عادت مليشيا “الجنجويد” التي ارتكبت جرائم بحق المدنيين في دارفور غرب السودان، إلى المشهد مجدداً، عقب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في العاصمة الخرطوم، لينسب إلى هذه المليشيا جريمة جديدة.
وفضت قوات الأمن السوداني فجر يوم 3 يونيو الجاري، اعتصاماً أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم ليتجاوز عدد القتلى في هذه المجزرة 100 شخص.
وكانت “الجنجويد” التي تتبنى أسلوب حرب العصابات، المتهم الأبرز في هذا الفضّ، ويعتبر مقاتلوا هذه المليشيا شرسين في الحرب، ويؤمنون بأن الفرار من المعركة عيب كبير ووصمة عار.
ووجهت الاتهامات لها بقتل المعتصمين بدم بارد ورمي جثث الكثير منهم في نهر النيل، كما اتهمت بنهب ممتلكات المواطنين وأغراضهم.
و”الجنجويد” هي امتداد لقوات الدعم السريع، التي يقودها الفريق محمد حمدان حميدتي (الذي يعتبر نفسه الأقوى الآن في السودان).
وتعترف الحكومة السودانية بهذه المليشيا والبعض يصفها بأنها السلاح الخفي للحكومة في البلاد.
واعترف بعدها المجلس العسكري في السودان بتورط عدد من قواته في هذه الجريمة، وبدأ في التحقيق بهذا.
وقوات الدعم السريع تعد “قوات شبه عسكرية سيئة السمعة، ارتكبت أعمالاً وحشية جماعية في دارفور وأجزاء أخرى من السودان”، وفق ما ذكرت سابقاً مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.فض اعتصام القيادة العامة في السودان
متى تشكلت هذه المليشيا؟
وبالعودة إلى تاريخ هذه المليشيا، فإن “الجنجويد” ظهرت في إقليم دارفور عام 1987 حيث عقد تحالف موسع يشمل كل القبائل ذات الأصول العربية بالإقليم، وأطلق عليه اسم “التجمع العربي” ويضم 27 قبيلة، ثم توسع التنظيم ليشمل بعض قبائل كردفان ذات الأصول العربية وأخذ التنظيم الجديد اسم “قريش”.
وتوصف “الجنجويد” بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية بدارفور، الأمر الذي تنفيه هذه القبائل، لكن بعض المراقبين ربطوا نشأة هذه المليشيا بالحرب التشادية-التشادية في الثمانينات، حين واجه الرئيس التشادي إدريس دبي خصمه حسين حبري، فجنّد كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت هذه المليشيا.
وبعدها تشكلت الجنجويد في دارفور للتصدي للحركات المسلحة وعلى رأسها (الحركة الشعبية لتحرير السودان) التي كانت تحارب الحكومة المركزية السودانية، واتهمت بارتكاب فظائع هائلة تجاه المدنيين في دارفور من قتل واغتصاب ومحو لقرى كاملة بأهلها عن الوجود، والتسبب في واحدة من أكبر عمليات النزوح الجماعي في القارة السمراء، إلا أن عناصرها لم يقدموا إلى المحاكمات.
وفي العام 2004 طالب مجلس الأمن الدولي حكومة السودان في قرار بشأن دارفور، بنزع أسلحة “الجنجويد” وضرورة تعقب الضالعين بالقتل والنهب والاغتصاب، وفي العام 2006 جمعت الحكومة أسلحة المليشيا بإقليم دارفور.
وأوقفت المليشيا نشاطها لفترة لكنها عادت لممارسته في دارفور منتصف عام 2014، بعد أن أعادت الحكومة السودانية تشكيلها ومنحتها اسم قوات الدعم السريع، وضمتها إلى القوات الأمنية السودانية، بحسب ما ذكرت سابقاً “نيويورك تايمز”.
وتعتبر هذه القوات مليشيا قبلية تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وخلال عامي 2014 و2015 شنت حملتين لمكافحة التمرد في إقليم دارفور المحاصر منذ وقت طويل.
