في عام 1973، نجح الفرع العربي لمنظمة “أوبك” في استخدام النفط كسلاح سياسي للضغط على الغرب من خلال فرض حظر نفطي. ربما كان النفط في هذا الوقت مصدر قوة بالنسبة للعرب، إلا أنه وبعد تلك الصحوة المباغتة، أعادت الدول الغربية تفكيرها في سياساتها المتعلقة بالطاقة، ما ساهم تدريجياً في أن تتحول أكبر قوة لمصدري النفط العرب إلى  نقطة الضعف الأكبر.

في التاريخ الحديث، لطالما تم استخدام النفط كسلاح لتحقيق الأهداف السياسية كلما نشأت مشاكل مختلفة بين المُصدرين الرئيسيين للنفط والمستوردين الغربيين، كالولايات المتحدة الأمريكية، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما تم خلال العربية-الإسرائيلية عام 1973 والمعروفة أيضاً باسم “حرب يوم الغفران”، حينما اكتشف السعوديون الدور الهام الذي يمكن أن يلعبوه في السياسة الإقليمية والدولية بمجرد فتح أو إغلاق صنابير النفط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وللمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، وجهت المملكة العربية السعودية تهديدات غير مباشرة حول قدرتها على التسلح بإنتاجها النفطي مرة أخرى في حال واجهت أي إجراءات عقابية على حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، إلا أنه وبعد عدة أيام من تلك التصريحات تراجعت السعودية عن موقفها الهجومي، على لسان وزير النفط السعودي خالد الفالح، والذي صرح في حوار مع وكالة الأنباء الروسية “تاس” بأنه لا توجد نية لتكرار أزمة النفط لعام 1973، حيث قال ” السعودية دولة مسؤولة جداً ونستخدم منذ عقود سياستنا النفطية كوسيلة اقتصادية تتسم بالمسؤولية ونفصلها عن السياسة”.

وربما يشير التغيير الأخير الواضح في موقف الرياض تجاه استخدام النفط كسلاح إلى أنه لم يعد الأداة الفعالة “لإدارة” العلاقات أو التحكم بها كما كان في السابق.

 

سكب البنزين على النار

في عام 1960، قامت خمس دول، وهي العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا، بإنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، واتخذت من بغداد مقراً لها في ذلك الوقت، وكانت تهدف حينها إلى “تنسيق وتوحيد” السياسات النفطية بين الدول الأعضاء، والذين

في عام 1960 ، أنشأت خمس دول ، من بينها العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا ، منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في بغداد في عام 1960. وكان الهدف من كتلة الطاقة ، التي أطلق عليها البعض اسم الكارتل ، هو “تنسيق وتوحيد” السياسات النفطية بين الدول الأعضاء.

لاحقاً، في الستينيات وأوائل السبعينيات، انضمت عدد من الدول العربية الأخرى إلى “أوبك”، وكذلك تم انضمام بعض منتجي النفط في العالم النامي، لتبدأ “أوبك” ككتلة ليست ذات تأثير على أسعار النفط العالمية، ثم تصبح، وبعد مرور حوالي 10 سنوات على تأسيسها قوة يُحسب لها حسابها.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1973، اتخذت “أوبك” العربية قراراً تاريخياً بشأن الحرب مع إسرائيل، حيث التقى وزراء من الدول العربية الأعضاء في “أوبك”، مع نظرائهم في دول ليست عضو في “أوبك”، وهي مصر وسوريا، في دولة الكويت، حيث قررت دول كتلة الطاقة العربية في “أوبك” دعم الهجوم العسكري لدمشق والقاهرة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة بفرض حظر على النفط.

تم تطبيق القرار على عدة مراحل، في البداية تم رفع سعر صادرات النفط بنسبة 70٪، بعدها قامت الدول العربية في منظمة “أوبك” بالتهديد بخفض إنتاجها من النفط بنسبة 05٪ كل شهر إلا أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي استولت عليها في حرب 1967، بما فيها سيناء ومرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية.

كما قام الفرع العربي من “أوبك” بتقسيم دول العالم إلى ثلاث فئات بناءً على مواقفها السياسية تجاه إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بحرب 1973، حيث تم تصنيف الدول التي كانت تدعم القضية العربية على أنها “صديقة”، ولن تواجه أي انخفاض في واردات النفط العربية، في حين ستخضع الدول التي تم تصنيفها على أنها “محايدة” لخفض واردات النفط بنسبة خمسة بالمائة، أما القسم الثالث، وهي الدول “معادية”، الموالية لإسرائيل والداعمة لها، “ستكون المتضرر الأكبر من الحظر النفطي المفروض”.

تم تصنيف الولايات المتحدة وهولندا والبرتغال وجنوب إفريقيا على أنها دول “معادية” بسبب دعمها الواضح لإسرائيل في حرب 1973، على الرغم من أن الحظر العربي على النفط استمر بضعة أشهر فقط، إلا أنه أدى إلى أزمات خطيرة في الطاقة في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى تعتمد على الشرق الأوسط بصورة أساسية فيما يتعلق بالنفط.

