات ذلك”، معربًا عن حرص الحكومة السودانية على “الحلول السياسية والسلمية، ورغبتها في معالجة النزاع بالتفاوض أو التحكيم الدولي”.

اختراق الحدود

تعود بدايات الحكاية قبل نحو أسبوع، حين قالت تقارير صحفية سودانية إن قوات من الجيش المصري اخترقت الأراضي السودانية، في سبتمبر الجاري، بنحو 4 كيلومترات، وطاردت منقبين عن المعادن جنوب مثلث حلايب، واعتقلت 70 منقبًا داخل ولاية البحر الأحمر في وادي العلاقي.

وأدانت التقارير الصمت السوداني حيال هذا الاقتحام الذي لم يكن الأول من نوعه، ففي مايو الماضي نقل “المركز السوداني للخدمات الصحفية” عن مسؤول سوداني قوله: إن “دورية تابعة للقوات المصرية أطلقت النار على مجموعة من المُنقّبين عن الذهب بمنجم إبراهيم حسين (شمال البلاد) داخل الحدود السودانية بالقرب من وادي العلاقي”.

وبحسب المسؤول السوداني فإنه “قبل الحادث بأيام حضرت 5 عربات لاندكروزر مسلحة، بقيادة ضابط برتبة لواء يتبع لحرس الحدود المصري إلى المنجم ذاته، وادَّعوا ملكية الحكومة المصرية للمنجم، وهدَّدُوا العاملين به بالقبض عليهم”.

رفض مصري للتحكيم

يرجع هذا الخلاف بين البلدين إلى تاريخ استقلال السودان عام 1956، حيث كان المثلث الحدودي مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وسيطر عليه، بزعم تورط السودان في محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، في أديس أبابا.

ودعت السودان لحل النزاع سلميا أكثر من مرة، ورفض نظام السيسي طلب الخرطوم بالتفاوض المباشر حول المنطقة، ورفضت مصر أيضا القبول باللجوء إلى التحكيم الدولي في حال رفض التفاوض المباشر.

مثل تيران وصنافير..!

وسبق أن دعا بيان سوداني مصر للجلوس للتفاوض المباشر لحل قضية حلايب وشلاتين “أسوة بما تم مع المملكة العربية السعودية حول جزيرتي تيران وصنافير، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي امتثالًا للقوانين والمواثيق الدولية باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية”.

لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، قال في بيان مقتضب إن “حلايب وشلاتين أراض مصرية، وتخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية”.

سد النهضة.. كلمة السر

تواجه مصر حربا دبلوماسية صعبة بسبب سد النهضة الأثيوبي، وكان الأمل المصري معقودا على السودان باعتبارها شريكا لمصر في التضرر من السد، لكن بسبب الاستفزاز المصري، حدث انتقال للموقف السوداني بعيدًا عن مصر بالتقارب مع إثيوبيا.

وبينما راح السيسي يبحث عن دعم من رواندا وتنزانيا غير المعنيتين بالصراع أصلا، في أغسطس الماضي، زار رئيس الوزراء الإثيوبي، “هيلي مريام ديسالين”، السودان في نفس الأسبوع، ليقنع الجانب السوداني بمراعاة حظوظه في المياة.

وبحث ديسالين مع الرئيس السوداني عمر البشير وضع “خطة إستراتيجية سودانية إثيوبية مشتركة لتأمين سد النهضة”، تتضمن تكوين قوة مشتركة لتأمين السد وحدود البلدين بشكل عام.

سريعا تغير خطاب السودان، وخرج البشير ليقول في بيان إن “القضايا التي تهم السودان حول سد النهضة تتمثل في 3 نقاط رئيسية، وهي: سلامة جسم السد، وموعد ملء البحيرة خلف السد، وبرنامج التشغيل”.

ثم أعقبتها الرئاسة السودانية ببيان واضح، قال الرئيس السوداني فيه إن بلاده “اطمأنت تمامًا للتعديلات التي تمت على جسم سد النهضة، والتي أكدت على سلامة جسم السد، وأزاحت المخاوف بشأن انهياره”.

و بذلك يبدو أن السيسي قد اقترب من دوره فى نسف فكرة الأمن المائى المصري, ويبدو كذلك أن مصر ستنتقل على يديه قريبا إلى مرحلة “الفقر المائي” ،فرحماك يارب بشعب قد وجد من “يحنو عليه”