هبطت حرارة الأزمة الناتجة عن هجوم بحر عمان، قياساً على ما كانت عليه درجة التوتر في واشنطن، أول من أمس الخميس، حين كانت أجواء الإدارة توحي بأنها تنظر جدياً في القيام “بردّ مناسب” على إيران، التي اتهمتها بتفجير ناقلتي النفط.

تبدّى ذلك في لهجة البيان الذي صدر بعد التداول في الموضوع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي تلاه وزير الخارجية مايك بومبيو، في شبه مؤتمر صحافي دعا إليه على عجل ومن دون قبول أسئلة. بدا وكأنه جاء للإبلاغ عن قرار بخطوة نوعية تعتزم الإدارة اتخاذها ضد إيران.

لكن المواجهة ليست مرجحة، وخيارها غير محسوم داخل الإدارة، والبيت الأبيض غير متحمس لها، كذلك فإن الكونغرس يحذّر من التورط فيها. الحسابات السياسية والانتخابية وأيضاً الاقتصادية، لها الأولوية الآن. والمناخ الأميركي العام ليس مع الرد العسكري، خشية التورط المديد والمكلف، كما كان في العراق. علاوة على ذلك، هناك اعتقاد متداول لدى بعض الأوساط التي تحذّر من أن هناك دولاً في المنطقة “تريد دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الحرب مع إيران نيابة عنها”. (المحافظ باتريك بيوكانن ذكر إسرائيل والسعودية، وبن رودز المستشار السابق في البيت الأبيض ذكر المملكة السعودية). ثم إن استصدار قرار من مجلس الأمن يكون بمثابة إجازة مرور دولية، تبيّن أنه متعذّر بحكم “الفيتو” الروسي المتوقع.

بالإضافة إلى ذلك، يتصل غياب الإجماع بعدة عوامل واعتبارات تتعلق بالحادثة نفسها؛ منها أن الحيثيات التي قدمتها الإدارة بدت ضعيفة، فالتهمة جاءت عن طريق الاستنتاج وليس الأدلة القاطعة. والإدارة سبق ومارست “التضخيم كثيراً بشأن إيران”. ثم إن “السرعة” في توجيه التهمة ساهمت في إثارة الشكوك، حسب مستشارة الأمن القومي للرئيس السابق باراك أوباما، سوزان رايس، خاصة أن مستشار الأمن القومي جون بولتون مستعجل منذ زمن على المواجهة مع إيران. وربما يكون استعجاله المعروف قد عزز من النظر بعين الريبة إلى تذرّع إدارة ترامب بسوابق إيران لتحميلها مسؤولية الهجوم على الناقلتين. ولذلك لم تكن الأدلة الظرفية وحدها كافية، حتى ولو أن الظنون الأميركية عموماً تصوّب نحو إيران، من زاوية أن “اختناقها الاقتصادي والمالي جعلها أكثر عدوانية”، كما تقول سوزان ميلّوني، من مؤسسة بروكينغز للدراسات. كل ذلك زاد من تشويش الصورة، خصوصاً أن جهات وأوساطا عديدة لا تعفي الإدارة من مسؤولية المأزق، من باب أنها هي التي بادرت إلى التأزيم من خلال سياسة “التحدي والحصار” التي اعتمدتها، والتي بدأت مع الانسحاب من الاتفاق النووي وما تلاه من عقوبات على إيران.

في ظل هذا الوضع، بدت الإدارة وكأنها انتقلت إلى خيار الاحتواء. وكان من اللافت أن يتولى البنتاغون التعبير عنه، سواء بلسان وزير الدفاع بالوكالة، باتريك شاناهان، الذي أشار إلى أهمية بناء تحالف دولي ضد إيران، كما بلسان قائد قوات المنطقة الوسطى الذي نوه إلى أهمية الابتعاد عن الحرب.

في هذا السياق، يجري الحديث عن العودة إلى خيار مرافقة الناقلات في مياه الخليج أو رفع العلم الأميركي عليها، كما جرى سنة 1984، لضمان استمرار الإمدادات. وسيلة قد تردع استهدافها، لكنها لا تكفل منع حصول احتكاكات جانبية قد تخرج عن السيطرة. كذلك، فإن اللجوء إلى بناء تحالف دولي ضد إيران قد لا يتحقق، بعد أن نسفت الإدارة نموذجه بخروجها من الاتفاق النووي. وحتى لو جرى تفعيل هذا أو ذاك، هناك مشروع أزمة أخرى على الطريق من شأنها أن تزيد من تعقيد وخطورة الوضع. فبعد 3 أسابيع، وتحديداً في 8 يوليو/تموز المقبل، تنتهي فترة الشهرين التي حددها الرئيس الإيراني حسن روحاني، لاستئناف تخصيب اليورانيوم بكميات عالية. إدارة ترامب حذّرت ولوّحت باستخدام القوة لو حصل ذلك.

بذلك، تصبح الأزمة مركّبة، ومعها تصبح الوساطة الدولية معقدة أكثر، إن لم تكن مستبعدة، في المدى القريب، بعد فشل محاولة رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، قبل أيام، لا سيما أن ترامب تراجع عن دعوته إلى الحوار، ذلك لأنه “لا نحن جاهزون ولا إيران”، كما قال في تغريدة على “تويتر” أخيراً.