سخط عارم متزايد يسود مختلف قطاعات الشعب المصري منذ الإعلان عن أسعار تذاكر بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، التي تستضيفها مصر بين 21 يونيو و19 يوليو المقبلين.

وأشعلت أسعار التذاكر المعلنة الخاصة بحضور مباريات “الفراعنة” في “كان 2019” غضب المصريين على نطاق واسع، ولم يقتصر ذلك على الطبقة الفقيرة الكادحة؛ بل امتد ليصل إلى شريحة المحللين والرياضيين والفنانين، وهي الفئة المقتدرة في البلاد.

كأس أمم أفريقيا

وجاء نجم ليفربول والمنتخب المصري محمد صلاح على رأس المنتقدين لقيمة أسعار تذاكر البطولة، التي نالت القاهرة استضافتها بعد سحبها من الكاميرون؛ بسبب تأخُّر الأخيرة في إنجاز المنشآت الرياضية وبطء الاستعدادات المتفق عليها في ملف الترشح.

وكانت اللجنة المنظمة لـ”أمم أفريقيا” قد حددت 200 جنيه مصري (11.6 دولاراً أمريكياً) ثمناً لتذكرة الدرجة الثالثة، و400 للدرجة الثانية (23.3 دولاراً)، و600 جنيه للدرجة الأولى (34.9 دولاراً)، و500 للدرجة الأولى العلوية (29.10 دولاراً) و2500 جنيه للمقصورة الرئيسية (145.5 دولار).

أرقام صادمة

وضجت منصات التواصل والشبكات الاجتماعية بالانتقادات اللاذعة للمسؤولين المصريين الذين وضعوا تلك الأسعار، غير مدركين لحقيقة أن السواد الأعظم من الشعب المصري من فئة الدخل المحدود، بصعوبة يستطيع أن يُلبي احتياجات أسرته، خاصة في ظل غلاء الأسعار الفاحش وعجز الحكومة على مواجهته.

وأطلق مغردون ونشطاء على مواقع التواصل حملة بعنوان “خليها فاضية”؛ احتجاجاً على أسعار التذاكر، في تلويح إلى إمكانية غياب جماهير الكرة عن المدرجات في مباريات البطولة، وخاصة لقاءات “الفراعنة”

وتاريخياً عُرفت كرة القدم بلعبة “الفقراء”، لكن هذا المصطلح بدأ ينحسر شيئاً فشيئاً في ظل سطوة الأغنياء على المشهد، وهو ما يزيد من الأعباء النفسية على الطبقة الفقيرة الكادحة التي تُمني النفس بأخذ برهة من الراحة لالتقاط الأنفاس والاستمتاع بأجواء كروية وجماهيرية لمدة 90 دقيقة، بعيداً عن ضغوط الحياة ومتطلباتها المتزايدة.

ومنذ عزل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، على يد وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي، ثم تولي الأخير رئاسة البلاد صيف 2014 دخلت مصر مرحلة جديدة عنوانها الرئيس: غلاء الأسعار وفرض الضرائب ورفع الدعم عن الكهرباء والوقود والمحروقات، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني ما أثار استياءً عارماً في أوساط الشعب المصري.

ورغم حالة السخط العارم في الشارع المصري فإن الأذرع الإعلامية المحسوبة على الجهات السيادية في البلاد حاولت كعادتها تبرير رفع أسعار التذاكر، مؤكدة أنها وضعت بعد دراسات وافية من قبل القائمين على تنظيم البطولة الأفريقية.

ومع تبرير وسائل إعلام النظام المصري فإن ذلك لم يقنع أحداً، لتضطر السلطات إلى الإعلان من خلال وزارة الشباب والرياضة، إضافة إلى اتحاد الكرة، أنها ستراجع أسعار التذاكر، متعهدة بأن “تطمئن اللائحة الجديدة الجماهير الغاضبة”.

قرار سيادي بحت

وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والناقد المصري علاء صادق، إنه منذ يوليو 2013 (الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي) لا يتخذ أي قرار يمس شيئاً كبيراً في البلاد إلا بتعليمات من الرئيس السيسي وذراعه الأيمن عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية.

