أثارت الدعوة التي تلقاها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من العاهل السعودي الملك سلمان، تساؤلات حول مشاركة الدوحة في القمة الخليجية الطارئة.

الدعوة جاءت بعد سيل من الاتهامات والحملات المشبوهة التي شنتها دول حصار قطر ووسائل إعلامها، على مدار عامين منذ بدء الأزمة الخليجية، وحصار قطر في يونيو 2017.

وذكرت وزارة الخارجية القطرية، الأحد (26 مايو 2019)، أن الشيخ تميم تلقى رسالة خطية من العاهل السعودي من أجل المشاركة في القمة المقرر عقدها في مكة يوم 30 مايو الجاري.

وأوضحت عبر موقعها الرسمي أن الرسالة التي وصلت عبر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني،  تضمنت دعوة الشيخ تميم لحضور القمة.

وفي الرسالة الخطية التي تسلمها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يظهر التناقض السعودي في الموقف من قطر.

فمنذ بدء أسوأ أزمة تشهدها دول مجلس التعاون، تذرعت دور الحصار باتهام قطر بـ”دعم الإرهاب”، وهو ما نفته الدوحة ولا تزال، مؤكدة أنها محاولة للسيطرة على قرارها السيادي.

وعلى النقيض تماماً، ها هي السعودية تدعو قطر اليوم إلى المشاركة في القمة الخليجية الطارئة، في وقت تشهد المنطقة توتراً متسارعاً.

ويأتي انعقاد القمم في وقت تشهد فيه منطقة الخليج أزمة بين واشنطن وطهران، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط.

وتقول واشنطن إن هناك معلومات استخبارية بشأن استعدادات محتملة من قبل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأمريكية.

هل تحضر قطر؟

وفي 18 مايو الجاري دعا الملك سلمان إلى عقد قمتين في مكة “من أجل التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وفي ظل المواقف المتضاربة لدول الحصار، وعلى رأسها السعودية، تبقى مشاركة قطر في القمة محل تساؤل، خاصة أن الدوحة لم تعلق على الدعوة حتى الساعات الأولى من ليلة الـ27 من مايو الجاري.

وفي إطار ذلك أعلنت قطر، الأحد الماضي (20 مايو)، أنها تدرس المشاركة في القمة الإسلامية المقرر عقدها في مكة المكرمة، بعد أن وصلتها دعوة من منظمة التعاون الإسلامي.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي، آنذاك: “وصلتنا دعوة من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وندرس المشاركة”.

وبشأن دعوة قطر من أجل المشاركة في القمتين الخليجية والعربي، علق المريخي على ذلك بالقول: “لم نتلقَّ حتى الآن أي دعوة رسمية، ويبقى لكل حادث حديث”.

وعلى الرغم من دعوة اليوم التي وجهت لأمير قطر، فإن بيان وزارة الخارجية القطرية لم يشر إلى دعوة من أجل المشاركة في القمة العربية المقررة في الوقت ذاته.

وتأتي الدعوة في ظل استمرار الأزمة الخليجية، بعد أن قطعت دول السعودية والبحرين والإمارات علاقاتها مع قطر في 5 يونيو 2017.

ومنذ ذلك الحين تراوحت مشاركة قطر في القمم الخليجية والعربية بين عدم المشاركة وضعف التمثيل، كما حدث في القمة العربية الأخيرة بتونس، أواخر مارس الماضي.

ولم يحضر أمير قطر القمة العربية الـ29 التي استضافتها مدينة الظهران السعودية، في أبريل من العام الماضي، ومثَّل الدوحة مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية.

وكان آخر حضور للشيخ تميم في القمة الخليجية بدورتها الـ38، التي استضافتها الكويت في ديسمبر 2017، وسط استمرار الأزمة بين عدد من دول مجلس التعاون.

يذكر أن زعماء الدول الخليجية الثلاث التي حاصرت قطر، امتنعت عن حضور قمة الكويت، واكتفت السعودية والإمارات والبحرين بإرسال ممثلين بمناصب وزارية.

لكن في القمة الخليجية الـ39 التي استضافتها الرياض في ديسمبر 2018، غاب أمير قطر، وترأس وزير الدولة للشؤون الخارجية بقطر، سلطان المريخي، وفد بلاده.

أما في قمة تونس فقد انسحب الشيخ تميم منها بعد حضور الجلسة الافتتاحية للقمة، ثم غادر إلى بلاده، وفق ما كان مخططاً له في جدول الزيارة، بحسب ما ذكرت الخارجية القطرية.

