كعادتها، لم تهدأ السعودية والإمارات حتى تغلغت في الثورة السودانية، وأحكمت السيطرة على قادة المجلس العسكري الانتقالي في البلاد؛ من خلال السخاء المالي، وإرسال السفراء والوسطاء، وكل ذلك في سبيل عدم وصول أي حكم ثوري عربي للسلطة يغرّد خارج السرب، حتى بدأت قوى الأمن بفض تلك الثورة.

ومنذ الساعات الأولى للثورة السودانية، والانقلاب العسكري الذي قاده الجيش السوداني ضد الرئيس المعزول عمر البشير، سارعت الرياض وأبوظبي لإعلان تأييدهما لخطوة الجيش، وبعد أيام من تلك الزيارات بدأ المجلس العسكري السوداني بفض الثورة بالسلاح، وقتل 3 مدنيين حتى الآن.

ولخص يوسف حسين، مقدم برنامج “جو شو” الشهير، ما جرى في السودان بعد تلك الزيارات بالقول:

وقُتل 3 أشخاص على الأقل وأصيب العشرات، فجر الاثنين، بجروح بينها خطيرة، لدى محاولة قوات الأمن فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة في العاصمة الخرطوم، في حين دعا تجمع المهنيين إلى عصيان مدني لإسقاط المجلس العسكري الانتقالي.

وبالعودة إلى الزيارات والمساعدات، وجّه الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إلى السودان تشمل أدوية ومشتقات بترولية وقمحاً، كما طلب رئيس الإمارات، خليفة بن زايد، التواصل مع المجلس العسكري الانتقالي لبحث مساعدة الشعب السوداني.

وتبع تلك الخطوات اتصالات هاتفية من قبل قادة السعودية والإمارات برئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، ثم استقباله لوفد رفيع المستوى من البلدين، استمرت زيارته في الخرطوم يومين.

دعم مالي

وأعقب تلك الزيارة إعلان الدولتين الخليجيتين، في 21 أبريل الماضي، تقديم دعم مادي للسودان بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي، وإيداع نصف مليار دولار في البنك المركزي السوداني.

وقالت وكالة الأنباء السعودية “واس”، في حينها: إن “السعودية والإمارات تعلنان دعم السودان بقيمة 3 مليارات دولار”، مضيفة أن الرياض وأبوظبي ستودعان نصف مليار دولار في البنك المركزي.

وأوضحت أن “الدعم السعودي الإماراتي يشتمل تلبية الاحتياجات الغذائية والدوائية والنفطية”، مشيرة إلى أن “الوديعة في البنك المركزي تستهدف تقوية الجنيه السوداني”.

بعد هذا الدعم الذي حذرت منه أوساط سودانية خشيةً من سرقة الإمارات والسعودية لثورة بلادهم، توجه، السبت الماضي، قائد قوات الدعم السريع نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بزيارة إلى الرياض، وقابل ولي العهد محمد بن سلمان.

وجاءت زيارة حميدتي، المتهمة قواته بقتل عدد من المتظاهرين في ساحة الاعتصام في الخرطوم، لتأكيد ولاء المجلس العسكري السوداني للرياض، وبقاء جنوده في الحرب التي يقودها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.

وأكد المجلس العسكري في بيان له، عقب لقاء حميدتي ببن سلمان، بقاء قوات السودان المشاركة ضمن التحالف العربي في اليمن.

وتشارك قوات من الجيش السوداني في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات لدعم الرئيس، عبد ربه منصور هادي، في اليمن، ولكنها لم تحقق أياً من النتائج على الأرض، حيث قُتل الآلاف من اليمنيين بينهم أطفال ونساء.

وكان محمد علي الجزولي، نائب رئيس تحالف الجبهة الوطنية للتغيير في السودان (يضم 22 حزباً) أكد، في تصريح سابق لـ”الخليج أونلاين”، أن أولى مطالب الثورة السودانية تتمثل بعودة جيش البلاد من تحالف السعودية والإمارات الذي يقود حرباً في اليمن.

وقال الجزولي: “في بداية حرب التحالف السعودي الإماراتي على اليمن وقفنا إلى جانب مشاركة جيش السودان؛ لأن هدفها كان وقف المد الإيراني، لكن على الأرض اتضح أنها لخلط الأوراق السياسية”.

وأضاف الجزولي، الذي يشغل منصب رئيس “حزب دولة القانون والتنمية”: إن “الإمارات قتلت المئات من علماء المسلمين المعارضين للحوثي في اليمن، واغتالت مفكرين سياسيين”.