 

تداعيات الحظر النفطي عام 1973

لم تكن أزمة النفط عام 1973 المرة الأولى التي استخدم فيها النفط كسلاح، ومن غير المُرجح أن تكون الأخيرة، إلا انه ومن المؤكد أنها المثال الأبرز الذي كان له التأثير الأكبر على الدول المستهلكة للنفط، حيث تسبب خفض الدول العربية لإنتاجها من النفط في ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أربعة أضعاف، كما انخفض “عرض” النفط في غضون بضعة أشهر، لتبلغ الخسارة الصافية للعرض 4.4 مليون برميل يوميًا بحلول ديسمبر/كانون الأول 1973، أي حوالي 14٪ من النفط المتداول دوليًا.

إن الدول المحظورة لم يكن لديها الاحتياطي الكافي من النفط لسد العجز الذي نتج عن النقص غير المتوقع الناجم عن خفض صادرات النفط العربي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين وحدوث أزمات في أسواق واقتصاد الولايات المتحدة وأوروبا الغربية فيما يتعلق بإمدادات النفط وأسعاره، وأصبحت “الطوابير الطويلة” عند محطات الوقود هي الصورة المعتادة الممزوجة بإحباطات السائقين.

في مارس/آذار 1974، رفع وزراء النفط العرب (باستثناء ليبيا) الحصار المفروض على الولايات المتحدة بعد أن نجح وزير الخارجية هنري كيسنجر في التفاوض على اتفاق فك الارتباط العسكري بين سوريا وإسرائيل، ومع ذلك، ظلت أسعار النفط في ارتفاع حتى وصل إلى معدلات أعلى من أسعار ما قبل الأزمة.

ربما نجحت الدول العربية في استخدام النفط كسلاح مهم وضاغط عام 1973، إلا أنها لم تنجح في تسخيره لتحقيق هدفها الرئيسي، وهو الانسحاب الكامل لإسرائيل من جميع الأراضي التي استولت عليها في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 – بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية.

 

البحث عن بدائل أخرى

كانت أزمة النفط عام 1973 بمثابة دعوة لإيقاظ الدول الغربية وتنبيههم لمخاطر الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، ليبدأ الغربي في السنوات التي تلت ذلك في بحث وتنفيذ تنفيذ سياسات جديدة في التعامل مع “الطاقة” للحد من التهديدات المحتملة لحظر النفط في المستقبل والتركيز على استقلال الطاقة.

في الواقع، كانت الولايات المتحدة حريصة جدًا على أن تصبح مستقلة في مجال الطاقة، بل ان الرئيس ريتشارد نيكسون أعلن عن إطلاق “مشروع الاستقلال” في خضم الحظر النفطي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1973.

مهدت هذه المبادرة الطريق لأول سياسة وطنية للطاقة في البلاد من خلال تحديد أربعة متطلبات أساسية: الحاجة إلى وضع إجراءات للطوارئ، والحاجة إلى الاستغلال الكامل لجميع موارد الطاقة، والحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة للطاقة، وأخيرا الحاجة إلى الحفاظ على مصادر الطاقة الحالية.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية، أدت الهجمات على منشآت النفط العراقية والإيرانية إلى خسارة أربعة ملايين برميل يوميًا في إنتاج النفط، وهو ما أثر على السوق العالمية، ورداً على ذلك،

أصدرت إدارة ريغان توجيهًا للأمن القومي بأن يزيد من وجود الجيش الأمريكي في الخليج العربي “للمساعدة في حماية المنشآت والشحنات النفطية”، ما أدى إلى مواصلة واشنطن زيادة وجودها العسكري في الدول الرئيسية المنتجة للنفط – خاصة في الخليج العربي.

وفي خطاب ألقاه يوم 8 أغسطس/آب 1990، ادعى الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأول) أن عدوان العراق على الكويت شكل تهديدًا للولايات المتحدة، التي استوردت نصف نفطها في ذلك الوقت، كما أعلن أن “الاستقلال السيادي للمملكة العربية السعودية مصلحة حيوية” بالنظر إلى موقعها كمورد رئيسي للنفط للولايات المتحدة، ليعقب ذلك بوقت قصير نشر القوات الأمريكية في البلاد.

خشية حدوث أزمة نفطية أخرى بعد الغزو العراقي للكويت، طلبت إدارة بوش، متوقعة حدوث صدمة في الأسعار، الإفراج عن 34 مليون برميل من النفط من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الأمريكي، ومع ذلك، على عكس توقعاته، انخفضت أسعار النفط من حوالي 30 دولارًا للبرميل في سبتمبر/أيلول 1990 إلى أقل من 20 دولارًا للبرميل في يناير/كانون الثاني 1991، إلا أنه في أواخر فبراير/شباط، استسلم العراق، وبذلك انتهت حرب الخليج الأولى.

ومع وضع سياسات جديدة للطاقة وزيادة الإنتاج المحلي من النفط، وكذلك مع تزايد نمو الطاقات المتجددة، أصبح أقوى سلاح سياسي في ترسانة الدول العربية المنتجة للنفط عديم الفائدة إلى حد كبير.

في الواقع، يبدو أن النفط العربي سلاحاً ذو حدين، حيث تسعى الدول الرئيسية المستوردة للنفط في العالم إلى تسخير قوة سياسات الطاقة لمعاقبة مصدري النفط عندما يتعدون حدودًا معينة؛ وبالتالي، إذا حاولت الرياض التقدم في أمر ما، رغماً عن رغبة واشنطن، فقد تجد نفسها ضحية لسلاحها المفضل: “الضغط بالطاقة”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا