أزمات متلاحقة تشهدها عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، منذ أن تم تحريرها في منتصف العام 2015 من قبضة مليشيا الحوثي والمخلوع علي بن صالح، فالمدينة التي شهدت انفلاتاً أمنياً بالفترة السابقة تمثّل في حالات الاغتيال المتكررة، تعيش هذه الأيام غارقة بمياه الأمطار بالإضافة إلى ظلام دامس بفعل انقطاع الكهرباء في ذروة حرارة الصيف.

ومنذ مطلع الأسبوع، تسببت الأمطار الغزيرة المتواصلة على عدن بسقوط وفيات وتضرر منازل المواطنين وانقطاع التيار الكهربائي الذي يعيش أزمة مزمنة في المدينة.

وامتد الضرر إلى مخيمات النازحين في المدينة، حيث تضررت 1331 أسرة بحسب تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن، وأغرقت ما لديهم من طعام وفرش، وباتوا يعيشون أوضاعاً مأساوية.

وكشفت الأمطار مستوى الخدمات في المدينة، وخصوصاً المرتبطة بالصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، بالإضافة إلى أزمة الكهرباء التي يتم التعامل معها بحلول مؤقتة لم تخفف من معاناة المواطنين.

دور حكومي ضعيف

ورغم أن المسؤولية تجاه المستوى السيئ للخدمات تتحملها بدرجة رئيسة الحكومة اليمنية فإنها غير مُمَكّنة من إدارة المدينة بشكل كلي، فحضورها ضعيف، وقرار المدينة على كافة المستويات بيد الإمارات ومليشياتها الأمنية والعسكرية الانفصالية، بل إن الرئيس اليمني نفسه ممنوع من البقاء في المدينة.

أمّا رئيس الحكومة، معين عبد الملك، الذي يوجد مع بعض وزرائه في قصر المعاشيق، فقدم نفسه للشعب اليمني على أنه غير مسؤول عن الملفين السياسي والعسكري، وهو ما أثار سخرية اليمنيين حينها، قائلاً إنه سيركز على ملف الخدمات، غير أن الرجل لم يحقق اختراقاً مهماً في ذلك، ولا يبدو بمستوى تطلعات اليمنيين بعد نحو 6 أشهر من تعيينه، حيث لا تتجاوز تحركاته ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء للإمارات ومليشيا المجلس الانتقالي الانفصالي المدعومة إماراتياً.

ومع ذلك أجرى رئيس الحكومة زيارة ميدانية ليستطلع الأضرار ويقيّم مستوى الخدمات بالتزامن مع اتصال هاتفي جرى بين الرئيس هادي ومحافظ عدن، أحمد سالمين، حول ما آلت إليه الأوضاع في المدينة.

ووجه الرئيس، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية، المسؤولين بتسخير كافة الجهود والإمكانيات للتخفيف من أعباء ومعاناة أبناء عدن وتشكيل لجنة طوارئ في مختلف مديريات المحافظة.

وبعد أن ناشدت الحكومة اليمنية المنظمات الدولية لمساعدتها في إغاثة المتضررين في عدن بفعل المنخفض الجوي، أعلنت السعودية (المتهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن) إرسال طائرة إغاثة، والمساعدة في فرق ميدانية لفتح الطرقات وإصلاح الكهرباء.

ويقول مراقبون إن عمليات الدعم الإنساني والإغاثي للتحالف تحمل طابعاّ دعائياً؛ إذ إن ملف الكهرباء المزمن في عدن لم يخضع لحل جذري، بل حلول مؤقتة لا تتناسب مع وصف إعادة الإعمار الذي تعهدت به دول التحالف أمام المجتمع الدولي.

مسؤولية أبوظبي

ما آلت إليه الأوضاع في عدن على كافة المستويات واليمن عموماً تتحمل مسؤوليته الإمارات، كما يقول الدبلوماسي اليمني أنيس منصور، الذي أكد أنها “تسيطر على كل خيرات عدن من الميناء والبحر إلى المصافي، وبدلاً من أن يتحول إلى ذلك إلى دعم للبنية التحتية؛ في مجال تصريف المياه وسيارات الإطفاء وكل ما يمس حياة المواطن، تحول إلى دعم المدينة المدنية بالسلاح، وبناء السجون، وإنشاء المعسكرات”.

وأشار منصور لـ”الخليج أونلاين” إلى أن ذلك دلالة واضحة على أن أبوظبي تبحث عن الدمار وليس البناء.

وقال: إنه “حتى تلك الأعمال التي ترتدي رداء الإنسانية حولتها الإمارات إلى أنشطة استقطاب سياسي وتوجيه استخباري، في إطار مشروعها التخريبي”، وتابع: “تدعم أبوظبي ماكينة إعلامية كبيرة من قنوات وإذاعات وصحف دعماً لمشروعها بدلاً من التوجه إلى إعادة الإعمار وتحسين مستوى الخدمات”.

واتهام منصور ليس الأول؛ فالمسؤولون الحكوميون اليمنيون يتهمون بين الحين والآخر السعودية والإمارات بتقويض أعمال الحكومة في مناطق سيطرتها، ومحاولة الاستيلاء على مدن يمنية لا علاقة لها بالحرب، مثل المهرة وسقطرى، وعدم السماح للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بالعودة إلى البلاد لإدارة شؤونها.

ويبدو أنه بعد نحو أربع سنوات من التحرير خرجت المدينة من مأزق الحوثيين إلى آخر لا يقل خطورة؛ يتمثل بسيطرة الإمارات ومليشياتها على إدارة المدينة إدارياً وخدمياً وأمنياً، وتهميش الحكومة اليمنية، وهو ما خيّب الآمال الشعبية بمعركة  التحرير وحوّل تدخل التحالف من وجهة نظر معظم اليمنيين من إسناد إلى احتلال.