هو تاجر إبل كبير عرف عنه قوة العلاقات مع القبائل، والمشاركة في أنشطتها، والسيطرة على فوضى السلاح في دارفور، وذاع صيته خلال هجوم قوى الأمن على المتظاهرين أمام مقر القيادة العامة للجيش، إنه محمد حمدان دقلو، الملقب بـ”حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع في السودان.
وبرز اسم قوات الدعم السريع في الأيام القليلة التي سبقت انقلاب الفريق أول عوض بن عوف على الرئيس عمر البشير، وإنهاء حكمه الذي استمر 30 عاماً، خلال تدخلها لحماية المتظاهرين أمام مقر القيادة العامة للجيش وتأمينهم.
وتردد اسم قائد قوات الدعم السريع “حميدتي” بقوة بعد الإطاحة بالبشير، وأنه من بين الشخصيات التي ستعمل على رسم وقيادة المرحلة الانتقالية للبلاد.
وعملت قوات الدعم السريع على تأمين الطرق الرئيسية والجسور، والأحياء السكنية والمقار الحكومية في العاصمة الخرطوم، بالشراكة مع قوات الجيش، وهو ما أوحى بوجود توافق بينهما على قيادة البلاد.
لكن ظهر نزوع “حميدتي” إلى السلطة عندما بدأ بشيطنة المعتصمين في الخرطوم مكرراً تصريحات وسيناريوهات محور الثورات المضادة في العالم العربي، مؤكداً وجود معلومات تفيد بـ”تخابر” العديد مع الجهات الخارجية.
وتتشابه تلك الخطوات مع ما قام به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد انقلابه على الرئيس المعزول محمد مرسي، عندما وصف المحتجين في ميدان رابعة بالقاهرة بـ”الخارجين عن القانون”، وهو ما جعل متابعين على وسائل التواصل الاجتماعي يطلقون على حميدتي وصف قائد “رابعة السودان”.
وسبق أن قال حميدتي إن الجيش أطاح بالبشير لأنه كان ينوي فض الاعتصام بالقوة، وقتل المتظاهرين استناداً لفتوى شرعية، واللافت أن قواته قامت بنفس الشيء وفي شهر رمضان.
واتهمت قوى التغيير السودانية قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، بقيادة فض قوات الأمن للاعتصام أمام مقر القيادة العامة في الخرطوم.
فقد تسببت قوات الدعم السريع التي يقودها، يوم 3 يونيو 2019، بمقتل عدة مدنيين وجرح آخرين من المعتصمين أمام مقر القيادة العامة، والذين يطالبون منذ أشهر بسلطة مدنية تُنهي حكم العسكر في البلاد.
من هو حميدتي؟
عمل “حميدتي” بالتجارة في مدينة “مليط” عام 1989، وهو نفس العام الذي انقلب فيه العميد (آنذاك) عمر البشير على ثاني نظام ديمقراطي بالسودان.
وظل “حميدتي” يعمل في التجارة المنقولة بين مدينتي “مليط” و”نيالا” ثلاث سنوات، حتى حققت تجارته وأعماله نجاحاً بين السودان وتشاد ودارفور وجنوب ليبيا.
بعد انقلاب الأوضاع في دارفور، أكبر إقليم بالسودان، وحدوث تمرد من حركات مسلحة، حمل “حميدتي” وبعض أقرانه من قبيلة “الرزيقات” السلاح ضد حركات التمرد لحماية قطعان الإبل التي يملكها.
سعى “حميدتي” لتقنين وضعهم كـ “جنود” للحصول على وضع قانوني خاص، ونجح في ذلك بعد زيارة إلى الخرطوم، حيث تلقف الجيش باستحسان فكرة وجود قوات مساندة له لمحاربة حركات دارفور، التي تمكنت عام 2003 من الهجوم على مدينتي “الفاشر” و”الجنينة”.
ينتمي “حميدتي” إلى عشيرة الماهرية أحد بطون قبيلة الرزيقات، وهو ابن عم موسى هلال، الزعيم الأهلي لعشيرة المحاميد، أحد فروع قبيلة الرزيقات.
وعين “حميدتي” قائداً لقوات الدعم السريع (ق د س) برتبة “فريق أول”، وهي قوات خاصة يغلب عليها أبناء قبيلة “الرزيقات”، وشكلت على مبدأ نسق حركات دارفور المسلحة.
وفي البدء عُهد لقوات الدعم السريع مصاحبة وحماية “الأطواف التجارية”، وهي القوافل التي تنقل المؤن والوقود إلى ولايات دارفور، ثم توسع دورها لاحقاً.
وتعمل قوات الدعم السريع على منهج سريع وخفيف، لكنه حاسم، باستخدام عربات الدفع الرباعي من صنع شركة تويوتا اليابانية، التي يطلق السودانيون عليها اسم “تاتشر”، نسبة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.
حماية القوافل
افتتح نظام التجنيد لقوات الدعم السريع لكل مواطني السودان، وهو ما منحها صفة القومية، وخضعت حسب قانونها الذي أجيز بالبرلمان قبل عامين لإشراف الجيش.
استمدت قوات الدعم السريع قوتها من شجاعة جنودها الشباب ومهارتهم في استخدام الأسلحة، وتروى قصص عن احترافية جنودها في إطلاق النار من بنادقهم الآلية على متن مركباتهم المسرعة بدقة القناصة.
ذاع صيت حميدتي بعد معركة “قوز دنقو” التي دحر فيها حركة “العدل والمساواة” في 2015 عندما دمر أكثر من 400 مركبة حربية لها وأسر كثيراً من قادتها.
قضى “حميدتي” على رحلة الحركات المسلحة الدارفورية السنوية بين جنوب السودان وليبيا، والتي كانت تتزود فيها “العدل والمساواة” بالسلاح من ليبيا، وتجند أعضاء جدداً في جنوب السودان.
في غضون عامين من معركة ” قوز دنقو” ألحق “حميدتي” الهزيمة بحركات “تحرير السودان” أجنحة “مني أركو مناوي” و”عبد الواحد محمد نور”، وتمكن من السيطرة على “جبل مرة” الذي يعتبر القاعدة الحصينة لحركات دارفور المسلحة.
بعد هزائم ساحقة لحركات دارفور، انتقل حميدتي إلى ولاية النيل الأزرق حيث قضى على قوات تابعة لـ”الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال”، التي كانت متحصنة قرب مدينة “الدمازين” في ولاية النيل الأزرق منذ 2011.
عهد لحميدتي أدوار جديدة، من بينها محاربة مهربي البشر على الحدود بين السودان وليبيا، وكلف بضبط عمليات التهريب بين السودان وإرتيريا.
وكانت آخر المهمات التي نفذها عملية جمع السلاح بدارفور، المعروفة بعملية “جمع السلاح”، حيث قضت تلك العملية على منازعات القبائل في دارفور.
هي إذن انتصارات أمنية جعلت من الرجل أحد أبرز وجوه العسكر في السودان، لكن نزوعه لمواجهة المدنيين العزل، قلب تاريخه لرجل سلطة حاول القضاء على أحلام السودانيين بالحرية والسلطة المدنية.
اضف تعليقا