يسابق مرشحو الرئاسة الموريتانيون الزمن لإقناع نحو مليون ونصف مليون مسجل على اللوائح الانتخابية لاختيارهم لقيادة البلد العربي الواقع في أقصى غرب أفريقيا، يوم 22 يونيو الجاري.

وتأتي الانتخابات وسط مخاوف من تزوير إرادة الناخبين، وفي ظل وجود بواعث قلق، أبرز تجلياتها انقسام سياسي ومجتمعي (عرقي وفئوي)، وانعدام للتوافق عى تسيير عملية الاقتراع، وغياب شبه كامل للمراقبين.

ويرى العديد من المتابعين للشأن الموريتاني أن رفض الحكومة دعوة المراقبين الأجانب للشهادة على سير عمليات الاقتراع هو ضربة لمصداقية الانتخابات.

ويؤكد هؤلاء أن عدم استجابة الحكومة لمطالب المعارضة الداعية إلى مراجعة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لتضم ممثلين عن قوى المعارضة، يفقد جرعة الأمل المعقودة عليها في إنهاء حالة التجاذب السياسية التي سيطرت على الساحة الموريتانية خلال العشرية الماضية.

تنافس قوي

ويتنافس في الاستحقاقات الرئاسية الحالية ستة مترشحين، أولهم وزير الدفاع وقائد الجيوش السابق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزاني المدعوم من الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز وقوى الموالاة.

ويأتي الوزير الأول الأسبق سيد محمد ولد بوبكر المنافس الثاني، وهو مدعوم من تحالف أحزاب معارضة تضم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” ذا التوجه الإسلامي.

ويعد حزب التجمع أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية، إضافة إلى حزب الاتحاد والتغييير الموريتاني “حاتم”، وحزب المستقبل، وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى.

والمنافس الثالث بيرام الداه أعبيد، النائب البرلماني والناشط الحقوقي رئيس  الحركة الانعتاقية “إيرا”، الذي يدعمه حزب “الصواب” ذو التوجه البعثي.

وجاء محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض كمنافس رابع، المدعوم من أحزاب معارضة يأتي في مقدمتها حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يترأسه أحمد ولد داداه.

ومن بين المنافسين في الترتيب الخامس، محمد الأمين المرتجى الوافي، وهو الأصغر سناً بين المتنافسين، إداري مالي، وليست له سوابق في ممارسة العمل السياسي، ويخوض الاستحقاقات معولاً على دعم الشباب.

وفي المرتبة الأخيرة بين المنافسين يأتي كان حاميدو بابا، رئيس حزب الحركة الوطنية من أجل إعادة التأسيس المدعوم من ائتلاف اتنخابي يضم تكتلاً للأحزاب الزنجية.

ويحظى وزير الدفاع السابق الغزواني بدعم قوي من الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز وحكومته ومن القوى التقليدية ورجال الأعمال، فيما تساند باقي المرشحين قوى شبابية وفئوية مختلفة.

وتظهر مهرجانات المرشحين أن هناك أربعة من بينهم يحظون بالتفاف جماهيري معتبر، يأتي في مقدمتهم مرشح النظام الغزواني، متبوعاً بالوزير الأول الأسبق ولد بوبكر، فيما يحل بيرام الداه وولد مولود في المرحلة الثانية، وتكاد تنحصر شعبية كان حامدو بابا في مناطق ضفة نهر السينغال حيث يتركز وجود المواطنين الزنوج الأفارقة، فيما لا يكاد المرتجي الوافي يسجل حضوراً.

وتسيطر الهموم المرتبطة بالبطالة ومحاربة الفقر والحرمان، والتوزيع العادل للثروات، ومشاغل التنمية والعدالة الاجتماعية، على خطابات وبرامج المرشحين.

بواعث قلق

ويبدي عدد من المتابعين والمحللين قلقهم من تنامي الاستقطاب العرقي والفئوي الذي يتجلى في وجود مترشحين من الفئات الاجتماعية:”البيظان” و”الحراطين” و”الزنوج”، وفي التفاف غالبية الزنوج حول المرشح كان حامدو بابا، واستقطاب خطاب المرشح بيرام لجماهير عريضة من “الحراطين”.

ويرى المحلل السياسي عبد الله ولد حامد أن حالة الاستقطاب المجتمعي حادة، والخطاب المتشنج تنامى خلال هذه الحملات، وهو أمر خطير في بلد متعدد الأعراق واللغات.

