ردات الهزة السياسية القوية التي ضربت “إسرائيل” لأول مرة في تاريخها بعد فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته، لم تصب فقط دولة الاحتلال، بل امتدت لآلاف الأميال حتى وصلت إلى البيت الأبيض، وعطلت قوتها أهم “صفقة سياسية” قد تُطرح في الشرق الأوسط.
إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جهزت كل الأجواء الداخلية وحتى المحيطة من أجل الطرح الرسمي لـ”صفقة القرن” التي أعلن بأنها سترى النور بعد شهر رمضان، بحسب المسؤولين الأمريكيين، لكن هذه الأوراق قد بُعثرت مجدداً وسيكون مصيرها التأجيل مرة أخرى.
أسباب التأجيل
مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في مدينة رام الله بالضفة الغربية، كشفت لـ”الخليج أونلاين” كواليس اجتماع عقد قبل أيام مع مسؤولين دوليين وأوروبيين مقربين من إدارة الرئيس ترامب، تم التباحث معهم حول الأوضاع الفلسطينية الراهنة، وكذلك تداعيات خطة السلام الفلسطينية – الإسرائيلية المعروفة بـ”صفقة القرن”.
وأكدت المصادر أن المسؤولين أبلغوا الجانب الفلسطيني أن واشنطن قررت بشكل “شبه رسمي” تأجيل طرح “صفقة القرن”، عن الموعد الذي حدده جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه والمقرر في شهر يونيو المقبل.
كما أوضحت المصادر أن الأوروبيين أبلغوا أن بعض الظروف الداخلية والخارجية تسببت في تغيير وجهة نظر إدارة ترامب، حول موعد طرح صفقتهم السياسية، خاصة في ظل الرفض الفلسطيني القاطع للتعامل معها.
لكن “السبب الرئيسي الذي دفع الإدارة الأمريكية لتأجيل طرح الصفقة لموعد لاحق، يتعلق بالهزة السياسية التي أصابت “إسرائيل” بعد فشل زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته، والدعوة الرسمية لحل الكنيست والتجهيز للانتخابات”، تضيف المصادر.
وتتابع حديثها: “عدم نجاح نتنياهو، عراب صفقة القرن، في تشكيل الحكومة وضم وزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان لها، تسبب ببعثرة أوراق ترامب بملف صفقته السياسية، والأوضاع أصبحت داخل “إسرائيل” في ظل هذا التشويش غير مناسبة للتعامل مع الجهد الأمريكي المبذول في المنطقة”.
وذكرت المصادر الفلسطينية ذاتها أن أسباباً أخرى دفعت إدارة ترامب إلى تأجيل الصفقة، بحسب حديث الأوروبيين، وهو موقف بعض الدول العربية التي تعتبر ركناً أساسياً فيها، وعلى وجه الخصوص الأردن الذي يرفض التعامل معها بشكل قاطع في ثبات مع الموقف الفلسطيني.
وكان من المفترض أن تُطرح الصفقة الأمريكية في أواخر العام 2018، لكن جرى تأجيلها لمنح نتنياهو وقتاً لإجراء الانتخابات وتشكيل حكومته، وهذه المرة فشل نتنياهو في مسعاه، الأمر الذي سيعطل طرح الصفقة لما بعد الانتخابات المقبلة المقررة، وذلك بحسب توقعات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، الذي قال في تغريدة على حسابه في(تويتر)، لقد “أصبحت صفقة القرن القادم”.
تنفيذ بنود جديدة
المصادر الفلسطينية توقعت أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى ما أسمته بـ”خطة ماكرة والتفافية”، في تنفيذ ما تبقى من بنود صفقة القرن حتى قبل موعد طرحها الرسمي، الذي بات مربوطاً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية.
وأوضحت أن إدارة ترامب ستعمل خلال فترة استعداد “إسرائيل” للانتخابات الجديدة، على إقرار بعض القوانين والقرارات الهامة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، وسيكون أبرزها وضع السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وكذلك توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي تستضيفهم.
ولفتت في ختام حديثها إلى أن تعامل “إسرائيل” مع أي صفقة سياسية كبيرة دون حكومة ثابتة ومتفق عليها سيكون مستحيلاً، مشيرةً إلى أن “واشنطن ستنتظر هذه المرة حتى العام 2020 لطرح خطتها بشكل رسمي، في حين ستستمر مساعي عقد مؤتمر البحرين في 25 و26 من الشهر الجاري دون أي عقبات”.
وكانت الإدارة الأمريكية تعتزم نشر الخطة بشكل رسمي خلال أيام بعد تشكيل نتنياهو حكومة جديدة، ولكن نتنياهو أخفق في مسعاه وقرر “الكنيست” بأغلبية 74 نائباً مقابل 45 نائباً حل نفسه والتوجه إلى انتخابات في 17 سبتمبر المقبل.
وعادةً ما لا تدخل “إسرائيل” في مفاوضات سياسية حاسمة خلال فترات الانتخابات.
ويتوقع مراقبون في الشأن الإسرائيلي أن الرئيس الأمريكي يرغب في حكومة إسرائيلية قوية برئاسة نتنياهو لكي يتمكن من طرح صفقة القرن.
وتعمل الإدارة الأمريكية، منذ تسلم دونالد ترامب الرئاسة مطلع 2017، على صياغة تسوية سياسية بالشرق الأوسط تحت اسم “صفقة القرن”، دون الكشف عن بنودها حتى الآن، وتلقى دعماً من السعودية والإمارات ومصر ودول عربية أخرى، ويتردد أنها ستجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة “إسرائيل”، من بينها وضع مدينة القدس وحق عودة اللاجئين.
اضف تعليقا