وأوضح صادق، أن أسعار تذاكر كأس أمم أفريقيا المرتفعة هي “قرار سيادي قادم من أعلى رأس في الدولة، ولا يُمكن لأي شخص أن يُعارضه”.

واستهجن الناقد الشهير بيان وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، ورئيس اتحاد الكرة هاني أبو ريدة، مؤكداً أنه “لا يُمكن أن يصدر مثل هذا القرار دون علمهما”.

وأشار إلى أن ردود الفعل الغاضبة جداً دفعت الرجلين لامتصاص الرأي العام الساخط، لافتاً إلى أن المسألة لن تشهد تعديلات جوهرية إلا في أضيق الحدود.

وضرب “صادق” مثالاً على غرار تخصيص 1000 تذكرة فقط بـ100 جنيه في مباريات الدور الأول، مؤكداً أن هذه الاستثناءات “المحدودة” التي ستحدث هدفها امتصاص الرأي العام ليس إلا.

وشدد على أن السيسي “لا يُريد جماهير الكرة، وهي التي تدفع من مالها الخاص، وليس لها أي علاقة أو اشتراكات في الأندية أو المؤسسات، والتي تعمل بأجر يومي، وتحرص على حضور المباريات لتفريغ كل غضبها وسخصها في المدرجات”، مؤكداً أن هذه الشريحة الواسعة هي “أحد أكبر أعداء الرئيس المصري”.

ما هو السيناريو المتوقع؟

ولفت الكاتب المصري إلى أن النظام الحالي يسعى لتكرار سيناريو بطولة 2006، التي استضافتها مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، من خلال جلب جماهير لا علاقة لها بكرة القدم، مثل طلاب وطالبات الجامعات وأبناء الطبقة الراقية، بغرض التصوير، وإظهار الأمر على أنه كرنفال احتفالي لتثبيت أركان النظام.

وأشار إلى أن البطولة ستعرف حضوراً جماهيرياً لكن من أنصار السيسي والموالين له بشراء تذاكر المباريات بواسطة مؤسسات وشركات لديها ولاء تام للنظام الحالي وتوزيعها على الفئات والشرائح المستهدفة، بغرض إبعاد جماهير الكرة التي تشكل كابوساً وخطراً حقيقياً على الأمن العام.

وأكد أن الرئيس المصري “في حال ضمِن أن يؤيده جمهور الكرة، فإنه سيُخفض قيمة التذاكر إلى جنيه واحد، لكنه متأكد بأن هذه الشريحة الواسعة ضده قلباً وقالباً”.

وحول تجرؤ الفنانين والرياضيين على انتقاد أسعار تذاكر البطولة الأفريقية، كشف صادق  أن هذا كله يدخل ضمن هامش النقد المتاح الذي يفرضه النظام المصري، بعيداً عن الحديث عن الأمور السياسية والاقتصادية.

أما على الصعيد الفني، فقد رشح الخبير الرياضي المصري أن يُتوّج “الفراعنة” باللقب القاري في حال كان محمد صلاح في حالته الطبيعية، موضحاً أن منتخبات شمال أفريقيا تُعد “ضعيفة خارج أراضيها” مستبعدة أن تلعب الأدوار الأولى في البطولة الأفريقية.

ويطمح منتخب مصر للفوز بالكأس القارية، للمرة الثامنة في تاريخه، والأولى منذ نسخة 2010، علماً أنه تُوّج باللقب الأفريقي في 3 نسخ سابقة أقيمت على أراضيه من أصل 4، أعوام 1959 و1974 و1986 و2006

وتشهد البطولة الأبرز على مستوى المنتخبات بالقارة السمراء مشاركة 24 منتخباً لأول مرة، من بينها 5 منتخبات عربية هي: مصر والمغرب وتونس والجزائر، إضافة إلى موريتانيا التي تبصم على حضورها الأول في تاريخ النهائيات الأفريقية.

المصدر: الخليج أون لاين