بحسب مسؤولين في الدوحة، قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشن حرباً مالية على قطر في 2017 بعد اندلاع الأزمة الخليجية، والآن يحاول القطريون تصفية الحسابات عن طريق محاكم لندن ونيويورك، حيث يتطلعون إلى تعويضهم بالمليارات.

في 08 أبريل/نيسان الماضي قامت قطر برفع دعوتين قضائيتين في لندن ونيويورك؛ سعياً منها لتعويض مليارات الدولارات التي خسرتها نتيجة “الهجوم المالي” الذي تم تنفيذه ضد الدوحة في 2017، حيث قامت برفع الدعاوى ضد ثلاث كيانات مالية ضخمة، وهي بنك هافيلاند- أحد البنوك الخاصة بلوكسمبورغ، وبنك أبو ظبي الأول- وهو أكبر بنوك الإمارات، وبنك سامبا، وهو أحد البنوك الرائدة في السعودية ومقره الرياض.

وفقاً للادعاءات الواردة في الدعاوى القضائية، فإن بنك “هافيلاند” قام بتقديم “عروض أسعار احتيالية” إلى منصات تداول العملات الأجنبية في نيويورك بهدف تعطيل المؤشرات والأسواق في الأماكن التي يوجد بها أصول ومستثمرون قطريون بارزون، الدعاوى أيضاً اتهمت بنك أبو ظبي الأول وبنك سامبا بمشاركتهم في “التلاعب بالسوق المالية”، إلا أن البيان الرسمي للحكومة القطرية لم يقدم المزيد من التفاصيل حول السلوك الغير قانوني الذي قام به البنكين الإماراتي والسعودي.

من جهته نفى بنك “هافيلاند” تلك الاتهامات، في حين لم يقم بنك سامبا، وبنك أبو ظبي الأول بالرد بصورة رسمية على تلك الادعاءات حتى الآن.

هذه الاتهامات ليست جديدة، فبعد وقت قصير من اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2017، والتي بلغت ذروتها بعد قيام السعودية والإمارات والبحرين بقطع العلاقات مع قطر، اتهمت قطر السعودية والإمارات بشن “حرباً مالية” عليها.

كان الهدف الأساسي من التحالف السعودي-الإماراتي هو محاصرة الاقتصاد القطري وتضييق الخناق عليه، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ظهرت تقارير أفادت بأن بنك “هافيلاند” وضع خطة من ثلاث مراحل هدفها تقويض الثقة في الاقتصاد القطري، من خلال التلاعب بالسندات والمشتقات، والتي صممت خصيصاً لإيهام الجميع بانهيار الاقتصاد القطري.

محللون ماليون عبروا عن دهشتهم من هذه الخطة، والتي وإن صحت، فإنها تشير إلى مدى استعداد المسؤولين داخل دول الحصار للضغط على الدوحة للاستسلام لإرادتهم.

تمتلك عائلة ديفيد رولاند- أحد أقطاب الاقتصاد البريطاني المثيرة للجدل، بنك هافيلاند، والذي يمتلك روابط تاريخية مع دولة الإمارات، ومن الجدير بالذكر أن بعض أفراد عائلة رولاند قد تم الإشارة إلى أسمائهم في التورط في فضيحة نادي “مانشستر سيتي” (المملوك لمجموعة أبو ظبي المتحدة) بعد التسريبات التي كشفت محاولات النادي للتهرب من الالتزام بقواعد اللعب النظيف المالية، في الوقت ذاته يمتلك بنك “هافيلاند” مكتباً في دبي، والذي فكر عام 2017 في شراء بنك “فالكون” الخاص -بنك متعثر مقره سويسرا- من “مبادلة”، وهي شركة استثمار وتطوير مملوكة لحكومة أبو ظبي، إلا أنه تراجع عن تلك الفكرة لاحقاً.

في أكتوبر/تشرين الأول 2018، توطدت العلاقة بين رولاند وشركة “مبادلة” بعد تأسيس البنك الإنجليزي الخليجي التجاري، ليصبح مشروعاً مشتركاً بين “مبادلة” للاستثمار وشركة AGTB القابضة، وهي شركة تديرها عائلة رولاند.

