قال الحاكم الأمريكي السابق للعراق بول بريمر، إن أمريكا على قناعة بأن هناك خطراً استراتيجياً يهدد مصالحها بالشرق الأوسط، وهذا الخطر تجسد بعد سحب قواتها من المنطقة.

وأوضح بريمر، في مقابلة له مع قناة “الجزيرة” القطرية، ستبث اليوم الخميس، أن الانسحاب الأمريكي ترك المجال أمام ثلاث إمبراطوريات قديمة تتصارع على ملء الفراغ، وتريد كل واحدة منها بسط نفوذها، وهي الإمبراطورية الفارسية والروسية والعثمانية.

وعن التطور الأخير بين الولايات المتحدة وإيران، بيّن الحاكم الأمريكي السابق للعراق أن حكومة بلاده قلقة على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، وهي تدرك تماماً أن الرئيس السابق، باراك أوباما، اتخذ الكثير من القرارات الخاطئة التي نجم عنها الوضع الخطير الحالي بالمنطقة، أبرزها اتفاقه النووي مع إيران.

وبين أنه عمل مع ستة وزراء خارجية، وأنه يدرك أن إجلاء موظفي ورعايا أمريكا من منطقة ما ليس بالقرار السهل، فهو قرار مربك ويثير مشاعر الإحباط.

وشدد على قناعته بأن حكومته لم تكن لتتخذ قراراً بإجلاء موظفيها ورعاياها من أربيل وبغداد لو لم تكن تتوفر لديها معلومات استخباراتية دقيقة بشأن مخاطر تهدد حياتهم وسلامتهم.

ترامب صاحب قرار الحرب

وبخصوص ما يُتداول حول سعي بعض أعضاء الإدارة الأمريكية إلى التأثير على الرئيس دونالد ترامب لشن حرب مع إيران رغم أنه لا يريدها، قال بريمر: إن “الرئيس في النظام الأمريكي هو صاحب القرار النهائي بشن حرب أم لا”.

وشدد بريمر على أن المهم هو ما يقوله ترامب لا ما يقوله رئيس الأمن القومي جون بولتون، أو وزير الخارجية مايك بومبيو، وأشار إلى أن كلاً من ترامب ونظيره الإيراني يؤكدان أنهما لا يريدان الحرب؛ “وقد يكونان صادقين، وقد يكونان مراوغَين”.

وقال أيضاً إن وزير الخارجية مثل كثير من المسؤولين الأمريكيين يصنفون إيران على أنها أكثر الدول الداعمة للإرهاب، وأضاف أن “بومبيو لا يزال يحتفظ في ذاكرته بصور أمريكيين قتلوا في العراق بإيعاز من إيران”.

ورداً على سؤال: لماذا أرسل ترامب المقاتلات والبارجات للمنطقة إذا لم يكن يريد حرباً ويريد التفاوض كما يقول، أكد بريمر أن “استعراض القوة قد يكون السبيل الأنجع لإنجاح الدبلوماسية، وإجبار الإيرانيين على العودة لطاولة المفاوضات”.

وبحسب بريمر فإن الكثير من الأمريكيين من كلا الحزبين؛ الديمقراطي والجمهوري، يعارضون الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما مع الإيرانيين، لأنه يتيح لإيران بناء سلاح نووي خلال عشر سنوات.

كما أكد بريمر أن الإيرانيين أدركوا أن أوباما كان مستعجلاً على توقيع الاتفاق قبل أن يغادر البيت الأبيض، لذلك هم وقعوا الاتفاق عندما كانت بنوده لمصلحتهم.

وتصاعدت مؤخراً لهجة التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، والأسبوع الماضي أعلنت واشنطن إرسال حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” وقاذفات استراتيجية إلى الشرق الأوسط، تحت مزاعم وجود معلومات استخباراتية تفيد باستعداد إيران لتنفيذ هجمات قد تستهدف القوات أو المصالح الأمريكية بالمنطقة.

مصالح أمريكا

ورداً على سؤال إذا كانت الولايات المتحدة قد أوشكت على الاكتفاء نفطياً، ولن تكون بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، فما هي المصالح التي تخشى عليها بالمنطقة؟ ولماذا تريد أن تعود بقواتها إليها؟ أجاب بريمر أن “إسرائيل هي الحليف الديمقراطي الرئيسي لأمريكا بالمنطقة، وأن الأخيرة يهمها حماية هذا الحليف من أية أخطار قد يتعرض لها”.

ومع أن بلاده لن تكون بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، فإن حلفاء أمريكا الآسيويين، وخاصة الهند، يعتمدون بشكل كبير على نفط المنطقة، لذلك على أمريكا أن تحفظ أمن واستقرار الشرق الأوسط ويجب ألا تغيب عنه وألا تترك غيرها يتولى إدارة مصالحها، كما قال بريمر.

تجربة ناجحة

وفيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي من العراق، انتقد بريمر الرئيس أوباما الذي “اتخذ بدون أي حسابات قرار الانسحاب”، ووصفه بأنه كان “مستعجلاً”، وكان يبحث عن أية ذريعة للانسحاب.

ورغم الأوضاع المتردية التي يعيشها العراق حالياً، فإن بريمر أكد أن التجربة العراقية بعد الغزو الأمريكي “ناجحة”، مشيراً إلى تدني أرقام البطالة، وارتفاع دخل الفرد، وتحسن الناتج القومي، مقارنة بما كان عليه الوضع أيام الرئيس الراحل صدام حسين، مشيراً إلى أنه عندما أسقطت واشنطن نظام صدام فقد أنهت 1000 عام من التسلط السني ضد الأقلية الشيعية.

ورفض بريمر وجهة النظر التي ترى أن قراره الشخصي بحل الجيش العراقي كان سبباً رئيسياً بإيجاد تنظيم الدولة “داعش” بالعراق، لكنه حمّل رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، المسؤولية الكبرى عن هذا القرار.

وقال بريمر: إن “المالكي عزل كبار الضابط بالجيش الذين تدربوا على يد الأمريكيين، ووضع بدلاً منهم أفراداً من المحسوبين عليه، والذين كانوا يفتقرون إلى كل المهارات القتالية والعسكرية، ولم يستطيعوا الصمود أمام قوات القاعدة وانسحبوا منذ اللحظات الأولى”.

يشار إلى أن بريمر عينه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش رئيساً للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق عقب الغزو الأمريكي في 6 مايو 2003، واستمر في منصبه حتى 28 يونيو 2004.