تشير دلائل إلى أن السعودية باتت صاحبة الكلمة الأولى في الشأن السوداني، إذ عززت موقعها هناك عقب الإطاحة بعمر البشير، كما كان لافتاً تغيُّر نبرتها إزاء المجلس العسكري، الذي زار كبار قادته الرياض مؤخراً.
وكان الموقف الأمريكي دليلاً واضحاً على أداء السعودية دوراً في الأحداث الجارية بالسودان، فعقب المجزرة التي وقعت في ساحة الاعتصام بالخرطوم وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، الاثنين الماضي، أجرى نائب وزير الخارجية الأمريكي، ديفيد هيل، اتصالاً هاتفياً غير عادي مع نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
وأكدت الخارجية الأمريكية، مساء الأربعاء، أن المكالمة التي أُجريت الثلاثاء الماضي، تناولت حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين السلميين من قِبل المجلس العسكري.
وأضافت أن نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط شدد على أهمية الانتقال السلمي للسُّلطة من “المجلس العسكري” إلى حكومة مدنية؛ “تلبية لتطلعات الشعب السوداني”.
واللافت أن هذا الاتصال يبحث مسألة سودانية في غاية الخطورة مع أطراف غير سودانيين، خاصة أنه ليس مع المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالبشير في أبريل الماضي، ليعكس مدى قوة تحكُّم الرياض بالمجلس وقراراته.
وجاء الاتصال بين هيل وبن سلمان في أعقاب تغريدة أعرب فيها مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون بولتون، عن “اشمئزاز” الولايات المتحدة من “استخدام قوات الأمن السودانية العنف ضد المتظاهرين في الخرطوم”، مطالباً المجلس الانتقالي العسكري باحترام الحق في التظاهر السلمي، والإسراع بنقل السُّلطة إلى حكومة مدنية؛ تلبية لمطالب الشعب المشروعة.
وأودعت السعودية 250 مليون دولار بالمصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات قيمتها 3 مليارات، تعهّدت بها المملكة وحليفتها الإمارات للسودان.
دعم حميدتي
ويبدو أن الرياض لا تريد الخروج من السودان خالية الوفاض، خاصة أنه يدعمه بقوات عسكرية في حربها باليمن.
فقد كشفت مجلة “ديلي بيست” الأمريكية، اليوم الخميس، أن السعودية تدعم محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي” نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، للقفز إلى السُّلطة بعِلم أمريكا وموافقتها، رغم أنه كان أحد القادة المسؤولين عن الإبادة الجماعية في دارفور.
وحميدتي هو قائد قوات الدعم السريع التي يشارك آلاف منها في صفوف قوات التحالف العسكري، الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والذي بدأ عملياته في مارس 2015، وقواته هي المسؤولة عن أحداث فض اعتصام القيادة العامة.
وتشكَّلت قوات الدعم السريع منذ نحو سبع سنوات من مليشيا الجنجويد التي استخدمها البشير في قمع الحركات المتمردة غير العربية في دارفور، ثم وسع صلاحياتها وأعطى عناصرها رتباً عسكرية وضمَّهم إلى الجيش في 2017، وهي متهمة بارتكاب تجاوزات في دارفور.
وأكدت المجلة في تقرير للكاتب ديفيد لينش، أن القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، ستيفن كوتسيس، أعرب خلال اجتماع يخص السودان، عُقد في واشنطن مؤخراً، عن تعاطفه مع المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، وقال: “إن على أمريكا أن تتماشى مع مصالح السعودية ومصر والإمارات”.
وعلَّق لينش بأن ما قاله كوتسيس في ذلك الاجتماع كان غامضاً ومُربكاً لكثيرين في الغرفة، إلى درجة أن أجبره صمت الحاضرين المندهشين على أن يسألهم عما إذا كانوا يعتقدون أن المصالح الأمريكية تختلف عن تلك التي للبلدان الثلاثة.
وأشار إلى أن مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب ربما يغردون من وقت لآخر عن الديمقراطية، لكن يبدو أن القرارات الخاصة بالسودان يتخذها أصدقاء ترامب في السعودية والإمارات.
ومضى يقول عن وقائع ذلك الاجتماع، إن جوني كارسون مساعد وزير الخارجية السابق ورجل الدولة الأكبر في السياسة الأمريكية بأفريقيا، ردَّ بوضوح على سؤال كوتسيس قائلاً: “الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحكم الرشيد، وسيادة القانون”.
وأفاد الكاتب بأن وزارة الخارجية لم تردَّ على قائمة باستفساراتهم قدموها لها بعد تصريحات كوتسيس في ذلك الاجتماع الذي حضرته “ديلي بيست”، “لذلك هي غير ملزَمة أخلاقياً بالحفاظ على سريته”.
ونسب لينش إلى ناشط سوداني (طلب عدم الكشف عن هويته)، قوله عن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، إنهم يفعلون في الخرطوم اليوم ما كانوا يفعلونه في دارفور منذ سنوات.
وأضاف لينش أن السودان، وبسبب العنف الذي يمارسه الجيش على وجه التحديد، يسير حالياً في الطريق الذي سارت فيه الدول العربية التي تفتَّت بسبب ثوراتها، وسوف تُذكَر مذبحة الخرطوم، الاثنين الماضي، باعتبارها أحدث مثال على فشل المجتمع الدولي في منع حدوث فظاعة متوقَّعة.
ونقل لينش عن كاميرون هدسون، المسؤول السابق في البيت الأبيض خلال إدارة جورج بوش الابن؛ أنَّ صمت الغرب على مدى الأشهر القليلة الماضية، في مواجهة النفوذ (السعودي) بالخرطوم، ساعد في تدهور الأوضاع بالسودان إلى مستواها الحالي.
وأشار الكاتب إلى أن كثيراً من المدنيين والمسؤولين السودانيين يشككون في جدية حديث الأمريكيين عن الديمقراطية. وأورد أن سلطات بعض الدول الغربية أبلغت “ديلي بيست” أنها سترفض الاعتراف بأي حكومة عسكرية في الخرطوم، لكن الولايات المتحدة ترفض التزام ذلك.
يشار إلى أن حميدتي التقى وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الـ23 من الشهر الماضي، حيث زار المملكة عدة ساعات.
وجاءت الزيارة حينها بالتزامن مع اتهام المتظاهرين لقوات الدعم السريع التي يقودها، بقتل المتظاهرين المعتصمين، وبعد تعثُّر المفاوضات بين قادة الحراك في السودان والمجلس العسكري الحاكم.
وكان الجيش قد أطاح، في أبريل الماضي، بالرئيس السوداني السابق عمر البشير بعد أشهر من المظاهرات المناهضة لحكمه، لكن إصرار المجلس العسكري الحاكم، على عدم تسليم السُّلطة إلى القوى المدنية أدى إلى تفجُّر أسوأ موجة عنف منذ الإطاحة بالبشير.
اضف تعليقا