ما هي تفاصيل اتفاق نقل السلطة في السودان، الذي أُعلن عنه الأربعاء 15 مايو/أيار 2019، هل حقَّق الحراك السوداني أهدافه بضمان سيطرة المدنيين على السلطة، ومَن سيقود الحكومة الجديدة التي سيثمر عنها الاتفاق؟ خرج هذا الاتفاق بعد يوم هو الأكثر دموية منذ تنحِية الرئيس السوداني عمر البشير، حيث سقط ستة قتلى يوم الإثنين 15 مايو/أيار 2019، إثر إطلاق نار على المعتصمين من قِبل أشخاص يرتدون زي قوات الدعم السريع، وفقاً لشهود عيان، وهو الأمر الذي نفاه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
إليك أهم تفاصيل اتفاق نقل السلطة في السودان
وأعلن عضو بالمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، الأربعاء 15 مايو/أيار 2019، أن المجلس اتَّفق مع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المعارض، على أن تستمر الفترة الانتقالية في البلاد ثلاث سنوات، مضيفاً أنه سيجري التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن مرحلة الانتقال خلال 24 ساعة.
وذكر الفريق ياسر العطا أن قوى إعلان الحرية والتغيير ستحصل على ثلثي مقاعد المجلس التشريعي، على أن تذهب البقية للأحزاب غير المنضوية تحت لواء ذلك التحالف المعارض.
هذه كانت نقاط الخلاف الرئيسية.. فهل تم حلها؟
في مسألة المرحلة الانتقالية
اتفقوا على حل وسط نقاط الخلاف الرئيسية بين قيادات الحراك، والعسكريين كان أبرزها مدة المرحلة الانتقالية. إذ كانت هناك مفارقة غربية، هي أن الحراك يريد إطالة المدة الانتقالية إلى 4 سنوات، مقابل طرح المجلس العسكري الذي يريد مدة تستمر عامين. ويبدو أن الطرفين توصّلا إلى اتفاق وسط، هو ثلاث سنوات.
ما هو دور الإسلاميين في السلطة الجديدة؟
أما نقطة الخلاف الثانية، فهي دور الإسلاميين في المرحلة الانتقالية، إذ يريد الحراك استبعاد الإسلاميين بالكامل من السلطة، بما في ذلك حزبا المؤتمر الوطني الذي كان يقوده البشير، والمؤتمر الشعبي الذي كان يقوده حسن الترابي (والذي كان بعيداً نسبياً عن السلطة).
وهذه النقطة من غير الواضح هل تم الاتفاق عليها أم لا.
ولم يصدر حتى الآن في السودان أيُّ قرار رسمي بخصوص حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، رغم الإطاحة بالرئيس عمر البشير الذي كان يتزعمه، ورغم رفضه ما قامت به المؤسسة العسكرية رسمياً. واتهم الحزب المجلس العسكري بالاستيلاء على السلطة، في انتهاك للدستور، لكنه قال في الوقت نفسه إنه يتفهم الدوافع التي أدت إلى ذلك.
وسبق أن قال مراقب عام الإخوان المسلمين في السودان، عوض الله حسن، إن الثورة قامت على عدة أسس، هي (الحرية، السلام، العدالة) وإن عليها الاستمرار بهذا الشكل. ولفت إلى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً لا يمكن أن يستمرّ بهذا الشكل، خصوصاً أن لديه كتائب ظل، يجب سحب سلاحها بشفافية ووضوح تام. وأكد حسن أن الحزب لن يشارك في الفترة الانتقالية بحال من الأحوال، لأن الثورة قامت عليه بالأساس.
هل يدخل الإسلاميون والأحزاب الحليفة للبشير إلى البرلمان الجديد؟
وفقاً لما أُعلن فإن الاتفاق يشير إلى منح ثلث المجلس التشريعي للقوى غير المنضوية في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير. علماً أن القوى التي لم تنضم للإعلان تشمل إسلاميين وغير إسلاميين، كما أن هناك قوى وأحزاباً غير إسلامية كانت حليفة لحكم البشير. فهل يُقصد بمنح ثلث المجلس التشريعي للقوى غير المنضوية للتحالف القوى المعارضة فقط، أم يشمل هذا التصنيف القوى الحليفة للبشير أيضاً.
