بعد مرور قرابة الشهر دون أن تحقق الحرب التي أعلنها اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، على العاصمة الليبية، أهدافها عكس أهواء داعميه الإقليميين والدوليين، اتجهت الأنظار إلى الجهود الدبلوماسية، جراء التحول الطارئ في اتجاهات الموقف الدولي بشأن حل الأزمة، سيما بعد إعلان دول إقليمية فاعلة كتركيا عن دعمها لحكومة الوفاق.
وخلال الساعات الماضية شهدت ليبيا محادثات جرت بين شخصيات من أعلى المستويات، فبعد اتصال هاتفي بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أعلن الكرملين، مساء أمس الثلاثاء، عن اتفاق الرئيسين للدعوة “لوقف إطلاق النار في طرابلس بأسرع وقت واستئناف مفاوضات التسوية السياسية برعاية الأمم المتحدة”.
كما تلاه اتصال هاتفي من رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، نقل خلاله للسراج موقف الرئاسة التونسية والروسية من الهجوم على طرابلس، مؤكدا أنهما تتفقان مع إيطاليا على أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية، وأن الحل يظل بالعودة لمسار الحل السياسي.
كما استقبل السراج اتصالا هاتفيا من السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، أكد خلاله سعي بلاده لتعزيز التزامها السياسي.
وأصدر غراهام، وهو عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، بيانا أمس الثلاثاء ضمنه فحوى محادثاته مع السراج، جاء فيه أن “الإدارة الأميركية بحاجة للتأكيد على التصريحات السابقة الرافضة للحل العسكري في ليبيا والضغط من أجل المصالحة السياسية وأن بلاده يتوجب عليها قيادة الجهود لتحقيق المصالحة بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا وجميع الفصائل على الأرض”. وفيما عبر عن تقديره لجهود حكومة الوفاق في محاربة تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات الإرهابية في ليبيا، أكد غراهام في بيانه أن “توسع الحرب الأهلية في ليبيا سيعطي مجالا لملء الجماعات الإرهابية للفراغ”.
وبهذا الخصوص ترى الصحافية الليبية، نجاح الترهوني، أن المواقف الدولية بدأت تعرف بعض التحول بعد أن تمكنت حكومة الوفاق من تغيير المعادلة على الأرض ونقل المعركة من الدفاع إلى الهجوم.
وقالت الترهوني لـ”العربي الجديد” إن “حفتر لم يعد قادرا على اقتحام العاصمة عسكريا وبالتالي فحلفاؤه بين أمرين، إما التخلي عنه خصوصا أن بعضهم لم يعلن دعمه صراحة ولا يزال يمتلك صلات وثيقة بحكومة الوفاق، أو محاولة إنقاذه من خلال إقناع حكومة الوفاق بالقبول بالعودة لطاولة الحوار بوجود حفتر شريكا”.
كذلك أعربت عن اعتقادها بأن “الحكومة ومستشاري السراج كانوا يثقون في خسارة حفتر عسكريا وبالتالي استبقوا نتائج الميدان ليعلنوا عن مقتل حفتر سياسيا عندما أكدوا من أولى أيام المعركة أنهم لن يقبلوا به شريكا سياسيا”، مشيرة إلى أن حلفاء حفتر يواجهون مأزقا لإنقاذ وضعه السياسي.
وتابعت الترهوني قائلة إن “محاولات داعمي حفتر ومن بينهم الروس تصب في اتجاه تثبيت وجود القوات المتصارعة حاليا في أماكنها، ما يعني بقاء حفتر في وضع الحصار لطرابلس وهو مكسب سياسي يعوض خسائره العسكرية”.
وأكدت أن “الموقف الدولي بدأ في التطور لصالح عودة الخيار السياسي فكثير من الدول لا يمكنها أن تخسر مصالحها في ليبيا باصطفافها إلى جانب حفتر والاستمرار في دعمه”، مرجعة ذلك التغير إلى الانخراط التركي الكبير مؤخرا وسعيه للتأثير على الموقف الروسي.
