فشل الائتلاف الحاكم في تونس، مساء الخميس، في المصادقة على إدخال تعديل على القانون الانتخابي، يقضي بمنع الإشهار السياسي وتمجيد الدكتاتورية والنظام السابق.

وكانت الحكومة تقدمت بمقترح لحظي بدعم حزبي “النهضة” و”تحيا تونس” يقضي بعدم قبول ترشح مخالفي قانون الجمعيات والأحزاب، لكل من ثبت استغلاله للإشهار السياسي، وهو ما يقصي رؤساء الجمعيات وأصحاب المؤسسات الإعلامية من الترشح. كما يتضمن الاقتراح إبعاد الأحزاب التي تمجد النظام القديم وتشيد بالديكتاتورية والإرهاب عن المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.

وبرغم تحول رئيس حزب “النهضة”، راشد الغنوشي، وأمين عام حزب “تحيا تونس”، سليم العزابي، إلى مقرّ البرلمان، لإقناع الكتل النيابية بضرورة التوافق على التعديل، فإن الائتلاف لم ينجح في جمع 109 أصوات تمكّنه من تمرير التعديل بسبب الغيابات من ناحية، وبسبب عدم الانضباط الواضح داخل الحزبين لعدد من نوابهما، ورفض بعضهم للتعديل المقترح.

وتؤكد مصادر مطلعة من الحزبين، لـ”العربي الجديد”، أن هذا التعديل جاء بشكل مفاجئ لكثيرين، حيث كانت النهضة رافضة لمبدأ الإقصاء عموما، ولكن يبدو أن معطيات جديدة دخلت على الخط أدت إلى تغيير في بعض المواقف.

ويتزايد الحديث عن تأجيل الانتخابات بشكل ملح في الكواليس السياسية التونسية، ويبدو أنه جرى الحديث عن هذا الأمر في اجتماعات رفيعة المستوى مؤخرا، وقد تكون ثمة عملية مقايضة جرت بين أطراف سياسية تقضي بتمرير هذا التعديل مقابل تأجيل الانتخابات.

وأمام سقوط مبرر الأوضاع الأمنية لتأجيل الانتخابات، حيث أكد وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، بمناسبة الذكرى 63 لانبعاث الجيش الوطني، منذ أيام قليلة، أنّ “الوضع الأمني مستقرّ على جميع المستويات، وهي من أحسن الفترات التي شهدتها البلاد”؛ لا تزال بعض الجهات تسعى لإدخال نوع من الإرباك السياسي لتحقيق أهدافها.

ويبقى السؤال عن الرابحين والخاسرين من هذا المسعى الذي يمكن أن يشكّل ضربة كبيرة لصورة الانتقال الديمقراطي في تونس. ويرى البعض أن الرئيس الباجي قايد السبسي قد يكون من أكثر الرابحين إذا تأجلت الانتخابات، إذ تشير المعطيات الحالية إلى تراجع جناح نجله في حزب نداء تونس، وحاجته الشديدة إلى مزيد من الوقت لتحقيق مبادرته الرامية لتوحيد الحزب من جديد، وجمع العائلة الوسطية المشتتة على أحزاب كثيرة، وتقدم كل منافسيه عليه في هذا الشأن.

ويبدو أن صعود أسهم نبيل القروي في الفترة الأخيرة، أحد أبرز المقربين المعروفين من الرئيس السبسي، يخدم أساسا هذه النوايا، إذ أدخل إرباكا واضحا على كل المعطيات، ودفع لإعادة الحسابات من جديد.

ويلمح مراقبون إلى أنه إذا تم منع القروي وجمعية “عيش تونسي” من الترشح فقد تكون هناك توصية بمنح هذه الأصوات إلى جهات أخرى، غير واضحة في الوقت الحالي، ما قد يقلب كل التوازنات رأسا على عقب، إذا صدقت طبعا الأرقام التي تقدمها مؤسسات سبر الآراء التي وضعته وحزبه، غير الموجود أصلا، في صدارة الأحزاب والشخصيات المترشحة للانتخابات الرئاسية والتشريعية.

في المقابل، يبدو أن رئيس الوزراء يوسف الشاهد سيكون من أبرز الخاسرين إذا تأجلت الانتخابات، لأنها ستقود بالضرورة لخروجه من الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، بالنظر إلى أن فترة التأجيل التي تتحدث عنها المصادر قد تصل إلى سنتين، إلا إذا تمكن من التفاوض على البقاء واتفق في ذلك مع الجهات الرئيسية الداعية إلى التأجيل، مقابل تشكيل جبهة جديدة قد تكون بقيادته.

وتبدو حركة النهضة مرتبكة في ظل هذه الأوضاع، إذ كانت، إلى حد الآن، مطمئنة نسبيا على تقدمها على بقية الأحزاب في الانتخابات التشريعية، وتقايض على خيارها بالنسبة للرئاسية، غير أن الأرقام والمعطيات الأخيرة أدخلت نوعا من الشكوك بخصوص توقعاتها، ما يستدعي بالضرورة إعادة تقييم الوضع من جديد، برغم أنها أكدت أكثر من مرة تشبثها بموعد الانتخابات، ومعارضتها كل دعوات تأجيلها، وآخرها بالأمس، حين شددت على “أهميّة الالتزام الكامل بالمواعيد الانتخابية التي سبق وأن أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، باعتبار ذلك استحقاقا دستوريا وكسبا مهما للانتقال الديمقراطي ودليل نجاحه ومصداقيته، كما أنه يعزز مكانة تونس على الساحتين الإقليمية والدوليّة”.

ولم تتسرب معطيات عن لقاء الغنوشي بالسبسي منذ يومين، غير أن مصادر رجحت لـ”العربي الجديد” أن يكون موضوع التأجيل قد طرح في هذا اللقاء، دون تأكيد ذلك.