وبدأت الحملة الأولى التي سمّيت بـ”عملية الصيف الحاسم” في البداية بجنوب دارفور وشماله بأواخر فبراير واستمرّت حتّى بدايات مايو 2014؛ أما الثانية، وهي “عملية الصيف الحاسم 2″، فبدأت في يناير 2015 وما زالت مستمرّة حتّى اليوم، وقد دارت في بدايتها بوسط دارفور.
ولا يوجد تفسير متفق عليه لكلمة “الجنجويد”، إذ فسرت بأنها “جن على جواد”، وجعلها البعض من ثلاث كلمات تبدأ كلها بحرف الجيم وهي: جن وجواد وجيم، أو (G3) السلاح المعروف. في حين ربطها آخرون بصعلوك من عرب دارفور يدعى حامد جنجويت مارس الحرابة مع عصابته ضد القرى الأفريقية في الثمانينات من القرن الماضي فأرعب السكان.
دعم أوروبي للمليشيات
وتلقت هذه المليشيات على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبتها، الدعم من دول أوروبية، إذ كانت قضية موجات اللجوء الضخمة التي انطلقت من أفريقيا في اتجاه أوروبا مسألة مؤرقة للغاية حاول الاتحاد الأوروبي التخلص منها، وكانت إحدى وسائل التصدي لها هي دعم قوات خفر السواحل وحرس الحدود في عدة دول أفريقية.
ووقعت اتفاقيات في العام 2014 بين الاتحاد الأوروبي ودول أفريقية تم بمقتضاها العمل على الحد من تدفق الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا، وكان أحد الاتفاقات مع السودان فيما عرف باسم عملية الخرطوم.
وعقب هذا الدعم ألقت منظمات حقوقية دولية باللائمة على الاتحاد إثر دعم جهة متهمة رسمياً وفق تقارير الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب.
وأكد سفير الاتِّحاد الأوروبي في الخرطوم حينها أن “الأموال وجهت للحكومة السودانية لدعم حماية الحدود”.
وشهد على الجرائم التي ارتكبتها هذه المليشيات وتغاضت عنها الحكومة السودانية الناجون الذين فروا من السودان إلى تشاد وجنوب السودان.
العلاقة مع الحكومة
وتعود علاقة قوات الدعم السريع والحكومة السودانية إلى عام 2006 حين أعلن قائدها في إقليم دارفور “حميدتي”، تمرده على نظام عمر البشير، وبدأت حكومة السودان في مفاوضته ليعود بعد 6 أشهر وينهي تمرده ويعلن وقوفه إلى جانب النظام السوداني، مرة أخرى.
ولاحقاً بدأت الانشقاقات تضرب “الجنجويد”، ولم يبق منهم أي موالٍ للحكومة إلا حميدتي، فكان من الطبيعي أن يختاره نظام البشير لقيادة قوات التدخل السريع، وهي قوة شبه عسكرية معززة كان هدفها القضاء على الجنجويد، غير أنها لم تنجح في ذلك، قبل أن تتحوّل إلى مليشيا غير خاضعة للمراقبة وتشارك في عمليات النهب والقتل والاغتصاب في دارفور وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ومنح البشير امتيازات كبيرة لحميدتي، وارتفع عدد المليشيا التي يقودها ووصلت إلى ما يقارب 40 ألف، بحسب ما نقل موقع “بي بي سي” عن مصادر سودانية محلية.
وبعدها عمل نظام البشير على شرعنة أعمال قوات التدخل السريع، فقمعت مظاهرات سبتمبر 2013 بوحشية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 200 متظاهر، فأخضعت أولاً لإشراف المخابرات السودانية، قبل أن تنقل لإشراف البشير مباشرة.
وعلى الرغم من تنحي البشير في أبريل من العام 2019 إلا أن هذه المليشيات لا تزال تمارس جرائمها في السودان وتحولت من دارفور إلى الخرطوم.
الخليج أونلاين
اضف تعليقا