هل تنجح القمة؟

حتى تنجح هذه القمة، كما يقول محجوب الزويري، أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر، فـ”هم (دول مجلس التعاون) بحاجة إلى أرضية مشتركة للتوافق على الحد الأدنى”.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين”: “إذا نظرنا إلى المشهد السياسي، فإنه لم يحدث هناك أي تغيير؛ الحصار ما زال قائماً، والحرب الإعلامية ما زالت قائمة، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال البرامج الرمضانية التي تم توظيفها (من قبل دول الحصار) لمهاجمة قطر”.

ويشير الزويري إلى أن سياسة الرياض في الشرق الأوسط “لا تعكس أي حد من تغيير في السلوك، وهذه الظروف كلها لا تنبئ بأن هناك تغييراً”.

وبخصوص الدعوة السعودية لقطر، يقول: “بدون تغيير لا أتصور أن تكون هذه الدعوة قابلة للاستجابة، يجب أن تكون قاعدة من حسن النوايا وإظهار شيء إيجابي حتى تقبل الدعوة، وهذا كله غير موجود”.

ويتابع المحلل السياسي: “أعمال القمم غير واضحة. هناك مواجهة بين إيران وأمريكا ومؤتمر المنامة، وهذه قضايا ما عليها توافق بالمنطقة”.

ويرى أن دعوة العاهل السعودي لن تسهم في رأب الصدع للأزمة الخليجية، قائلاً: “إنهاء الأزمة يحتاج إلى دبلوماسية هادئة، واتصالات مباشرة ووقف الحرب الإعلامية وإجراءات إيجابية تغير البيئة السلبية التي وجدت منذ الحصار، وكل ذلك غير موجود واستهداف قطر مستمر”.

ويضيف الزويري: “بينما تشجع السعودية والإمارات المواجهة مع إيران، نرى أن قطر والكويت وعُمان يدفعون نحو الحلول السياسية، وذلك يعكس التباين الشديد في المواقف الخليجية”.

بدوره يرى الكاتب والإعلامي القطري جابر الحرمي، أن هذه الدعوة بروتوكولية توجه قبل أي قمة خليجية، وقطر عضو في مجلس التعاون، وهذا ليس أمراً جديداً.

ويضيف الحرمي لـ”الخليج أونلاين”: “سبق أن حضرت قطر القمة الخليجية الماضية التي عقدت في السعودية”، مستدركاً بتساؤل: “لكن كيف لدول أن تحاصر قطر ثم تدعوها لاجتماع على هذا المستوى؟”.

ويؤكد أن هذا فيه تناقض كبير في سياسات الدول المحاصِرة (السعودية والإمارات والبحرين) بعد توجيه كل هذه التهم لقطر.

ويتابع الحرمي: “قطر تؤمن بالمنظومة الخليجية وتؤكد أهميتها، وأنها تمثل حماية للشعوب الخليجية، لذلك هي تصر وتعمل على أن تبقى في مأمن من مخاطر وتحديات المنطقة”.

لكن تبقى هناك أسئلة أكثر إلحاحاً هذه المرة: هل يحضر أمير قطر في ظل هذه التوترات الإقليمية؟ وهل تساهم هذه الدعوة في رأب الصدع الخليجي؟

وهنا يقول الحرمي إنه ليس هناك مؤشرات فعلية على نزع فتيل الأزمة الخليجية، فدول الحصار تصر إلى الآن على تعنتها في معادة قطر، وشن حملات التشويه ضدها، ولم يتركوا مجالاً إلا وأساؤوا لها.

ويضيف الحرمي: “قطر دعت إلى حوار جدي يتم من خلاله طرح كل القضايا للنقاش والحوار، ومعالجة كل ما قد تبديه الدول (المحاصِرة) من ملاحظات”.

ويختم حديثه بالقول: “قطر لديها تحفظات على سياسات تلك الدول، ومن ثم لم تجد دعواتها (لدول الحصار) من أجل الجلوس على طاولة التفاوض أي صدى”.

وفي خضم هذه الدعوة، أبدى محللون وناشطون على تويتر الكثير من التوقعات والآراء بشأن حضور أمير قطر، كما عبر بعضهم عن استيائه من هذه الدعوة السعودية رغم اتهام قطر مراراً بالإرهاب.