تقع جزيرة سقطرى اليمنية، التي يُطلق عليها اسم “جوهرة الجزيرة العربية”، في خليج عدن، بالقرب من القرن الأفريقي، على بعد 217 ميلا قبالة الساحل الجنوبي لليمن، وعلى بعد 817 ميلا من أبوظبي.
وفي الأعوام الأخيرة، أصبحت “سقطرى” هي النقطة المحورية في الصراع على السلطة بين اليمن والإمارات العربية المتحدة.
وبدأ تحالف تقوده السعودية والإمارات تدخلا عسكريا في اليمن عام 2015، لدعم حكومة البلاد المعترف بها دوليا ضد تمرد قام به المتمردون اليمنيون، المعروفون باسم “الحوثيين” أو “أنصار الله”، المدعومين من إيران.
وعلى الرغم من أن الحوثيين لم يصلوا إلى أي مكان بالقرب من سقطرى، لكن الإمارات تستخدم الموقع الاستراتيجي للجزيرة المحمية من قبل اليونسكو لتوسيع قوتها الإقليمية.
وكانت سقطرى، التي تم نسيانها إلى حد كبير في الأزمة اليمنية المستمرة، نقطة محورية في نفوذ الإمارات.
وبعد أن تم تدمير سقطرى جراء إعصاري “تشابالا” و”ميغ”، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قدمت الإمارات مساعدات إنسانية كبيرة لسكان الجزيرة، وقد تم إطلاق العديد من المشاريع لتحسين البنية التحتية، بما في ذلك إعادة بناء وتطوير المدارس والمستشفيات والطرق.
وطوال عام 2016، أرسل الإماراتيون كميات كبيرة من المواد الغذائية والإمدادات إلى سكان سقطرى، وبحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، كانت الدفعة الـ31 من الإمدادات القادمة من الإمارات قد هبطت على الجزيرة.
وبحلول مارس/آذار 2017، أرسلت الإمارات ملايين الدولارات إلى الجزيرة، ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود تثير تساؤلات حول نوايا الدولة الخليجية على المدى الطويل.
لماذا سقطرى؟
منذ أن أصبح “جبل علي” في دبي أكثر الموانئ ازدحاما في الشرق الأوسط، بدأت الإمارات في بناء وتوسيع الموانئ الأخرى في البحر الأحمر والخليج العربي، لاحتكار المنطقة وتقويض نفوذ إيران ومحاولاتها السيطرة على قنوات الشحن البحري.
وفي الواقع، تقع سقطرى في موقع استراتيجي في وسط أحد أهم طرق تجارة النفط في العالم، وتعتزم الإمارات أن تصبح مركزا في طريق التجارة بين الشرق والغرب في المستقبل، وفقا للأكاديمي “أندرياس كريغ”.
وسيمكن موقع سقطرى الإمارات من التحكم في التجارة التي تمر عبر قناة السويس ومضيق باب المندب بين اليمن والقرن الأفريقي.
وتمركزت الدبابات والقوات الإماراتية في سقطرى في مايو/أيار 2018، وتسعى لتعزيز وجودها وتعزيز قوتها في القناة.
وفي نفس الشهر، أنشأت دولة الإمارات قاعدة عسكرية في الجزيرة، واستولت على مطار سقطرى والموانئ البحرية، وأنشأت البنية التحتية البحرية وشبكات الاتصالات.
وقال “بيتان ماكيرنان”، الصحفي مؤلف أول تقرير عن القوات الإماراتية في سقطرى، إن هذه الخطوة هي “مزيج من استراتيجيات القوة الصلبة والناعمة للإمارات في اليمن، وفي منطقة القرن الأفريقي الأوسع”.
وخلقت القاعدة العسكرية لدولة الإمارات ما يصل إلى 5 آلاف وظيفة جديدة، وأجرت الإمارات أيضا إحصاء لسكان الجزيرة، وأخذت عددا من سكان سقطرى إلى أبوظبي لتلقي فحوصات طبية مجانية، وقدمت لهم بعض التصاريح الخاصة للعمل في الإمارات.
ونظرا لأن الجزيرة هي موطن لنباتات وحيوانات غير عادية وفريدة من نوعها، نظر البعض إلى خطوة أبوظبي على أنها محاولة لتحويل سقطرى ليس فقط إلى قاعدة عسكرية إماراتية دائمة، ولكن أيضا كمنتجع لقضاء الإجازات.
ويخطط رجال أعمال إماراتيون لبناء فنادق فاخرة في جميع أنحاء الجزيرة، وفقا لـ”ماكيرنان”.
هل تصبح سقطرى مقاطعة إماراتية؟
واستغلت الإمارات غياب سيطرة الحكومة اليمنية المدعومة من الرياض لتعزيز سيطرتها على جنوب اليمن.
ومنذ عام 2017، دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي حركة تطالب بالاستقلال في محافظات جنوب اليمن، بما في ذلك سقطرى.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، استولت الحركة على العديد من المكاتب الحكومية خلال اشتباكات قاتلة في مدينة عدن الساحلية، ما دفع الحكومة اليمنية إلى اتهامها بمحاولة شن انقلاب عسكري.
وبالإضافة إلى خلافه مع المجلس الانفصالي، دخل رئيس الوزراء اليمني السابق “أحمد بن دغر” في صراع مع الإمارات نفسها، وفي مايو/أيار 2018، حاصرت القوات الإماراتية “بن دغر” خلال زيارة قام بها إلى محافظة سقطرى.
بالإضافة إلى ذلك، قام الرئيس “هادي”، المدعوم من الخليج، بعزل “بن دغر” في أكتوبر/تشرين الأول 2018، متهما إياه بـ”الإهمال”، وألقى عليه باللوم في الأزمة الاقتصادية في البلاد.
ومع ذلك، فمن الأرجح أنه قد تمت إقالته بسبب صراعه مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي لقاء مع مجموعة من شيوخ سقطرى وسكانها في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018 قال المؤرخ الإماراتي “حمد المطروشي” إن أهالي سقطرى “سيكونون جزءا من الإمارات، وسيستحقون المواطنة دون طلب”، مشيرا إلى وجود علاقات تاريخية بين الإماراتيين وأبناء سقطرى.
وقد أغضب هذا البيان بعض اليمنيين، الذين ينظرون إلى وجود الإمارات في سقطرى على أنه بداية لجدول أعمال استعماري.
وعلى الرغم من تحالفها مع أبوظبي، انتقدت الحكومة اليمنية في المنفى استيلاء الإمارات على سقطرى، ووصفت هذه الخطوة بأنها “غير مبررة”، و”اعتداء على سيادة اليمن”.
وعلاوة على ذلك، في مايو/أيار 2018، احتج سكان الجزيرة للتعبير عن الغضب من الانتشار العسكري لدولة الإمارات عبر الجزيرة.
جهد التحالف العربي
ونفت الإمارات بشكل قاطع جميع الاتهامات المتعلقة بمحاولاتها المزعومة لتقويض سيادة اليمن، علاوة على ذلك، تؤكد أبوظبي أنها لعبت دورا مهما في تطوير البنية التحتية التي تمس الحاجة إليها في الجزيرة، وساعدت سكان سقطرى من خلال مشاريع مختلفة، وأمنت الجزيرة.
ومع ذلك، يشن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات حربا وحشية في شمال اليمن، وخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في حين تبقى سقطرى، بعيدا عن الساحل الجنوبي لليمن، معزولة عن الصراع.
وبررت الإمارات نشر قواتها في الجزيرة في مايو/أيار 2018 عبر الادعاء بأن ذلك كان جزءا من “جهود التحالف العربي” لدعم الحكومة اليمنية الشرعية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن.
ومع ذلك، في نفس الشهر، أكدت الحكومة اليمنية أنه لم يكن هناك تنسيق عسكري بينها وبين الإمارات، وطلبت أن تتدخل السعودية للتوسط في حل للوضع في سقطرى.
وسحبت الإمارات عددا كبيرا من قواتها من سقطرى، بعد أن توسطت السعودية في اتفاق لإخماد سخط كل من الحكومة اليمنية وأبناء سقطرى.
ووفقا للاتفاقية، يحل الجنود السعوديون محل القوات الإماراتية لتوفير التدريب لقوات الأمن اليمنية وتشغيل مطار وميناء سقطرى.
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، تواصل الإمارات الحفاظ على دورها بصفتها السلطة الحكومية الفعلية ومزود المساعدات في سقطرى.
وفي فبراير/شباط 2019، أعلنت الإمارات عددا من فرص العمل في الإمارات للشباب من سقطرى، وخلال نفس الفترة، افتتح حاكم سقطرى أيضا العديد من المرافق في مستشفى جديد بنته الإمارات في الجزيرة.
ومع كل يوم يمر، تتوسع الإمارات في اليمن لتصبح قوة إقليمية أقوى، ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت أبوظبي ستغادر سقطرى بمجرد انتهاء النزاع، أو ما إذا كانت ستستمر في خدمة مصالحها الخاصة في الجزيرة، وربما حتى يوما ما ستطالب بها كأرض إماراتية.
المصدر: الخليج الجديد
اضف تعليقا