خلفية
تولى الجنرال الجزائري أحمد قايد صالح قيادة البلاد التي تمر بمرحلة من عدم الاستقرار بعد تقديم بوتفليقة استقالته عقب سلسلة طويلة من الاحتجاجات الشعبية، وهو تحول مشابه للتحول الذي حدث في مصر بعد قيام السيسي بالانقلاب العسكري على مرسي، ما خلق مخاوف من أن تواجه الجزائر نفس مصير مصر، خاصة وأن صالح، قائد الجيش الجزائري ورئيس الأركان يحاول أن يصبح رئيساً للدولة في خطوات ترعاها الإمارات والسعودية.
ولعل أحد أكبر الأسباب الرئيسية التي تثير الشكوك حول نوايا صالح، هو قيامه بالمطالبة بخلع بوتفليقة، الذي ظل مخلصاً له لمدة عقدين من الزمان، في خطابه التليفزيوني بتاريخ 26 مارس/آذار الماضي مستنداً على مواد في الدستور.
رحلة الرفيق السابق لبوتفليقة
بدأت رحلة الفريق أحمد قايد صالح في عالم السياسة في سن السابعة عشر، حين التحق بجيش التحرير الوطني، الذي حرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي عام 1962. بعد بضع سنوات من استقلال الجزائر، انتقل صالح إلى روسيا لتلقي تدريبات عسكرية في أكاديمية “فيستريل” للمدفعية العسكرية، ليعود بعدها إلى الجزائر مستكملاً مسيرته في السلك العسكري حيث تدرج في المناصب حتى تولى رئاسة الأركان البرية في 2004 بقرار من الرئيس بوتفليقة في مدة رئاسته الثانية، كما كان لصالح دوراً كبيراً في الجيش الجزائري خلال الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات.
بعد أن تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية عام 2013، أصبح صالح الرئيس الفعلي للبلاد، ووزيراً للدفاع، كما عين نفسه نائباً لوزير الدفاع أيضاً، وبعد عامين أصبح صالح الرجل الأقوى في الجيش بعد رحيل قائد المخابرات المخضرم الجنرال محمد توفيق مدين.
مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الجزائر احتجاجاً على إعلان بوتفليقة نيته للترشح لفترة ولاية خامسة، أعلن صالح دعمه للرئيس الجزائري، مؤكداً أن الجيش هو “الضامن” للاستقرار والأمن في مواجهة “أولئك الذين يريدون جر الجزائر إلى سنوات الحرب الأهلية”
ومع تنامي الاحتجاجات، تراجع صالح عن دعمه لبوتفليقة، مشيراً إلى أن الجيش يتقاسم الطموحات ذاتها مع المتظاهرين، ثم طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور، وعزل الرئيس لعدم قدرته على القيام بمهامه.
ورغم تنحي بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان، لا زال الشعب الجزائري غير راض عن الوضع، معلناً مواصلة الاحتجاجات حتى يتم تحقيق إصلاحاً جذرياً يزيل كل آثار للنظام القديم، وعلى رأسهم المسؤولون الحكوميون والقيادات العسكرية، ومع هذا يرى المتظاهرون أن المهمة ستكون صعبة أمامهم لاعتقادهم أن الإمارات والسعودية يدعمون الجنرال قايد صالح لتثبيت أركانه كرئيس للسلطة في الجزائر.
اليد الخفية للإمارات في الجزائر
يعد صالح حليفاً وثيقاً لروسيا، وعليه فلديه قلق دائم من حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، الإمارات والسعودية، خاصة كونهما على علم بالثروة الضخمة التي جمعها وخبأها في حسابات مصرفية لغسيل الأموال في الإمارات.
ينظر الجزائريون إلى العلاقة القوية التي تربط صالح بأبو ظبي بعين السخرية، خاصة بعد الزيارة السرية التي قام بها إلى الإمارات في 02 ديسمبر/كانون الأول 2018 لحضور احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بالعيد الوطني السابع والأربعين، بدلاً من رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، وقيل أنه في تلك الزيارة التقى بمسؤولين إماراتيين لمناقشة التعاون العسكري الثنائي، ليعاود صالح زيارة الإمارات مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وكان ذلك في خضم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي اعترت البلاد.
جريدة ” Mondafrique” الفرنسية أكدت أن الإمارات تنتهج في الخفاء “دبلوماسية عدوانية” لتعزيز الحكم الاستبدادي في الجزائر، لتكرر ذات السيناريو الذي اتبعته في مصر قبل ست سنوات، لتؤدي جهودها في دعم عبد الفتاح السيسي في النهاية إلى الإطاحة بمحمد مرسي- أول رئيس مدني منتخب في البلاد بصورة ديموقراطية.
وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تعبر رسمياً عن موقفها من الاحتجاجات حتى الآن، فإن وسائل الإعلام الإماراتية المملوكة للدولة كشبكة “سكاي نيوز أرابيا” قد أشادت بصالح واصفة إياه “رجل الساعة”، الذي يعبر عن كافة طوائف الشعب.
في المقابل، خرج الجزائريون في مظاهرات بالآلاف التدخل الإماراتي حاملين لافتات تقول “لا للإمارات في أرض الشهداء”، كما قاموا بالتعبير عن رفضهم للإمارات على شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً.
الدبلوماسي الجزائري وأحد مؤسسي حركة “رشاد”، محمد العربي زيتوت، كشف في تصريحات له في منتصف مارس/آذار الماضي عن تحركات سعودية-إماراتية تسعى لإحباط الاحتجاجات الشعبية في الجزائرية كما فعلوا مع الثورات العربية الأخرى، مؤكداً أن ملوك الخليج لديهم “رهاب” من الثورات لأنهم يتوقعون أن وجود أي نظام ديموقراطي في المنطقة “سوف يسقطهم” لأنهم “موجودون بدون قاعدة شعبية”.
الإمارات لا زالت مستمرة في تقديم الدعم السري للجنرال أحمد قايد صالح، ويتزايد هذا الدعم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية والمقرر إجرائها في 04 يوليو/تموز القادم، وفي حال أصبح صالح الرئيس القادم للجزائر، سيكون أمام الشعب الجزائري خياران: إما الاستسلام أو الاستمرار في تحدي شبح الاستبداد.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا