• اهتمام واشنطن بالأمر يوضح أن لمعارضي جماعة الإخوان المسلمين في مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل، تأثيراً، كان وسيظل موجوداً على البيت الأبيض
  • تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ككيان إرهابي سيلحق أضراراً بسياسات الحكومة الأمريكية الخارجية وسيؤثر سلباً على تعاونها مع الحكومات التي تضم أحزاباً إسلامية أو متحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، كتركيا والكويت-الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة
  • من المستحيل أن يتم تصنيف جميع الجماعات والمنظمات ذات الصلة بالإخوان المسلمين بالإرهابيين أيضاً، لأن كل منظمة لديها معتقدات ومواقف أيديولوجية متباينة تجاه العنف
  • يمكن اعتبار ذلك التصنيف بأنه نبوءة تحقق ذاتها، قد يستخدمها بعض السياسيون الإسلاميون ذريعة للرد بعنف، ويعتبروها دليل على الاعتقاد السائد لدى الكثيرين في العالم الإسلامي بأن أمريكا عدو للإسلام

 

يجد الآن أحد أبرز ممثلي الإسلام السياسي أنفسهم أمام مفترق طرق في البيت الأبيض، حيث أعلنت إدارة ترامب أنها بصدد تصنيف جماعة الإخوان المسلمين-وهي جماعة بارزة في السياسة والمجتمع في مختلف أرجاء العالم السُني- كمنظمة إرهابية أجنبية، وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على تلك الخطوة، ستنضم إلى روسيا والبحرين والسعودية وسوريا ومصر والإمارات، والذين سبقوها في القيام بذلك.

مثل هذه الخطوة أشبه بفتح عُلب مملوءة بالديدان ونشرها في الولايات المتحدة، لأسباب عدة ربما أقلها أن جماعة الإخوان لديها العديد من الممثلين -في الكثير من البلدان- جاهزون لتحدي ذلك التصنيف البسيط. الأهم من ذلك هي الصعوبات السياسية التي ستخلقها واشنطن لنفسها باتخاذها موقف صارم ضد جماعة الإخوان المسلمين، فعلى الرغم من أن الخصوم البارزين لتلك الجماعة في القاهرة والرياض ودول أخرى سيشيدون وبشدة بتلك الخطوة، إلا أن الولايات المتحدة ستجد نفسها في مأزق مع العديد من الحكومات الإقليمية التي تضم جماعات وأحزاب تابعين لجماعة الإخوان المسلمين.

 

 استيفاء المعايير

حسن البنا- المفكر المسلم المحافظ- قام بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، وبعد مرور حوالي قرن من الزمان، لا يزال الفرع المصري للجماعة هو الأبرز، لا يزال الملهم للكثير من الجماعات الإسلامية الأخرى والتي لا حصر لها داخل العالم الإسلامي، والذين بدورهم يعارضون التغريب والعلمنة بصورة كبيرة؛ وعلى الرغم من أن العديد من تلك الجماعات لا صلة لهم بها الآن، إلا أن بعضها يرتبط بعلاقات واضحة ومباشرة بجماعة الإخوان في مصر.

بالنظر إلى مسار العمل المتبع في الولايات المتحدة في الحالات المشابهة، سنجد أنه يتعين عليها أن تحدد ما إذا كانت شروط التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية متوفرة في جماعة الإخوان أم لا وفقاً للتعريف القانوني الأمريكي، وبحسب القانون الأمريكي فإن وزارة الخارجية الأمريكية يجب أن تحدد أن المنظمة أو الجماعة ١) أجنبية، ٢) متورطة أو تشارك في نشاطات إرهابية، ٣) تشكل خطراً على الولايات المتحدة، وبخلاف كون جماعة الإخوان المسلمين جماعة أجنبية بالفعل، فإن الشرطين الآخرين لا يمكن الإقرار بتوافرهما بسهولة.

وفي نهاية المطاف، سنجد أنه من الصعوبة على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة أحادية في التعامل مع جماعة سياسية لها العديد من الأفرع والممثلين في دول مختلفة، وعلى درجات متفاوتة من التواصل مع الجماعة الأساسية في مصر.

تباين الآراء حول وجود عنف في صفوف جماعة الإخوان المسلمين سيزيد من تعقيد الأمر أمام الولايات المتحدة لكي تقوم بتصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية. فالجماعة الأساسية والعديد من الجماعات والأحزاب التابعين لها في عدد من الدول يسعون إلى التغيير عن طريق الحلول السياسية والبعيدة عن العنف، كالأحزاب الموجودة في تركيا وتونس والكويت والمغرب، وغيرهم الكثير.

في الفرع الرئيسي في مصر، العنف المُوجه لم يكن أبداً مبدأ أساسياً في أيدولوجيات الإخوان، وعليه، لا يمتلك التنظيم مجموعات مسلحة، بل لم تقم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأي هجوم إرهابي، وهو من الناحية الفنية شرطاً أساسياً لتصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية، على العكس، نجد أن أكثر قاداتها وفروعها تطرفاً وتمسكاً بمبادئها، من أبرز دعاة الإصلاح في المجتمع داخلياً وخارجياً، بل لعل هذا ما يفسر سبب اعتبار الأنظمة الملكية في العالم الإسلامي كالإمارات والسعودية أيديولوجية الجماعة على أنها تشكل تهديداً لهم.

على صعيد متصل، ظهرت فصائل تابعة للإخوان المسلمين دعمت فكرة العنف كأداة للتغيير السياسي- في الأغلب تنشق هذه الفصائل عن التنظيم الأصلي.

أيديلوجية الإخوان أثرت على تنظيم القاعدة، المثال الأكثر تطرفاً، والذي يعتمد على الأيديلوجية السنية المحافظة، إلا أنه في سياساته يتبع أقصى درجات العنف.

