أريد مخاطبتكم في هذا اليوم الرمضاني المبارك بدون أي لقاب رسمية، أخاطبكم بصفتي عبدًا فقيرًا لرب الحرمين الشريفين، اللذين أنتم خادمون لهما. وكما تعلمون فإنّ خدمة الحرمين شرف عظيم، وإن هذا المنصب ليس فقط تولي خدمة إصلاح وصيانة الحرمين الشريفين، بل الأهم من ذلك أنه يجعل المرء – في الوقت نفسه – يتحمل المسؤولية أمام كل أفراد الأمة الإسلامية الذي يقدسون هذه البقعة المطهرة.

إن الحرمين هما البيتان المقدسان لكل المسلمين، وتوليكم خدمة هذين الحرمين يحملكم مسؤولية ثقيلة تشعركم بأنكم مسؤولون عن أي معاناة يعانيها أي مسلم على وجه الأرض. فالنعم والثروات العظيمة التي وهبكم الله إياها توفر لكم الإمكانيات التي تمكنكم من تحمل هذه المسؤولية على أكمل وجه. إن الجميع يلاحظ بحِيرة كبيرة التعارض التراجيدي بين هذه الثروات التي وهبها الله لكم وبين أوضاع المسلمين الذين يعانون الفقر والجوع في كل مكان حول العالم. وإنّ رب الحرمين اللذين تخدمونهما يقول إن للفقراء نصيبًا في الثروات التي بين أيدينا.

لكن فلندعنا من ذلك، وليواصل المسلمون معاناة الجوع والفقر، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، فهو يقدم لنا فرصة مد يد العون لهم، وهو ما يساعدنا على التطهر والسمو. فمن يستغل هذه الفرصة يكون قد نجا بنفسه وطهرها. وإلا فإنّ الله هو الذي يرزق عباده كافة بفضل اسمه الرزاق، وأما نحن فنكون قد فوتنا فرصة التطهر.

 

يا خادم الحرمين الشريفين

وأما سبب مخاطبتي لكم بهذه الطريقة فهي رغبتي في تحذيركم من خطر عظيم يدنو منكم، خطر سيجر دنياكم وآخرتكم إلى الهاوية. أرجوك أن تتأكدوا من أنني لا أريد بما سأقوله سوى الخير والسلامة والسعادة لكم. لا أتحدث وبداخلي ولو ذرة من الخصام، لكنني أعتبر أنه يقع على عاتقي بصفتي أخا مسلما أن أحذركم من أن الفعل الذي أعلن هذه الأيام أنكم ستفعلونه بنفسكم سيكون سببا في كارثة كبيرة بالنسبة لكم.

ربما يكون نجلكم ولي العهد لا يحمل مشاعر إيجابية تجاهي بسبب واقعة خاشقجي ويحاول أن يصورني وكأنني عدو لكم ولبلدكم. لكن أقول لكم بكل إخلاص إننا لم نرد والله أبدا أي سوء لكم، ولم نعتبر أبدا أن المطالبة بالعدل في قضية خاشقجي إساءة لكم. فنحن أمام جريمة قتل إنسان بريء ظلما وعدوانا بطريقة وحشية. ولهذا فإن من واجب العدل تسليم من قتله ومن حرض على قتله إلى العدالة لينالوا جميعا جزاءهم. وأما العدل فهو الشيء الذي يحيينا إذا أقمناه حتى ولو على أنفسنا أو أهلينا. فلماذا لا نجيب دعوة الله ورسوله إذا دعانا إلى الشيء الذي يحيينا؟

 

إن الأمر الذي يقودكم إلى الكارثة لن يسعدنا مطلقا، بل تأكدوا من أننا سنحزن أكثر منكم.

وأما الشيء الذي سيجلب الكارثة لكم فهو القرار الذي أعلن مؤخرا حول قتل العلماء المسلمين بإعدامهم. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وكل عالِم منهم يمثل عالَما بمفرده. ولهذا فإن موت العالِم يشبه موت العالَم، وإن قتل العالِم يكون كقتل العالَم. ولنتذكر الحكم الذي أنزله الله على بني إسرائيل: من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا. فالجريمة التي ارتكبها قابيل بعدما قتل الإنسانية كانت سببا في هلاكه وكان أول الخاسرين.

وكما تعلمون فإن قتل عالم يشبه قتل رسول. ولقد لعن الله بني إسرائيل لأنهم قتلوا رسلهم بغير حق. ومنذ ذلك اليوم فلم يجتمع شملهم وشتتوا في بقاع الأرض. لا تعتقدوا أنهم مرتاحون اليوم، فنهايتهم هي الخسران حتى لو عقدوا اتفاق القرن أو حتى الألفية.