البنك الإنجليزي الخليجي التجاري وصف نفسه بأنه “أول بنك تجاري رقمي في العالم”، وتولى إدارته “إدموند” ابن ديفيد رولاند -المقيم في أبو ظبي- والذي أصبح المدير التنفيذي له.

أدت الجهود السعودية والإماراتية لخفض قيمة العملة القطرية إلى اضطرار الدوحة لتصفية نحو 03 مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية، كما اضطرتها للاستعانة بأكثر من 40 مليار دولار من احتياطاتها الأجنبية، وذلك لدعم الاقتصاد القطري خلال الأشهر الأولى من الأزمة، والتي تعرضت فيها العملة القطرية لضغوط وتضييقات كبيرة في السوق الخارجية.

برغم أن قطر تمتلك احتياطاً تزيد قيمته عن 300 مليار دولار، وموارد مالية أخرى تستطيع بسهولة استيعاب ذلك الهجوم المالي، إلا أن المسؤولين في الدوحة متمسكون بموقفهم في تحقيق العدالة وتحميل كافة الكيانات مسؤولية مشاركتهم في التلاعب بالعملة القطرية.

الاستراتيجية التي اتبعتها قطر بلجوئها إلى الهيئات الدولية، كمحكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني ومنظمة التجارة العالمية، لمساءلة دول الحصار، كانت مفتاحاً مهماً لقطر لردها على المظالم التي تعرضت لها بفعل ذلك الحصار.

تأمل قطر الآن في أن تسفر الدعاوى المرفوعة في لندن ونيويورك عن نتائج منصفة لها، على غرار حكم محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو/تموز 2018، والذي خلص إلى أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الإمارات ضد قطر خلال الأزمة الخليجية تنتهك المادتين 1 و 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري.

حالات التلاعب بالعملات الأجنبية أثارت تساؤلات رئيسية حول “تسليح” المؤسسات المالية في العلاقات الدولية. يعتبر التلاعب بالعملة المحلية وأسواق السندات من خلال “محاكاة ساخرة” عن طريق عروض أسعار وهمية، وصفقات بيع صورية شكلاً من أشكال الحرب المالية التي اتبعتها السعودية والإمارات عند شنهم الحرب المالية ضد قطر في 2017.

قيام قطر برفع هاتين الدعوتين يؤكد تصميم الدوحة على محاسبة جيرانها على الإجراءات التعسفية التي اتخذت ضدها في بداية الحصار في 2017، كما أنه يكشف للعالم مزيداً من التفاصيل عن الحملة المناهضة لقطر، والتي رغم قرب ذكرى مرور عامين عليها لا يبدو أن حلاً سيظهر في الأفق قريباً.

فيما يخص الرياض وأبو ظبي، قضية التلاعب في “الفوركس” قد تؤدي إلى زيادة تشويه صورتيهما دولياً بناء على الحكم الذي سيصدر من تلك المحاكم، خاصة إذا أدت تحقيقات قطر في ذلك “الهجوم المالي” الذي شُن ضدها في 2017، إلى رفع مزيد من الدعاوى القضائية ضد البنوك السعودية والإماراتية أو البنوك الدولية ذات الصلة بهم، والتي بطبيعة الحال ستطلب الحصول على معلومات إضافية حول حملة المقاطعة التي شنتها دول الحصار على قطر.

في حال ربحت قطر تلك الدعاوى القضائية، فإن هذا من شأنه أن يعزز من رواية الدوحة حول كونها ضحية العدوان الذي شنته عليها دول الجوار، والذي شمل حرباً مالية ضدها.

سيدعم فوز قطر بالدعاوى أيضاً جهودها في إقناع المجتمع الدولي والجهات المعنية في جميع أنحاء العالم بأن الدوحة تعاني من ظلم دول الحصار، وأنها تعرضت لضغوطات مباشرة غير مسبوقة، وهو ما دفعها للجوء إلى التحكيم الدولي.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا