بعد تواتر تقارير تتحدث عن رصد تحركات لتنظيم الدولة في محيط المناطق التي خسرها بالعراق عام 2017، واحتمال عودته إليها بهجوم مباغت كما فعل عام 2014، لجأت الحكومة العراقية إلى تسليح العشائر في تلك المناطق لتتمكن من مجابهة عناصر التنظيم.
القرار هذا جاء في ظل عجز الحكومة عن تغطية تلك المناطق عسكرياً بما يضمن مجابهة فعالة لهذا التحرك، وأيضاً جاء استجابة للطلبات الملحة من عشائر تلك المناطق، وهي عشائر عربية سنية، تخشى من انتقام التنظيم حال عودته.
تسليح العشائر السنية أثار حفيظة قيادات مليشيا الحشد الشعبي، التي استقرت في تلك المناطق بعد طرد “داعش”، واتخذت لها فيها مواطئ قدم، وأقامت قواعد عسكرية دائمة فيها، إلى جانب سيطرتها على الوضع الاقتصادي، من خلال ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية.
القرار عند تنفيذه سيمكن مسلحي العشائر من مزاحمة المليشيات في الوجود العسكري بهذه المناطق، وهذا ما تخشاه الأخيرة، وعبّر مسؤولون فيها عن رفضهم هذه الخطوة، وربطوها بالتحرك الأمريكي في المنطقة.
تسليح بإرادة أمريكية
الحشد الشعبي، الذي أُسس بفتوى من المرجع الديني علي السيستاني، صيف 2014، لقتال تنظيم “داعش”، ينظر إلى خطوة تسليح العشائر السنية في المناطق المحررة من التنظيم على أنها جاءت بدفع أمريكي، وأن وراءها غايات تتعلق بديمومة وجود القوات الأمريكية في العراق.
وقال حسين الكعبي، الإعلامي في هيئة الحشد، لـ”الخليج أونلاين”: إن “الأمريكان يحاولون دق إسفين بين فصائل الحشد الشعبي والعشائر السنية، مستخدمين بعبع داعش والتخويف من عودته مرة ثانية”، مستدركاً: “وفي هذا الإطار لاحظنا تقارير إعلامية محلية وغربية نشرت بشكل متزامن تتحدث عن عودة التنظيم”.
وأضاف: إن “الهدف من ذلك هو زيادة مساحة تدخل الولايات المتحدة بالشأن العراقي الداخلي؛ عبر الظهور بمظهر المنقذ للسنة، لذلك أقنعت أمريكا بعض شيوخ العشائر بضرورة التسلح، ومارست ضغطاً على حكومة عبد المهدي للمضي قدماً في هذه الخطوة”.
وتابع الكعبي: “لدينا معلومات أن قاعدة عين الأسد (قاعدة عسكرية أمريكية) في الأنبار (غرب) شهدت اجتماعات بين مسؤولين أمريكيين وزعماء قبائل من الموصل والأنبار وكركوك وديالى، نوقشت خلالها مسألة التسليح التي لاقت ترحيباً من بعض هؤلاء الشيوخ”.
الكعبي أشار إلى أن “تسليح العشائر هو عملية إعادة إخراج لسيناريو إنشاء الصحوات عام 2006، التي أوجدت حينها بحجة مواجهة تنظيم القاعدة”.
وكانت القوات الأمريكية، ومعها حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي (2006-2014)، فشلت في التعامل مع سيطرة تنظيم القاعدة على العديد من المناطق السنية في محافظة الأنبار ومناطق حزام بغداد، فيما نجح مسلحو العشائر، الذين أطلق عليهم تسمية “الصحوات”، في محاربة التنظيم وطرده من مناطقهم خلال مدة قياسية، بعد تسليحهم من قبل الأمريكيين.
حكومة المالكي عمدت إلى حلّ الصحوات بعد قطع الرواتب المخصصة لمقاتليها، وتصفية أغلبية قياداتها لأسباب نسبت حينها إلى ثأر من تنظيم القاعدة، في حين تنقل وسائل إعلام محلية عن مصادر مطلعة أن جهات مرتبطة بالحكومة عمدت إلى تصفية قيادات الصحوة؛ خشية من تحولها إلى قوة موازية للدولة.
ضرورة أملتها التحديات
في المقابل نفى صباح شعلان الشمري، قائد أحد الفصائل العشائرية في منطقة البعاج، غربي مدينة الموصل، وجود أي ارتباط بين قرار الحكومة بتسليح العشائر والجانب الأمريكي.
وقال الشمري لـ”الخليج أونلاين”: إن “تسليح العشائر في هذه المرحلة ضرورة أملتها التحديات التي تمر بها المنطقة، وقرار الحكومة جاء بناءً على إرادة العشائر وطلبها الملح”.
وأضاف: “أوصلنا صوتنا إلى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عبر نواب مناطقنا في البرلمان، الذين أكدوا لنا أن الرجل مرن ومنفتح في التعاطي مع قضايا واحتياجات المنطقة أكثر من أسلافه”.
الشمري أشار إلى أن “رئيس الوزراء سمع إلى تقييم القيادات العسكرية في المنطقة، التي أكدت بدورها أن تهديد داعش أمر حقيقي وقائم، لذلك جاء قرار التسليح من الحكومة، ونفذته القيادات العسكرية في الجيش، ولم يشارك أي شخص أجنبي لا في اتخاذ القرار ولا في تنفيذه”.
محاذير ومخاوف سياسية
قرار الحكومة بتسليح العشائر لم يخلُ من تباين في المواقف السياسية في التعاطي معه، فبينما أيدت بعض القوى القرار، تحفظت كيانات سياسية أخرى عليه، مشيرةً إلى وجود محاذير ومخاوف بخصوصه.
عضو في مجلس محافظة نينوى أشار إلى أن قرار التسليح جاء من الحكومة المركزية في بغداد، ونفذ من قيادة عمليات نينوى دون التشاور مع مجلس المحافظة، أو الحكومة المحلية.
وقال لـ”الخليج أونلاين”، طالباً عدم ذكر اسمه: إن “المحافظة مقبلة على انتخابات محلية في نهاية العام، وهناك مخاوف حقيقية من أن يستخدم سلاح العشائر في التأثير على نتائجها، خاصة أن سلطة الدولة في المناطق الريفية تكون ضعيفة، وقد تستغل الفصائل العشائرية قوتها العسكرية لممارسة شكل من أشكال التأثير”.
وأضاف: “أيضاً هناك مخاوف اجتماعية مترتبة على عملية التسليح؛ فالعلاقات العشائرية تمتاز بالتنافس والصراع منذ القدم، وبعض العشائر توارثت ثارات عبر أجيال، ولا ضمان أن السلاح الذي توزعه الدولة لن يستخدم في هذه الصراعات”.
بدوره دعم أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق والقيادي في تحالف “القرار”، قرار الحكومة بتسليح العشائر السنية، وقال في بيان: إنها “خطوة جيدة، لكنها غير كافية لمنع هجمات داعش”.
وطالب الحكومة بأن تساند العشائر بـ”دعم جوي قادر على تعويض فرق التسليح والتدريب بين القوى العشائرية، وإمكانيات الإرهابيين وتدريبهم”.
يشار إلى أن مدن شمال العراق وغربه سقطت في قبضة تنظيم الدولة عام 2014، بعد هزيمة وحدات الجيش العراقي أمام المئات من مسلحي التنظيم، الذين وصلوا إلى مشارف العاصمة بغداد، وبعد معارك طاحنة أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، في 10 يوليو 2017، تحرير جميع المناطق التي احتلها “داعش”، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حذرت، الاثنين (20 مايو)، من عودة التنظيم إلى المناطق المحررة، وقال عضو اللجنة النائب عدنان الأسدي، في تصريح صحفي: إن “تعامل بعض عناصر القوات الأمنية السيئ مع المواطنين في المناطق المحررة وغيرها، قد يؤدي إلى ظهور تنظيم داعش الإرهابي مرة ثانية”، داعياً الحكومة إلى “التعامل بجدية مع الأمر، واتخاذ خطوات إيجابية في التعامل معه”.
اضف تعليقا