 

لا تفهموا لأمر بشكل خاطئ

لا أقول لكم اعفوا عن العلماء ولا تقتلوهم، بل أقول لكم لا تهلكوا أنفسكم بقتلهم.

لقد سنحت لي فرصة التعرف إلى سلمان العودة عن كثب. كما قرأت كتبه وتابعت محاضراته، ووالله ليس لدى الرجل أدنى أثر من التطرف الذي تنسبونه له. ففي الوقت الذي كان يشجع علماؤكم الرسميون الشباب على الجهاد في أفغانستان، كان يقول “ما شأن الشباب السعودي وأفغانستان؟”، وكان يقول إنه ليس هناك طريق للجهاد هناك. وفي الوقت الذي كان يحرم علماؤكم الرسميون بشدة قيادة النساء للسيارة، كان يقول إن النساء على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كن يركبن الجمال والخيول وإنه لا يفهم لماذا يختلف الوضع اليوم عما كان عليه في فجر الإسلام. كما كان في الوقت الذي يقول فيه علماؤكم الرسميون إن المسلمين لا يمكن أن يعيشوا في سلام مع غير المسلمين لينشروا بين الناس الحقد والكراهية، كان هو يقول إن معاملة غير المسلمين الذين لا يكنون العداء للمسلمين بالحسنى والتعايش معهم في سلام يعتبر من تعاليم الخالق عز وجل.

إن اتهام سلمان العودة بالتطرف بهتان كبير؛ إذ إنه على عكس ذلك تماما عالم إسلامي عطوف في غاية الاعتدال يحبب الناس في الإسلام بفضل خطابه المألوف لدى الشباب والإنسان العصري.

 

يا خادم الحرمين الشريفين

أشعر وكأنني أسمعكم تقولون “ما لكم ومواطنيّ وشؤون بلادي الداخلية!”، ولا أعترض على ذلك، فلن نتدخل في شؤونكم الداخلية في أي مسألة أخرى. فهذا لا يهمنا، ونكن لكم كل احترام. لكن قضية علماء الإسلام ليست إحدى مسائلكم الداخلية. فأولئك العلماء هم قيم مملوكة للأمة كلها. فهم ليسوا رعاياكم، بل إنهم كنزنا المشترك، لأنني نصغي لوصاياهم لينيروا لنا الدرب بعلمهم ومواقفهم. وإن سجنهم ولو لساعة واحدة، ناهيكم أصلا عن إعدامهم، يعتبر ذنبا كفيلا بإضاعة عمر كامل، بل إنه أفظع من ذلك بكثير.

وبما أنكم تنتسبون إلى المذهب الحنبلي فإنكم تعلمون جيدا من كان سببا في أن يعيش الإمام أحمد بن حنبل تلك المحنة المشهورة وكيف صبر ومن ربح ومن خسر في النهاية.

 

يأيها الملك الموقر

إن علماءكم الرسميين يتهمون تركيا ليل نهار بأنها ترى في أحلامها الخلافة العثمانية وتكن العداء للسعودية، ليسكبوا المزيد من الوقود على نار الفتنة. لكني أقولها لكم صراحة، والله تركيا لا تكن أي عداء للسعودية. ثقوا بتركيا، فلن يأتيكم منها أي ضرر أبدا.

إذا كنت تتضايقون من محاولة تركيا التضامن مع قضايا العالم الإسلامي، فتضامنوا أنتم مع هذه القضايا، فإذا كان هناك قوة وزعامة تتمخضان عن هذا التضامن، فلتكن من نصيبكم. ووالله فإنكم سترون تركيا في هذه الحالة وهي تقدر مجهودكم وليس أي شيء آخر. لكن اعلموا أن العالم الإسلامي يعاني من مشاكل كالجبال، فلنتعاون لحلها سويا.

 

يأيها الملك المبجل

أدعوكم لتحسنوا إلى أنفسكم في هذه الأيام المباركة. أوقفوا الظلم الواقع على أمثال الإمام ابن حنبل في سجونكم. وصدقوني أن هذا الظلم لن يضرهم شيئا. فلقد تحولوا جميعا إلى أبطال. فإذا واصلتم سجنهم أو أعدمتموهم فإن التاريخ لن ينساهم، كما لن ستضج أرواحهم مضاجع من ظلموهم لسنوات مقبلة. وتأكدوا من أن أي إحسان تقدمونه فإنه لن يكون لهم، بل سيكون لأنفسكم، لأن هذا سيكون سببا في ابتعادكم عن لعنة الأقوام التي قتلت رسلها.