عكست زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لشؤون الشرق الأوسط المكلف بـ”صفقة القرن” إلى المغرب، جاريد كوشنر، فشل الإدارة الأمريكية في تمرير الصفقة، بفعل المقاومة التي أبداها محور الرباط ـ عمَّان، في وجه محور الرياض ـ أبوظبي ـ القاهرة.
وحل جاريد كوشنر بالمغرب الثلاثاء، حيث أقام الملك مأدبة إفطار في مقر الإقامة الملكية بمدينة سلا، وأجرى قبل الإفطار، محادثات مع كوشنر تناولت تعزيز الشراكة الاستراتيجية العريقة والمتينة ومتعددة الأبعاد بين المغرب والولايات المتحدة، وكذا التحولات والتطورات التي تشهدها منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
إقصاء الرباط-عمّان
وكشف الباحث في العلاقات الدولية، خالد يايموت، أن “الولايات المتحدة الأمريكية تفرض خطة معينة لحل القضية الفلسطينية ولكن في نفس الوقت قامت بمجهود كبير لكي تقصي دولتين لديهما اعتبار كبير في إدارة القضية الفلسطينية هما المغرب والأردن”.
وتابع ياموت في تصريح لـ”عربي21″، بأنه “كان هناك إقصاء في بداية الحديث عن صفقة القرن إلى حدود شهر، حيث عولت أمريكا بشكل كبير على السعودية بدرجة أولى ثم على مصر والإمارات”.
وأضاف أن “كل الجهود التي بدلتها لم تؤد إلى أي قبول رسمي من الجانب الفلسطيني ولا على مستوى الجامعة العربية ولا على مستوى المؤتمر الإسلامي وعلى مستوى الإشراف المباشر على القدس الذي تتمتع به الأردن وعلى مستوى القبول الرسمي للمغرب بصفة الملك هو رئيس لجنة القدس”.
وأفاد بأن “هذه الزيارة تأتي في هذا الإطار حيث سينتقل إلى بعض الدول مثل الأردن والمغرب، في محاولة من الولايات المتحدة لحلحلة هذا الموقف بعد اتصالات دبلوماسية مع المغرب والأردن”.
وسجل أن “إعادة دمج المغرب والأردن إلى جانب كل من السعودية والإمارات كأطراف رئيسية في القضية في أفق تحقيق هدفها بأن يكون هناك حوار رسمي عربي حول الخطة الأمريكية ونقل هذه الخطة إلى مؤتمرات القمم العربية أو المؤتمر الإسلامي”.
إقرار بمقاومة الرباط
من جهته، قال رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار السليمي، إن “زيارة كوشنر إلى المغرب تأخرت، حيث كانت مقررة في مارس الماضي، وهذا التأخير له دلالته لكون المسؤولين الأمريكيين فهموا جيدا أن دور المغرب في مجريات القضية الفلسطينية يفوق بدرجة كبيرة أدوار دول عربية أخرى”.
وتابع منار السليمي في تصريح لـ”عربي21″، بأن “المستشار الأمريكي أدرك أنه لن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية دون استشارة وسماع رأي المغرب في كل ما هو قادم في الشرق الأوسط، فالأمريكيون وصلوا أخيرا إلى المغرب والأردن باعتبارهما دولتين عربيتين تعارضان صفقة القرن”.
وأوضح: “لا أعتقد أن كوشنر جاء إلى المغرب لتقديم عرض حول صفقة القرن وإنما لسماع رأي المغرب حول أسباب رفضه لصفقة القرن، فالمغرب ما زال يتمسك بدولة فلسطينية ذات سيادة وهو نفس الرأي الموجود لدى دول الأردن وقطر وتركيا، مقابل رأي دول السعودية والإمارات ومصر التي تقبل بصفقة القرن كما جاء بها الأمريكيون”.
وأضاف أن “مستشار الرئيس الأمريكي تجاوز دول السعودية والإمارات ومصر واختار فتح مفاوضات مع محور المغرب وقطر والأردن وتركيا حول قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، لهذا يجب فهم الزيارة بكونها بحثا عن دور مغربي للعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر وتقديم أفكار حول الصراع العربي الإسرائيلي وقضية السلام في الشرق الأوسط، فالزيارة هي تعبير عن إدراك الأمريكيين للدور المغربي في القضية الفلسطينية”.
ابتزاز في قضية الصحراء
وذهب خالد يايموت إلى أنه “بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن الضغط يأتي من جانب الصحراء، حيث أن من الضغوط الأساسية التي تمارس على المغرب هي الصحراء”.
وسجل أن “موقف أمريكا ظل تاريخيا غامضا في قضية الصحراء، و استقالة المبعوث الأممي هورست كوهلر عامل لصالحها للضغط على المغرب في هذه القضية”.
وشدد على أن استقالة كوهلر التي قيل إنها لأسباب صحية، تعكس في الحقيقة درجة الضغط الذي مارسته أمريكا على الأمم المتحدة في ملف الصحراء، وانقلابها على اتفاق يقضي بإنهاء ملف الصحراء قبل نهاية 2020 مع فرنسا وإسبانيا”.
وعلى العكس من ذلك يرى منار السليمي أنه “لا يمكن القول إن كوشنر جاء للضغط على المغرب، فالسياسة الخارجية المغربية لا تقبل الضغط”.
وزاد أنه “لا يمكن القول بأن المستشار الأمريكي كوشنر يستعمل ملف الصحراء للضغط على المغرب في ملف صفقة القرن، فرغم أن العلاقات الدولية تدار بأوراق ضغط وأوراق ضغط مضادة، فإنه لا يمكن للأمريكيين استعمال ورقة الصحراء ضد المغرب لتليين موقفه في قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي وضمنه مشروع صفقة القرن”.
ومضى يقول: “للأمريكيين نظرة مختلفة لمصالحهم بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهم يعرفون جيدا أن أي خطأ في ملف الصحراء ستكون تكلفته مرتفعة الثمن لكونهم سيفتحون المحيط الأطلسي أمام روسيا وهو الأمر الذي يرفضه الأمريكيون، يضاف إلى ذلك أن التأثير في ملف الصحراء لا يملكه كوشنر أو بولتون بل هو ملف يؤثر فيه البنتاغون، فمهما كان شكل الرئيس الأمريكي ومستشاريه فإن الجهة الفاعلة في الصحراء والتي لا تتغير هي البنتاغون الأمريكي”.
وأعتقد أن زيارة كوشنر إلى المغرب هي تعبير عن تجاوز الولايات المتحدة للمحور المؤيد والمروج لصفقة القرن (السعودية،الإمارات، مصر) إلى محور الرافضين لصفقة القرن (المغرب،قطر،الأردن، تركيا) للبحث عن حل يقبله الفلسطينيون”.
وفور نية ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حذر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في كانون الثاني/ يناير 2017، الولايات المتحدة من نقل سفارتها بإسرائيل إلى القدس، وقال إن هذا الأمر “من شأنه أن ينسف جهود تسوية القضية الفلسطينية العادلة، فضلا عن تداعياته الوخيمة على الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره”.
اضف تعليقا