على مدار العقود الثلاثة الماضية التي حكم فيها عمر البشير السودان قام بسحق المعارضة وقمعها بصورة وحشية، ولعل هذا ما أثار الشعب ضده حتى تم خلعه، إلا أن الإطاحة به في أبريل/نيسان الماضي لم تمر بسلام، بل على العكس، حل محله المجلس العسكري الذي قام بارتكاب مجزرة وحشية ضد المتظاهرين في الخرطوم، في 03 يونيو/حزيران الجاري، أسفرت عن مقتل 100 شخصاً على الأقل.
المجزرة ارتكبت بعد توقف المفاوضات بين الجيش والمعارضة حول تشكيل حكومة مدنية، لتواجه الآن الثورة السودانية مصيراً مظلماً يتمثل في خطر الاستيلاء عليها من قبل القيادات العسكرية.
- كيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟
في 11 أبريل/نيسان 2019 تم الانقلاب رسمياً على البشير، أي بعد حوالي أربعة أشهر من الاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة التي اعترت كافة أرجاء البلاد، والتي فجرها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والوقود والمواصلات، ولم تتوقف رغم مقتل عشرات الأشخاص.
البشير، والذي يبلغ من العمر 75 عاماً، والمهدد أمنياً بسبب قيام المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه عدة اتهامات له أبرزها ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في منطقة دارفور الغربية، رفض الاستجابة لمطالب الشعب والتنحي عن السلطة، ما دفع بعض حلفائه السابقين من القيادات العسكرية والأمنية لخلعه وطرده من السلطة.
قيادات المجلس العسكري وعدوا بتسليم السلطة للمدنيين في غضون عامين، لكن المتظاهرين لم يستطيعوا التسليم بصدق مجموعة تضم الحرس القديم للبشير في وعودهم بالانتقال لمسار ديموقراطي، وعليه واصلوا مظاهراتهم مطالبين بفترة انتقالية فورية، وأخيراً أعلنوا عن عصيان مدني وإضراب عام في 09 يونيو/حزيران الجاري، أسفر عن إصابة معظم مؤسسات الخرطوم بالشلل.
- من هو خليفة البشير؟
يرأس المجلس العسكري الانتقالي الحالي عبد الفتاح البرهان، وهو ملازم أول مخضرم، ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع “الجنجويد”، وهي ميليشيات سيئة السمعة، قامت بارتكاب العديد من الأعمال الوحشية في دارفور. كانت قوات الدعم السريع القوة الرئيسية وراء الاعتداء على المتظاهرين، كما أنها تعتبر الوجود المسلح الرئيسي في شوارع الخرطوم.
والآن يزعم المجلس أنه يريد تسليم السلطة، وقام بإجراء العديد من المفاوضات مع المعارضة حول الدور الذي سيلعبه الجيش في الحكومة الانتقالية، ولعل هذا هو وراء تعثر تلك المفاوضات.
- كيف يتابع العالم الأحداث؟
لم يحزن إلا عدد قليل من الدول على رحيل البشير، الذي استولى على السلطة عام 1989 بعد قيامه بثورة إسلامية أدت إلى تحويل السودان بعد فترة إلا ملاذ للإرهابيين مثل أسامة بن لادن، إلا أن الآمال التي انتابت البلاد في التحول لمسار ديموقراطي بعد خلع البشير واجهت عدة إحباطات بسبب انتهاج المجلس العسكري سياسات عنف وقمع، ما أدى إلى قيام الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية السودان.
من ناحية أخرى، أبدت دول ذات ثقل إقليمي مثل السعودية والإمارات رغبتهما في انتقال سلس للسلطة لتجنب تكرار الاضطرابات التي هزت العالم العربي عام 2011، لتقوم في أواخر أبريل/نيسان الماضي بإعطاء حكام السودان الجدد مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار.
- كيف ساءت الأمور في السودان؟
على مدار عقدين من الزمان كان السودان غارقاً في براثين الحرب الأهلية، قبل أن يتم عقد اتفاقية سلام في 2005 أعقبها تقسيم البلاد بعد 6 سنوات.
بعد التقسيم، سيطر جنوب السودان على ثلاثة أرباع حقول النفط، ليؤثر ذلك سلباً على شمال السودان من حيث الإيرادات ودخل بالعملات الأجنبية، كما أدى إلى انخفاض أسعار النفط، لينخفض الدخل العام.
حاولت السودان تنويع مصادر الدخل لديها بتشجيع صناعة التعدين، إلا أنها كانت صناعة ناشئة، مع افتقار السودان لوجود خبراء في هذا المجال حيث يعتمد معظم سكان البلاد، والبالغ عددهم 40 مليون نسمة على زراعة الكفاف.
يعد السودان من أفقر دول العالم، حيث يحتل المرتبة 167 من أصل 189 دولة بحسب مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
- إلى ماذا ستقود هذه المتغيرات؟
بعد مجزرة فض الاعتصام في الخرطوم، واصلت ميليشيات حمدان وقوات الأمن اعتقال المتظاهرين وأعضاء المعارضة البارزين، كما استمروا في محاولتهم لإنهاء الإضراب العام، ومع هذا فإن المجلس العسكري يواجه انقسامات داخلية أيضاً، فالمجلس يضم عناصر من نظام البشير، والذين يتنافسون من أجل السيطرة على مقاليد الأمور.
الضغط الدولي قد يتحكم في المشهد أيضاً، فالولايات المتحدة، وبعد صمت طويل أدانت الاعتداءات التي تمت على المتظاهرين، كما قام رئيس وزراء أثيوبيا “آبي أحمد علي” في 07 يونيو/حزيران الجاري بزيارة السوادن في محاولة منه للتوسط لإيجاد حل للأزمة.
- ما هو التأثير الاقتصادي؟
إلى جانب المخاوف الإنسانية التي قد تنجم عن الأحداث، هناك عدة أمور اقتصادية وتجارية يجب وضعها في الحسبان، كالنفط مثلاً، حيث يحتل السودان المرتبة الثالثة في تصنيف أكبر الدول المصدرة للنفط في أفريقيا، ليبلغ انتاجه من النفط عام 2017 72 ألف برميل يومياً، كما وقعت الحكومة السودانية اتفاقًا مع شركة “Rosneft Oil” الروسية، وشركة ” Rosgeologiya OAO” لبناء مصفاة لتكرير 200 ألف برميل يوميًا في “بور سودان” الواقعة على البحر الأحمر.
كما يعد السودان أكبر مصدر للصمغ العربي في العالم، وهي عصارة مستخرجة من أشجار السنط وتستخدم في المشروبات الغازية والمستحضرات الصيدلانية.
للاطلاع على النص الأصلي مع المصادر اضغط هنا
اضف تعليقا