ويضيف ولد حامد في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين” أن هذه الحالة تحتاج للمعالجة الواعية حتى لا يستحيل هذا الاستقطاب  إلى تهديد للسلمي الأهلي .

ويقلل الباحث في المركز الموريتاني للدراسات الاستيراتيجية محمد الحافظ ولد الغابد من خطر الاستقطاب الفئوي، معتبراً أن قضية الزنوج ومواضيع الإرث الإنساني تقادمت ولم تعد صالحة للتحشيد.

ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن أسباب ضعف قضيتهم، هي “الحلحلات التي تمت بشأنها في مراحل مختلفة، كما أن الجهات الدولية التي كانت تستثمر فيها قد غيرت اهتمامها”.

ويضيف الغابد: “فيما يخص موضوع الحراطين فالحاصل فيه أن المرشح بيرام يحظى بقبول نسبي داخل الفئات الشابة من هذه الفئة، فيما لا تكاد شعبيته تتجاوز مناطق الجنوب خاصة ولاية الترارزة”.

ويتابع: “يضعف الاستقطاب في مناطق تركز لحراطين في الشرق، كما أن عدداً من القيادات التاريخية  للحراطين قد توزعت بين المرشحين الآخرين”.

هاجس التزوير

ومع انهماك المرشحين والأحزاب الداعمة لهم، من الموالاة والمعارضة، في التعبئة للاستحقاقات يسيطر على المنافسين لمرشح النظام هاجس تزوير إرادة الناخبين والتحكم في نتائج عملية الاقتراع.

في هذا السياق يتهم المترشح كان حاميدو بابا بوجود أياد خفية تسعى إلى تزوير إرادة المواطنين، مؤكداً أن الانتخابات مصيرية لتحديد مستقبل البلاد”.

من جهته، انتقد  الوزير الأول الأسبق والمرشح سيد محمد ولد بوبكر بشدة حضور الرئيس ولد عبد العزيز لافتتاح حملة منافسه وزير الدفاع ولد الغزاني، ومنح صفقة طباعة بطاقة التصويت لرجل أعمال مقرب من رأس النظام الحالي.

ودعا بو بكر الشباب إلى حماية أصواتهم والبقاء أمام مكاتب التصويت إلى حين إعلان النتائج “حتى لا تسرق أصواتهم” على حد تعبيره.

ويعتبر الصحفي في قناة المرابطون محفوظ السالك، أن مخاوف المعارضة من تزوير الانتخابات مبررة بالنظر إلى عدم تمثيلها في اللجنة المستقلة للانتخابات.

ويوضح السالك أن الظروف التي منحت فيها صفقة طباعة بطاقة التصويت لشركة يملكها رجل أعمال داعم لمرشح النظام، تزيد من احتمالية التزوير.

ويضيف ولد السالك، في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين”، أن عدم ترتيب المعارضة أي شيء على هذه المخاوف، ومضيها قدماً في المشاركة في استحقاقات هذه ظروفها يضعف القناعة بحجية موقفها.

وحول إمكانية أن يكون هناك شوط ثان في الانتخابات الحالية يرى الصحفي محفوظ السالك أن حجم تفاعل الناخبين في الداخل مع مهرجانات المترشحين المعارضين يفتح بارقة أمل في حصول شوط ثان.

من جهته يرى الباحث محمد الحافظ الغابد أن تزوير الانتخبات  في العادة ينقسم صغير يتعلق بالتحكم تقنيا في نتائج الانتخابات وهو يرى أنه أصبح غير ممكن.

ويقول الغابد: “التزوير كبير يتمثل في التأثير على إرادة الناخبين وخياراتهم، وهذا قائم وتستخدمه كل الأطراف حتى تلك المعارضة منها.

يرى الغابد أن أكبر مفاجأة يمكن أن تعرفها رئاسيات 2019 ستكون حصول شوط ثان، مرجحاً أن يفوز وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني بنسبة تقارب 55% في الدور الأول.

لكن –يضيف ولد الغابد- هناك خيار سيئ آخر وهو أن يتملك الفزع داعمي الغزواني فيستخدمون ما أسميناه التزوير الكبير ليفوز مرشحهم بنسبة كبيرة تزيد على 70%.