جماعة الإخوان أنتجت أيضاَ حركات مثل حركة حماس، والتي تعتبر مثالاً أكثر اعتدالاً من تنظيم القاعدة، ورغم هذا تدرجها الولايات المتحدة على قوائم الكيانات الإرهابية، وبالنسبة لواشنطن، حجتها لتصنيف حماس ككيان إرهابي كانت أكثر وضوحاً حيث أن الحركة الفلسطينية نفذت وأعلنت مسؤوليتها عن العديد من الهجمات العنيفة ضد أحد أكبر حلفاء الولايات المتحدة، إسرائيل.

 

وصول الإخوان

لعل أكبر عقبة ستواجه خطط واشنطن لتصنيف جماعة الإخوان ككيان إرهابي هي وجود عدد كبير من الأحزاب التابعة إلى أو المتأثرة بفكر جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. عادة ما تكون هذه الأحزاب عضو مهم ومؤثر في المشهد السياسي، وفي الأغلب يشكلون نسبة كبيرة من أعضاء البرلمان المنتخبين من قبل الشعب، وفي بعض الحالات، سمحت بعض الدول، كالمغرب، بإعطاء الفرصة لتلك الأحزاب المتأثرة بفكر الإخوان المسلمين للتمدد، لكي تشكل ثقلاً لبعض الأحزاب المتطرفة، ولكن أكثر اعتدالاً.

 

هل هي تدابير عكسية؟

 إذا تمسكت الولايات المتحدة برأيها في تصنيف الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، فهي في هذه الحال تعاقب حكومات حلفائها بشكل كبير، فهناك العديد من النزاعات في المنطقة (على سبيل المثال وليس الحصر اليمن وليبيا)، حيث تُعتبر جماعات الإسلام السياسي فيها أحزاباً شرعية يمكن التفاوض معها، من جهة أخرى هناك أيضاً العديد من الأنظمة الديموقراطية -جزئياً- التي تشكل جماعات الإسلام السياسي جزءً من حكوماتها.

دول كالإمارات والسعودية ومصر على وجه الخصوص- والتي لطالما اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين عدو لنظام الحكم فيها، سيرحبون بذلك التصنيف جداً، ومن المرجح أن يعتبروه إشارة من الولايات المتحدة لمساعدتهم في تنفيذ جداول أعمالهم الإقليمية، بينما سترفض دول مثل تركيا وقطر هذه الخطوة، بل سيعتبرونها طريقة لفرض عقوبات عليهم، فبحسب القانون، قد يُجبر مسؤولي الحكومة الأمريكية على تقييد سفرهم أو تجميد أنشطتهم المالية في البلدان التي تنشط فيها أي جماعة تابعة للإخوان المسلمين خصوصاً على مستوى الحكومات.

دولة مثل تركيا مثلاً، والتي بالفعل تعاني من وجود مشاحنات دبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة، قد تجد في هذا التصنيف تحفيزاً لإحداث أزمة دبلوماسية ثنائية مرة أخرى، وربما تتجه تركيا إلى عمل شراكات أمنية أخرى حارج قاعدتها الغربية التقليدية.

 

باختصار، إذا قامت الولايات المتحدة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، فهي بذلك تعاقب حكومات حلفائها.

هناك قضية أخرى تركز على تحقيق توازن الإدارة الأمريكية في الحد من انخراط الجهات والكيانات الإقليمية الفاعلة في نشاط يهدد أمن الولايات المتحدة ويدعم التطورات الديمقراطية والإرادة الشعبية في المنطقة- وفقاً لواشنطن.

إدارة أوبا عانت من هذا المأزق في فترة الربيع العربي، الذي أطاح بعدد من الحكومات والأنظمة الاستبدادية بالمنطقة -ولكنها كانت صديقة للولايات المتحدة- ومهد الطريق للحركات والجماعات الإسلامية الشعبية للوصول إلى سدة الحكم بعد سنوات من العمل في الظل. في النهاية، جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى لم ينشئوا من العدم، بل هم من الشعب، يدعمون القيم التي يتبناها جزء من المجتمع ولا يعارض في أن يراها متمثلة في الحكومة.

 

مع مرور الوقت والتحولات الديموغرافية يتضاءل دعم الشعوب للإسلام السياسي

 شركة Burston-Marsteller -وهي شركة علاقات عامة عالمية- قامت مؤخراً بإجراء دراسة على الشباب العربي، وجاءت نتائج تلك الدراسة موضحة أن الشباب المسلم في المنطقة لا يدعمون الجماعات الإسلامية بذات القدر الذي دعمها به الأجيال السابقة.

ولكن في الوقت الحالي، لا زالت جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين تحظى بقدر كبير من الدعم الشعبي بين جميع شرائح المجتمع في العديد من البلدان، وكما أظهرت الانتخابات الشعبية عامي 2011 و2012 في مصر، لا زالت الأحزاب السياسية الإسلامية، بما فيهم الأحزاب المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، تحتفظ بتأييد شعبي كبير من قبل جميع شرائح المجتمع لتكون بذلك قوة سياسية رئيسية.

في نهاية الأمر، تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ككيان إرهابي سيؤدي إلى تضييق الخناق على قيام تلك الجماعة بممارسة نشاطها السياسي بشكل مشروع، وبالتالي قد يفتح الباب أمام التطرف، لأنه سيصور الحكومة الأمريكية كعدو للإسلام، وحتى وإن لم يحدث هذا، ستجد الولايات المتحدة نفسها في مأزق كبير وستضيق الخناق على تواجدها في المنطقة حيث أن هذا الإجراء قد يبعدها عن المناطق الشائكة في العالم الإسلامي.

للاطلاع عن النص الأصلي في المصدر اضغط هنا