تمر في العراق الذكرى الخامسة على سقوط مدينة الموصل ومناطق أخرى بيد تنظيم “داعش” بعد انسحاب مفاجئ للجيش العراقي منها، ولا يزال المتهمون الرئيسيون بسقوط المدينة أحراراً طلقاء رغم الدعوات الشعبية والسياسية لمحاسبتهم.
وكان “داعش” قد فرض سيطرته المطلقة على كامل مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان، وعدد من المدن الأخرى، في العاشر من يونيو عام 2014، بعد هجوم مباغت شنه المئات من عناصر التنظيم، لتنسحب أمامهم فرقتان عسكريتان تابعتان للجيش العراقي يصل عددها إلى نحو 25 ألف جندي فضلاً عن الشرطة المحلية والاتحادية التي تضم أكثر من 30 ألف عنصر.
ووصل “داعش” بعد 3 أيام من سيطرته على الموصل إلى تخوم العاصمة العراقية بغداد من جهة الشمال، قبل أن يُغير عناصر التنظيم وجهتهم إلى إقليم كردستان العراق.
وعلى إثر ذلك شكل البرلمان العراقي لجنة برلمانية مختصة للتحقيق بقضية سقوط الموصل، لتُدين أكثر من 30 شخصية سياسية وعسكرية، أبرزهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ووزير الدفاع السابق سعدون الدليمي، وعدد من كبار الضباط في الجيش العراقي والشرطة الاتحادية.
إلا أن نتائج اللجنة البرلمانية لم يعتمدها القضاء العراقي في وقتها، ولم تعترف بها الحكومة العراقية آنذاك، حيث اعتبر رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، أحد أبرز المتهمين بسقوط الموصل، النتيجة التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية “لا قيمة له”، متهماً جهات سياسية بالتدخل بعمل اللجنة وإخراجها عن موضوعيتها.
وفي هذا الصدد طالبت كتلة “سائرون”، التي يقودها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بإعادة ملف سقوط المدينة إلى الواجهة، ومحاسبة المتورطين بهذه القضية وإحالتهم إلى القضاء.
وقال الناطق باسم الكتلة، حمد الله الركابي، في تصريحات صحفية: إن “مجرد الاستذكار بحادثة سقوط الموصل لا يكفي لمعالجة مشكلتها والتخلص من آثارها، بل يجب علينا أن نعيد ملفها إلى الواجهة، لا سيما وأن هناك تقريراً من لجنة الأمن والدفاع النيابية كان قد توصل إلى نتائج مهمة بعد دراسة وتحقيق معمقين لأسباب سقوط الموصل تم رفعه إلى الادعاء العام في حينها”.
وأضاف أن “إحقاق الحق وتقديم المتسببين بكارثة الموصل إلى العدالة مقدمة لإنصاف أهالي الموصل، إضافة إلى إعادة المهجرين، وتعويض ذوي الضحايا، وإعمار مناطقهم المتضررة، ومحو آثار الدمار والخراب الذي خلفته الحرب فيها”.
وتابع: “نأمل من جميع القوى السياسية أن تتعاطى مع هذا الملف بروح المسؤولية حتى لا تتكرر هذه المأساة مع مدينة أخرى من مدننا العزيزة”.
وكانت القوات العراقية، وبإسناد طيران التحالف الدولي الذي تشكل لمحاربة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قد تمكنت في يوليو 2017 من استعادة السيطرة على الموصل بعد 9 أشهر من المعارك الدامية، بدأت في شرق المدينة وصولاً إلى غربها، حيث خلفت العمليات العسكرية دماراً كبيراً وخصوصاً في المدينة القديمة.
من جهته قال النائب السابق عن محافظة نينوى، عبد الرحمن اللويزي، في تصريح صحفي له، إن الضغوط السياسية من أهم العوائق التي حالت دون محاسبة أشخاص متنفذين تسببوا في سقوط الموصل، مبيناً أن “جميع الأدلة وثقت بالصوت والصورة ولا يمكن التلاعب بها مطلقاً”.
وأضاف أن ضغوطاً سياسية كبيرة واجهت لجنة سقوط الموصل خلال أول أيام عملها من قبل الكتل لمنع توجيه أي اتهام لقادة سياسيين بالتقصير أو التسبب في سقوط المحافظة، إلا أنها أنجزت عملها بشكل مثالي”.
وأشار إلى أن “اللجنة حققت مع جميع المتهمين والشهود، ووجهت التهم إلى 35 شخصية بالتقصير، بضمنها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ومحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، وقائدا العمليات والشرطة في المحافظة، فضلاً عن القادة الميدانيين”.
ولفت اللويزي إلى أن “الملف- وهو عبارة عن 125 صفحة- تمت كتابته، لكن منع من القراءة في مجلس النواب لأسباب سياسية”.
هل ستتم المحاسبة؟
وحول هذا الموضوع قال خبير الدراسات الاستراتيجية في جامعة النهرين، قحطان الخفاجي، في حديث لمراسل “الخليج أونلاين”: إن “درس سقوط مدينة الموصل بيد عناصر تنظيم داعش لم يتم استيعابه من قبل الحكومة العراقية”.
وأضاف أن “الأسباب التي أدت إلى سقوط الموصل بيد داعش ما تزال كما هي، ولا تزال المدينة تعاني الأمرَّين، كما لا يزال الحس اللاوطني من الجهات الحكومية والرسمية قائماً، فضلاً عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وانتشار العصابات الإجرامية”.
وحول نتائج التحقيق بالقضية من قبل لجنة الأمن والدفاع النيابية قال الخفاجي لـ”الخليج أونلاين”: إن “الأسباب التي منعت لجنة التحقيق من تقديم المتورطين إلى القضاء هي ذات الأسباب التي منعت لجاناً تحقيقية كثيرة، منها لجنة التحقيق في مجزرة الزركة جنوب العراق، واللجنة التحقيقية بقضية تفجير الكرادة، وقتل المعتصمين في مدينة الحويجة”.
وأضاف: إن “ما لمسناه في العراق هو أن القائمين على الشأن العراقي منذ عام 2003 لم يشكلوا لجنة حقيقية واحدة لتقصي الحقائق”، واصفاً كل ما تقوم به الحكومة العراقية من لجان وما إلى ذلك بأنه “ذر الرماد في العيون”.
واستبعد الخفاجي تقديم الحكومة العراقية أي شخصية أو جهة متورطة بقضية سقوط مدينة الموصل إلى القضاء ومحاسبتهم قانونياً أو لجم أي سلوك فاسد.
اضف تعليقا