زيارات متسارعة

رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، بدأ كذلك زيارات متسارعة إلى دول محور السعودية والإمارات، وبدأها بمصر، بلقاء مع رئيسها عبد الفتاح السيسي، الذي جاء إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري.

وكشفت تصرفات البرهان خلال زيارته لمصر درجة الولاء الكبيرة التي يوليها لرئيسها، حيث حرص قبل اللقاء به على تأدية التحية العسكرية له في قصر الاتحادية بالقاهرة، وهو ما أثار غضب السودانيين، واعتبروه “انكساراً وتبعية”.

وبعد زيارته لمصر اتجه البرهان، يوم الأحد، إلى الإمارات في زيارة رسمية معلنة تستغرق يوماً واحداً، وهو ما قطع الشك باليقين على إتمام سيطرة الرياض وأبوظبي على المجلس العسكري.

السيطرة على المجلس العسكري

جاد الرب عبيد، رئيس القسم السياسي بصحيفة “آخر لحظة” السودانية، يؤكد لـ”الخليج أونلاين”، أن المحور الإماراتي السعودي المصري سيطر تماماً على المجلس العسكري، والدليل الدعم المالي الذي قدمته دول المحور للمجلس، بالرغم من أن الحكومة لم تتشكل في البلاد.

وقال عبيد: إن “الزيارات التي بادرت بها قيادات المجلس كحميدتي إلى مصر، والبرهان إلى الإمارات، كان يجب أن تكون من قبل دول المحور وليس العكس”، بيد أن المجلس حديث عهد، وفي بداية تكوين حكومة ودستور جديد.

وأوضح عبيد أن أحد أهداف التدخل الإماراتي السعودي في السودان هو ضمان استمرار قوات الجيش السوداني في حرب اليمن.

بدوره حذر مدير تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ديفد هيرست، من أن السعودية والإمارات لا تريدان على الإطلاق قيام حكومة مدنية مستقلة في السودان.

وقال هيرست في مقال نشره مؤخراً: إن “المخطط الإماراتي السعودي لوأد الثورة الشعبية في السودان ذو وجهين؛ يتجلى أحدهما في دعم وتسليح المجلس العسكري الانتقالي الذي يتفاوض مع المحتجين، بينما يرمي الآخر إلى استغلال القادة المدنيين الذين يسعون إلى تطهير الجيش والحكومة والخدمة المدنية والقضاء من الإسلاميين”.

وأضاف هيرست: “بعد أن يُفلح الإماراتيون والسعوديون في مخططهم سيستولي حلفاؤهم السودانيون على السلطة في البلاد”.

بدوره أكد جوناثان فنتون هارفي، الصحفي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه بعد الإطاحة بالبشير وتولِّي مجلس عسكري انتقالي السلطة، أصدرت أبوظبي بياناً أعلنت فيه دعمها استمرار الحكم العسكري هناك، والتقى مندوبون من الإمارات والسعودية شخصيات بارزة في المجلس الانتقالي السوداني، يوم 13 أبريل الماضي، حيث تبحث أبوظبي عن شخصيات محتملة لدعمها في حكومة ما بعد الثورة.

وأوضح هارفي، في تقرير نشره موقع “لوبي لوك” الأمريكي مؤخراً، أن الإمارات تسعى إلى ترسيخ النموذج المصري في السودان بعد أن دعمت انقلاب عبد الفتاح السيسي، عام 2013، وساعدته في سحق الإسلاميين وقمع حرية التعبير، وفي انتهاكاته الواسعة لحقوق الإنسان.

وبين هارفي أن الإمارات تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، رغم انتهاكه للقانون الدولي بشكل مباشر، وإعاقته لتحول ليبيا إلى دولة ديمقراطية إقليمية مستقرة.

وكانت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية كشفت عن تحقيق للأمم المتحدة في مزاعم تتعلق بوصول أسلحة إماراتية لقوات حفتر؛ والذي يشكل انتهاكاً للحظر الدولي المفروض على ليبيا بشأن تصدير السلاح.

وتشترك السعودية والإمارات في عداوتهما للربيع العربي وحركات التحرر في البلاد العربية، حيث دعمتا الانقلاب في مصر عام 2013، كما دعمتا تحرك الحوثي للسيطرة على السلطة في اليمن عام 2014 قبل أن ينقلب الأخير عليهما.