فشلت منظومة “باتريوت” الدفاعية الأمريكية في إسقاط صاروخ أطلقته جماعة الحوثيين باتجاه السعودية واستهدف مطار أبها فجر الأربعاء (12 يونيو)، وهو ما تسبب في سقوط جرحى وتدمير أجزاء من المطار.

ووضع هذا الهجوم تساؤلات كثيرة حول جدوى وجود “الباتريوت”، التي فشلت أكثر من مرة في اعتراض الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثيين من اليمن، وتستهدف المؤسسات والمواقع الحساسة في السعودية.

وتبادر إلى الأذهان، الحديث مؤخراً عن إمكانية شراء السعودية منظومة “القبة الحديدية” من “إسرائيل”، بالتزامن مع التقارب المستمر بين البلدين خلال الشهور الأخيرة، ووصوله إلى مرحلة غير مسبوقة.

هجومان مُربكان!

يوم الأربعاء (12 يونيو)، أعلن التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن تعرُّض مطار أبها لـ”عمل إرهابي”؛ من خلال “مقذوف” أطلقته جماعة “الحوثي”، متهماً إيران بدعم “الإرهاب العابر للحدود”.

وسبق ذلك، إعلان جماعة الحوثي استهداف مطار أبها في منطقة عسير جنوبي المملكة بصاروخ كروز، وقالت إنه “أصاب الهدف بدقة”، قبل أن تنشر السعودية صوراً، قالت إنها للأضرار الناجمة عن القصف.

أين الدفاعات الجوية؟

خلال السنوات الأربع الماضية منذ بدء الحرب باليمن في مارس 2015، أطلقت مليشيا الحوثيين أكثر من 200 صاروخ باتجاه السعودية، وتقول المملكة إنها تصدَّت لها جميعاً.

لكن شظايا الصواريخ التي تم تفجيرها في الجو بعد اعتراضها، تسببت في مقتل أكثر من 100 مدني، في حين أعلنت المملكة بأكثر من مرة، تصدِّيها لصواريخ تستهدف مكة المكرمة.

ومع استمرار إطلاق الصواريخ ووصولها إلى عمق الأراضي السعودية، يتساءل كثيرون عن أسباب فشل “الباتريوت” في صدِّها قبل أن تتعدى الحدود اليمنية.

وتقول مصادر إن السعودية تملك منظومة عملاقة للدفاعات الجوية “باتريوت” على الحدود مع اليمن، لمنع اختراق أي صاروخٍ أجواء البلاد، بمشاركة خبراء أمريكيين يساعدون في رصد تلك الصواريخ، أو الطائرات المسيَّرة.

ونقلت وكالة “رويترز ” عن الخبير جيريمي بيني، محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلة “جينز ديفنس” الأسبوعية المتخصصة بالشؤون العسكرية، قوله إن أقرب بطارية صواريخ باتريوت إلى مطار أبها تبعد عنه نحو 20 كيلومتراً إلى الشمال.

وأضاف: “قد يكون صاروخ كروز قادراً على أن يصل على ارتفاع منخفض بما يكفي بحيث لا يمكن اعتراضه قبل أن يبلغ هدفه”.

وتساءل نشطاء على مواقع التواصل عن اختفاء “الباتريوت”، إذ تساءل مغرد على “تويتر”: “أين صفقات التسليح التي قيمتها 450 مليار دولار؟! أين صواريخ الباتريوت التي أصبحت مَسخرة على يد الحوثيين؟!”.

وقال آخر: “إنفاق هائل في السلاح وفي تأمين الأجواء السعودية بأنظمة الباتريوت وثاد، وفي الأخير صاروخ حوثي وطائرات من دون طيار بدائية الصنع تخترق هذه الأنظمة وتصيب هدفها بدقة. أين الخلل؟!”.

وأبدى الناشط فهد القحطاني استغرابه من المليارات التي دُفعت من أجل الباتريوت، وقال في حسابه بـ”تويتر”، “وين الباتريوت حق ترامب أبو 500 مليار اللي ماخذه نص ميزانيتنا وعيّشتنا في فقر !!”.


“القبة الحديدية” من “إسرائيل”!

وسبق أن كشف موقع “الخليج أونلاين”، في سبتمبر الماضي، عن صفقة بين “إسرائيل” والسعودية لشراء منظومة للقبة الحديدية، لتوضع على حدودها مع اليمن؛ بسبب كثافة الصواريخ التي تسقط عليها من قبل جماعة الحوثيين هناك.

وقالت مصادر خاصة إن الرياض ستقوم، خلال الشهور المقبلة، “بعمل تجربة ميدانية للتأكد من مدى نجاح أو فشل القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي تدخل المملكة.