وإذا كان هذا التصنيف يشمل القوى الحليفة للنظام السابق، فهل يعني ذلك السماح للإسلاميين بالانضمام للمجلس التشريعي، علماً أنَّ المؤتمر الشعبي، أبرز الأحزاب الإسلامية، كان قد دخل في خلاف مع البشير جرّاء صراعات مؤسِّسه حسن الترابي مع الرئيس السوداني، ولكن الحزب اقترب أكثر للسلطة بعد وفاة الترابي. كل هذه الأسئلة يُثيرها الاتفاق، في ظلِّ غياب التفاصيل، علماً أنه قد يكون ليس هناك اتفاق على مثل هذه التفاصيل، الأمر الذي من شأنه أن يثير العديد من المشكلات بعد ذلك، حول حصص كل حزب أو تيار، ومعايير الاختيار.
المجلس السيادي..
مازال الأمر غامضاً رغم النوايا الحسنة شكَّل موضوع المجلس السيادي الانتقالي، الذي سيكون بمثابة بديل للرئاسة، أحدَ أبرز النقاط الخلافية بين المجلس العسكري والحراك السوداني. يريد كل طرف الهيمنة على هذا المجلس. فقد شدَّد تجمُّع المهنيين السودانيين على تمسُّكه بمجلس سيادي مدني انتقالي واحد، على أن يتضمَّن تمثيلاً محدوداً للعسكريين. في حين كان يريد العسكريون أن تكون لهم الأغلبية في المجلس، وكان من بين المقترحات التي قدَّمتها اللجنة المختصة بالمجلس العسكري تشكيل المجلس السيادي من 10 أشخاص، 7 عسكريين، و3 مدنيين. في المقابل سبق أن دفعت قوى إعلان الحرية والتغيير بمقترح المجلس السيادي، على أن يتكون من 15 شخصاً؛ 8 مدنيين، و7 عسكريين. ويبدو أنه ليس هناك اتفاق نهائي حول النقطة الأكثر إشكالية. إذ قال العضو بقوى إعلان الحرية والتغيير، ساطع الحاج، تعليقاً على موضوع تشكيل مجلس سيادي جديد لقيادة البلاد لحين إجراء الانتخابات: «وجهات النظر قريبة، وإن شاء الله الاتفاق قريب». رغم أن معالم الاتفاق ليست واضحة بالكامل، فإنه من الواضح أن الاتفاق سيكون بمثابة تقسيم للسلطة بين إعلان قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وإعطاء نصيب أقل للقوى السياسية الأخرى، كما يظهر من التقسيمة المعلنة للمجلس التشريعي، التي تمنح قوى الحرية والتغيير ثلثي البرلمان. وتبقى النقطة الأهم مَن يسيطر على المجلس السيادي، فإذا أتيح لقوى إعلان الحرية والتغيير السيطرة بنفس النسبة التي حصل عليها في المجلس التشريعي (الثلثين)، أو حتى الأغلبية البسيطة (النصف + واحد)، فإن هذا يعني أنها سوف تسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهذا يعني أن المدنيين نظرياً على الأقل ستكون لهم الغلبة على العسكريين. ولكن اللافت أن هؤلاء المدنيين يطلبون مرحلة انتقالية طويلة نسبياً (كانوا يريدون أربع سنوات وحصلوا على ثلاث) سيتحكمون فيها بالسلطة رغم أنهم غير منتخبين. وتُتهم «قوى إعلان الحرية والتغيير» بأنها تقوم بعملية إقصاء للعديد من القوى السياسية السودانية، مثلما ألمح السياسي السوداني غازي صلاح الدين العتباني. بينما ينفي تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك ذلك، مشيراً إلى أنه أشرك أحزاباً وقوى سودانية عبر عملية تشكيل «قوى إعلان الحرية والتغيير».
هل يلعب العسكريون على تناقضات القوى المدنية؟
وإذا تم هذا الاتفاق بين العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير، فإن من شأنه أن يفتح الباب لنقاشات وجدل بين مكونات هذه القوى، حول نصيب كل منها في المجلسين السيادي والتشريعي. كما أنه لا يمكن استبعاد أن يسعى العسكريون الذين سيكون لهم نصيب في المجلس السيادي إلى استغلال الخلافات بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير لصالحهم، خاصة بين القوى الأكثر ثورية، مثل تجمع المهنيين السودانيين، وبين القوى والأحزاب التقليدية، التي يرى البعض أنها تلجأ لأسلوب المساومة في التعامل مع الحالة الثورية. كما أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ألا يؤدي طول الفترة الانتقالية إلى إتاحة الفرصة لمزيد من التدخلات الخارجية الراهنة لوأد الحراك السوداني؟ أم أن قادة الحراك يراهنون على إمكانية استغلال هذه الفترة لإقصاء رموز النظام السابق، فهل يسمح لهم الجيش بذلك؟.
اضف تعليقا