لم يشكل استهداف مليشيا جماعة “الحوثيين” اليمنية لمحطتي ضخ تابعتين لشركة أرامكو في منطقة العاصمة السعودية الرياض تهديداً لسيادة المملكة وأمن منشآتها الحيوية فقط، بل إن للحدث تداعيات اقتصادية أوسع من ذلك بكثير.

فظُهر أمس الثلاثاء (14 مايو)، أعلنت السعودية على لسان وزير الطاقة، خالد الفالح، عن استهداف “محدود” لمحطتي ضخ تابعتين لـ”أرامكو” في الرياض، قائلاً: “إن ذلك تم من خلال هجوم نفذته طائرات بلا طيار مفخخة، وتمت السيطرة عليه بعد أن خلَّف أضراراً محدودة”.

وأضاف الفالح: “تعرضت محطتا ضخ لخط الأنابيب شرق – غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، لهجوم من طائرات (درون) من دون طيار مفخخة، ونجم عن ذلك حريق في المحطة رقم 8، تمت السيطرة عليه بعد أن خلَّف أضراراً محدودة”.

من جانبها أعلنت “أرامكو” أنها أوقفت ضخ النفط في خط الأنابيب بشكل احترازي بسبب الأضرار التي خلّفها استهداف أعلنت مليشيا الحوثيين مسؤوليتها عنه، وقالت إن سلاحها الجوي المسيَّر، “التابع للجيش واللجان الشعبية”، نفذ عملية عسكرية كبرى ضد أهداف سعودية.

وأكد مصدر عسكري لموقع “المسيرة نت” التابع للحوثيين، أن سبع طائرات مسيَّرة نفذت هجمات طالت منشآت حيوية سعودية، “رداً على استمرار العدوان والحصار على أبناء شعبنا باليمن”، وفق تعبيره.

وهذا هو الهجوم الثاني الذي تُستهدف فيه منشآت للمملكة، خلال اليومين الماضيين، حيث اعترفت الرياض، يوم الاثنين، بتعرُّض ناقلتين سعوديتين لـ”هجوم تخريبي” وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي قرب المياه الإقليمية للإمارات.

ويعتقد مراقبون اقتصاديون أن مهاجمة “الحوثيين” لشركة أرامكو يعني من وجهة النظر السياسية صفعة قوية لسيادة المملكة، لكنه من الناحية الاقتصادية يعني تهديداً للشركة التي توفر 70٪ من إيرادات الدولة المالية.

ما هي أرامكو؟

لم يكن اختيار مليشيا الحوثي لشركة أرامكو عشوائياً؛ فهم يدركون أهميتها الاستراتيجية الاقتصادية بالنسبة إلى المملكة، لأنها الشركة الكبرى في العالم في تصدير النفط.

وتتولى الشركة، التي تأسست في العام 1933، إدارة احتياطي نفطي تبلغ قيمته نحو 265 مليار برميل (15% من الاحتياطي العالمي)، واحتياطي من الغاز يبلغ 288 تريليون قدم مكعب.

وتقدر السعودية قيمة الشركة بنحو تريليوني دولار، وقد بلغت أرباحها في العام 2018 قرابة 224 مليار دولار، وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً من حيث طاقة التكرير، بتقدير 3.4 ملايين برميل يومياً.

وتبيع أرامكو أكثر من 10 ملايين برميل من النفط يومياً، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج أكبر شركة نفطية مدرجة في البورصة في العالم، وهي “إكسون موبيل”، كما أنها تمتلك مصافي وصهاريج وأنابيب نفط ومراكز بحوث في أنحاء السعودية، ولها فروع في مختلف أنحاء العالم.

كما تمتلك أرامكو، التي يعمل فيها 65 ألف موظف، أسطولاً مكوناً من 79 طائرة، و15 مروحية، ومطارين في الولايات المتحدة، وهي الشركة الوحيدة التي يُسمح لها بامتلاك وتشغيل المطارات الخاصة في الولايات المتحدة.

وللشركة مرافق للطيران في خمسة مطارات في السعودية؛ لتيسير نقل موظفيها بين عمليات الشركة المختلفة ومكاتب تمثيلها في جميع أنحاء العالم.

الهجوم يربك اقتصاد السعودية

وكنتيجة طبيعية للهجوم على الشركة، التي تعد بمنزلة شريان الحياة وعصب الاقتصاد السعودي، انخفض المؤشر الرئيسي للأسهم السعودية بنسبة 2%، وهو ما تسبب بخسائر في القيمة السوقية الإجمالية للبورصة قدرت بـ10 مليارات دولار، بحسب وكالة “رويترز”.

ووفق وكالة “CNBC” الاقتصادية الأمريكية، فإن خسائر البورصة السعودية في اليومين الماضيين بلغت 21 مليار دولار؛ وذلك بسبب استهداف شركة أرامكو ومهاجمة ناقلتين سعوديتين، الاثنين الماضي، وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي قرب المياه الإقليمية للإمارات.

ويقول المختص الاقتصادي، عاصم أحمد: إن “التهديدات الحوثية المتواصلة للسعودية واستهدافها لشركة أرامكو، وقبل ذلك للعاصمة الرياض، يربك الاقتصاد السعودي ويخفض من تصنيفه عالمياً ويؤثر في نموه”.

ويضيف أحمد في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “مهاجمة أرامكو على وجه التحديد تصعيد خطير يستهدف عصب اقتصاد السعودية، ويخلق حالة من القلق والرعب في أسواق النفط العالمية”.

ويشير إلى أن الحوثيين باتوا يهددون شركة أرامكو والمنشآت الحساسة في السعودية بقوة بعد هذا الهجوم، وهذا سينعكس سلباً على اقتصاد الرياض، وسيزيد من أزماتها المتفاقمة أصلاً، فهي تعتمد على شركة النفط العملاقة للحصول على نحو 70% من إيرادات الدولة المتوقعة للعام 2019، والتي ستبلغ 260 مليار دولار.

ومن ناحية أخرى فإن استهداف أرامكو، كما يقول الخبير الاقتصادي، سيثير قلق رجال الأعمال الأجانب، ما سيدفعهم للبحث عن دول أخرى للاستثمار فيها، مشيراً إلى أن “قيمة الخسائر التي ستتكبدها المملكة لا يمكن تقديرها بالوقت الحالي، لكنها بالتأكيد ستكون كبيرة واستراتيجية”.

يشار إلى أن اقتصاد المملكة يواجه عثرات كبيرة منذ دخول السعودية في حرب مع الحوثيين باليمن، عام 2015؛ من أهمها التكلفة المالية الباهظة لهذه الحرب، وارتفاع معدلات الدين العام، وزيادة عجز الموازنات السنوية، وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وهروب المستثمرين من البلاد.

وكانت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية قد قالت، في تقرير سابق لها: إن “الحرب على اليمن لا تظهر فيها مؤشرات على تحقيق أي نجاح، ومن ثم فإن السعودية وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على الجانب الدفاعي قبلَ أي جانب آخر”.

تداعيات على أسواق النفط

وأوضح المحلل الاقتصادي أن استهداف شركة “أرامكو” سيخلق حالة من القلق في أسواق النفط العالمية، ويعطل إنتاج النفط السعودي ولو بشكل محدود ومؤقت.

وأشار إلى أن الحوثيين استهدفوا محطتي ضخ للنفط تزودان خط الأنابيب الذي يمتد إلى ميناء ينبع (على الساحل الغربي للسعودية)، الذي يصدر نحو 100 ألف برميل من النفط يومياً.

ولفت إلى أن خط الأنابيب المستهدف هو المورد الوحيد للنفط لميناء ينبع، وتوقفه يعني توقف إمدادات النفط من الميناء، متوقعاً أن تواصل أسعار النفط الصعود وأن تتجاوز حاجز الـ80 دولاراً للبرميل، ما سيسبب قفزات كبيرة في أسعار النفط.

وارتفعت أسعار النفط الخام العالمية بعد إعلان السعودية عن الهجوم الذي تعرضت له “أرامكو”، فصعدت عقود النفط الآجلة بنحو 1.45% بالنسبة لخام برنت إلى 71.26 دولاراً للبرميل.