وأضافت أن ذلك جاء تحديداً “بعد التقارير التي تحدثت بكثرة عن فشلها في اعتراض كثير من الصواريخ التي كانت تطلق من غزة تجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع، في مراحل التصعيد العسكري الأخيرة وحرب 2014″، تتابع المصادر الدبلوماسية حديثها.

وبينت أن السعودية سعت خلال الفترة الأخيرة إلى شراء منظومة القبة الحديدية “الإسرائيلية” المضادة للصواريخ، وأنها أقنعت الجانب الإسرائيلي ببيعها عبر وساطة قوية بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال اللقاءات الثلاثية السرية التي جرت في واشنطن.

وختمت بالقول: “في حال نجحت القبة الحديدية في مهامها باعتراض الصواريخ التي تشكل خطراً على المملكة سيكون هناك مباحثات مع إسرائيل على شراء منظومات عسكرية إضافية، وفتح باب التبادل العسكري على مصراعيه بين الجانبين”.

لكن لم يعرف بعد حتى الآن ما إن كانت الصفقة قد تمت أو أن الأحداث الأخيرة وفشل “الباتريوت” سيسهم في التسريع بها، خاصة مع تصاعد دفء العلاقات بين المملكة ودولة الاحتلال.

هل فشلت “أقوى منظومة” دفاع؟

وأثار قرار الجيش الأمريكي، في سبتمبر الماضي، سحب بطاريات صواريخ “باتريوت” من ثلاث دول بالشرق الأوسط العديد من التساؤلات حول مدى فعالية تلك المنظومة في التصدي للصواريخ المعادية أثناء صراعات الشرق الأوسط.

واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال العقود الأخيرة، أن تروّج أنظمة صواريخ باتريوت على أنها قادرة على إسقاط الصواريخ والطائرات المعادية بكفاءة عالية.

لكن تجاربها الفعلية في بعض صراعات الشرق الأوسط تشير إلى أنها ربما تكون سلاحاً فاشلاً وغير قادر على مواجهة صواريخ العدو وطائراته، وفقاً لما ذكره موقع “إن دبليو أو ريبورت” الأمريكي.

ولفت الموقع إلى فشل اعتراض صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون من اليمن باتجاه السعودية، في نوفمبر 2017، مشيراً إلى أن هذا الأمر يذكر بتاريخ الـ”باتريوت” منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة في حرب الخليج الثانية.

وهو ما يؤكده تقرير مجلة “ناشينال إنترست” الأمريكية، الذي يقول: “هناك معلومة غير صحيحة تزعم أن منظومة باتريوت نجحت في اعتراض الصواريخ الباليستية”، مضيفة: “تم الترويج لنجاح هذه المنظومة على نطاق واسع”.

وأشارت إلى أن الصواريخ الباليستية التي أطلقها العراقيون عام 1991، والتي يطلقها الحوثيون في الآونة الأخيرة، تم تطويرها بذات الأسلوب الذي تضمن زيادة طول الصاروخ وتخفيف رأسه الحربي، بصورة تؤدي إلى فقدان الصاروخ اتزانه، بصورة قد تؤدي إلى تحطمه في الجو قبل وصول الهدف، ولا يعني ذلك إيقافه من “باتريوت”.

التوقيت والدلالة

ظلت الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثي محط جدل منذ أول صاروخ أُطلق نحو الرياض ومدن سعودية أخرى، خلال السنوات الماضية، وبقدر ما يعتبرها الحوثيون انتصاراً في معركتهم مع السعودية، سعت الرياض إلى استغلالها كورقة سياسية وعسكرية تؤكد مشروعية تدخُّلها في اليمن وأحقية الدفاع عن نفسها.

واستخدمت السعودية أيضاً تلك الصواريخ باعتبارها دليلاً يؤكد تورط إيران في دعم الحوثيين بالسلاح والعتاد، وهي تهمة لم تعد مقتصرة على اللغة الإعلامية والحديث السياسي، بل امتدت إلى داخل أروقة الأمم المتحدة، حينما قدَّمت الرياض بقايا صواريخ باعتبارها صناعة إيرانية.

ويأتي الاستهداف الأخير لمطار أبها بالتزامن مع توتر الأوضاع في منطقة الخليج بين الإمارات والسعودية وأمريكا من جهة، وإيران التي تدعم مليشيا الحوثي في اليمن من جهة أخرى.

وجاءت هذه الحادثة بعد أسبوعين على عقد ثلاث قمم (خليجية وعربية وإسرائيلية) في مكة المكرمة، لمناقشة التطورات وما سمَّته المملكة “الاعتداءات الإيرانية وتدخلاتها في الدول العربية”.

كما جاءت بعد أقل من شهر على استهداف طائرات مسيَّرةٍ محطة ضخ النفط رقم 8 التابعة لشركة “أرامكو” السعودية، في 14 مايو الماضي؛ وهو ما تسبب في وقف ضخ النفط بالمحطة.