في المقابل لا يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، خليفة الحداد، أن “هناك تراجعا دوليا تاما فحلفاء حفتر في أبوظبي والرياض والقاهرة ليس لديهم خيار آخر إلا الاستمرار في دعمه عسكريا وإن كانت هناك محاولة من الحكومة لإثناء بعض الدول الإقليمية عن مواقفها”، مستدلا بالزيارة الحالية التي يجريها وزير خارجية حكومة الوفاق، محمد سيالة، وعضو المجلس الرئاسي أحمد امعيتيق، للكويت حيث بحثا إمكانية تدخلها من خلال مجلس التعاون الخليجي للتأثير على مواقف دول خليجية داعمة لمشروع حفتر العسكري.
وأضاف الحداد بالقول إن “حكومة الوفاق تنقصها الكثير من الخبرة السياسية فرفضها لعودة حفتر شريكا سياسيا يعني قفل الباب أمام عودة التفاوض السياسي وطبيعي أنه لا يوجد طرف آخر في ليبيا يمكنه التفاوض مع الحكومة سوى حفتر”، متسائلا “هل تقبل الحكومة مثلا بمجلس النواب وهو لا يسيطر على شيء؟”.
وتابع “حفتر لا يزال يمتلك الكثير من الأوراق التي يمكن أن يغيّر بها مواقف دول كبرى لصالحه وعلى رأسها مواقع ومنشآت النفط وهي أهم ما يمثل مصالح تلك الدول في ليبيا”، مبينا أن “الحكومة هي الأخرى لا تزال تمتلك الاعتراف الدولي الشرعي لكنها لا تحسن استثماره”.
الحداد يرى أيضا أن وقوف دول مؤثرة إقليميا كإيطاليا وتركيا وغيرها لصالح الحكومة يستلزم بالتالي ضرورة تليين الحكومة لموقفها و”استمرار تصلبها واستمرارها في الحرب سيحول المنطقة إلى سورية أخرى كل طرف يدعمه فريق”.وبينما أشار إلى أن “الحكومة لم تفقد اعترافها الشرعي الدولي وبالتالي فهي من تقف موقف القوة دوليا وعليها إجبار حفتر للانصياع لشروطها السياسية”، أوضح أن “الدول الكبرى كروسيا وفرنسا وحتى أميركا كلها تقف متفرجة ولم تعلن ميلها لصالح حفتر وما تسوقه الآلة الإعلامية عن دعم هذه الدول لحفتر وهم وإلا لماذا تركت قواته تنكسر على الأرض وتتلقى صفعة كبيرة؟”
وعلى الأرض يرى الخبير العسكري الليبي، محيي الدين زكري، أن المتغيرات الميدانية قد تكون وراء اتجاه مواقف المجتمع الدولي للتبدل. وقال لـ”العربي الجديد” إن “تلك الدول الإقليمية التي لا تتوفر على خبرة كبيرة في ليبيا سوقت إمكانية انتصار حفتر في طرابلس”، مشيرا إلى أن كل الظروف الطبوغرافية والسكانية تلغي ما سوقته تلك الدول.
وأوضح أن “طرابلس بها خمس سكان ليبيا وحفتر لم يستطع إخفاء جرائمه كما فعل في درنة والجنوب فسريعا ما تداولت وسائل الإعلام جرائم كبيرة اقترفتها قواته التي دللت على أنها ليست جيشا كما يدعي”. وتابع “زد على ذلك أن ذراعه القوي في هذه الحرب وهي ترهونة والتي باتت قوات الحكومة على مشارفها ستنصاع قريبا لمطالب الانسحاب من الحرب مقابل سلامتها وستلحقها غريان”. وأشار إلى أن خطوط الإمداد التي كان يعول حفتر عليها لتزويد ترهونة وغريان بالسلاح والعتاد انقطعت وباتت قواته محاصرة في المدينتين.
وشدد زكري على أن “خسارة حفتر على الأرض واضحة وظاهرة تزامنا مع انكشاف شماعة الإرهاب التي جاء يقاتل بموجبها فالمجتمع الدولي لم ير إلا مقاتلين مدنيين في صفوف قوات الحكومة”، مدللا على ذلك بأن دولا عربية كتونس وأوروبية كألمانيا بدأت في استقبال جرحى قوات الحكومة ما يدل على قناعتها بأنهم مدنيون وليسوا إرهابيين.
وأكد أن مدة الحرب كشفت الكثير من المعطيات على الأرض، وسهلت وصول الصورة الحقيقية لمعركة حفتر، التي جاءت لهدم المسار السياسي والاستيلاء على البلاد عسكريا تلبية لطموحه في الحكم منفردا.
اضف تعليقا