أعلنت السعودية، قبل أيام، أنها تقوم بالعمل على إنهاء اتفاقيات خصخصة تتجاوز قيمتها ملياري ريال (533 مليون دولار)، قبل نهاية العام، في خطوة جديدة تلجأ إليها في طريق البحث عن مصادر جديدة لدعم إيراداتها الحكومية.

وتأتي خطوة الرياض هذه لمحاولة إنقاذ اقتصادها الذي يواجه مخاطر وتحديات كبيرة تدفعه بقسوة نحو الانحدار؛ بداية بالمعارك التي تشعلها في جارتها الجنوبية مع “الحوثيين”، وليس انتهاء بالأزمة الخليجية، والحرب الباردة مع إيران.

وقال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة بالعاصمة البريطانية، في 16 يونيو 2019: إن “المركز الوطني للتخصيص يقوم حالياً بالعمل على إنهاء اتفاقيات تتجاوز قيمتها ملياري ريال في مجالات عدة؛ تشمل مطاحن الدقيق، والخدمات الطبية، وخدمات الشحن”.

وأضاف بن سلمان: إنه “من المتوقع الانتهاء من هذه الاتفاقيات قبل نهاية عام 2019″، مشيراً إلى أن حكومة بلاده ملتزمة بالطرح الأولي العام لعملاق أرامكو “وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب”. وتوقع أن يتم الطرح العام بين عامي 2020 و2021″.

وخطط “الخصخصة” طرحها بن سلمان في العام 2016 ضمن رؤية 2030، التي يهدف من ورائها لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وإخراجه من الاعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط خلال مدة زمنية تبلغ 15 عاماً.

وكان وزير الاقتصاد السعودي، محمد التويجري، قد قال في تصريحات لوكالة “رويترز”، في العام 2017: إن “برنامج الخصخصة ضمن رؤية المملكة 2030، قد يجمع نحو 200 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة، إلى جانب 100 مليار دولار تسعى السلطات لجمعها من عملية بيع حصة في شركة أرامكو”.

والعام الماضي، اعتمد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي خطة لتنفيذ برنامج للخصخصة بهدف توفير إيرادات غير نفطية تبلغ ما بين 9-11 مليار دولار، بحلول العام 2020، وتوفير 12 ألف فرصة عمل.

حبل إنقاذ

المحلل الاقتصادي محمد الشهري، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، رأى أن “خطط الخصخصة السعودية من أهم عناصر رؤية 2030، وتهدف إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية، وتخفيف النفقات العامة، وجذب الاستثمارات الأجنبية”.

وأضاف الشهري: “المملكة وجدت من برامج التخصيص في هذه الفترة حبل إنقاذ من مستقنع الأزمات الذي تغرق فيه، والذي يهدد بانهيار تدريجي لاقتصادها، خاصة في ظل تصاعد الحرب باليمن، وتكثيف الحوثيين لاستهداف الأراضي السعودية، وقصف مواقع استراتيجية وحيوية مثل محطتي الضخ التابعتين لشركة أرامكو”.

وأشار إلى أن الأزمة مع قطر، والصراع المتصاعد مع إيران، وعدم استقرار أسعار النفط، وانخفاضها مؤخراً، وهجوم خليج عمان الأخير، زاد من أعباء الاقتصاد السعودي وأفقد الثقة فيه، ودفع لهروب الاستثمارات الأجنبية.

وكانت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية قد قالت، في تقرير سابق لها: إن “الحرب على اليمن لا تظهر فيها مؤشرات على تحقيق أي نجاح، ومن ثم فإن السعودية وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على الجانب الدفاعي قبلَ أي جانب آخر”.

وفي 16 يونيو الجاري، كشف برنامج تحقيق التوازن المالي للسعودية عن تواصل عجز الموازنة العامة للعام التاسع توالياً، حتى عام 2022، وكذلك استمرار زيادة الدين العام، وانخفاض الاحتياطي العام.

وبحسب الموازنة الجديدة للعام الحالي 2019، تتوقع السعودية أن يبلغ العجز 131 مليار ريال (35 مليار دولار)، تمثل نحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “المونيتور” الأمريكية عن أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%.

واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن القرارت السعودية من سيئ إلى أسوأ، منذ صعود الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى العرش في العام 2015، وتعيين ابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، ثم ولياً للعهد.

زيادة الإيرادات

وبحسب المحلل الاقتصادي، فإن خطط الخصخصة تهدف بشكل مباشر لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، وتفعيل دور القطاع الخاص، وخفض الالتزامات الحكومية، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الإيرادات المالية العامة.

وذكر الشهري أن الحكومة السعودية تتوقع أن يسهم برنامج الخصخصة في الناتج المحلي للبلاد بنحو 3.5 إلى 3.7 مليارات دولار، بحلول 2020، وأن يوفر نفقات تقدر بنحو 8 مليارات دولار، إضافة لخلق 12 ألف فرصة عمل.

ويبلغ معدل البطالة بين السعوديين 12.7%، بنهاية العام 2018.

المواطن ضحية

من جانبه رأى المحلل الاقتصادي عاصم أحمد أن السعودية تواجه واقعاً اقتصادياً صعباً، لذلك لجأت لخطط الخصخصة، فهي ستسهم بزيادة إيراداتها وتوفير نفقاتها، وربما تحسين الخدمات العامة، وتحسين الاستثمار، ودور القطاع الخاص.

وقال أحمد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “عندما تخفف الخصخصة الأعباء عن الحكومة فإنها تثقل كاهل المواطن السعودي بأعباء ونفقات جديدة، فالخدمات التي كانت تقدمها الحكومة ستتحول للقطاع الخاص وبمقابل مادي أعلى”.

وأضاف: “الأعوام الثلاثة الماضية كانت أشبه بكابوس للمواطنين والمقيمين بالسعودية؛ فالحكومة رفعت أسعار البنزين والكهرباء، وفرضت ضرائب جديدة ورسوم إقامة على العمال الأجانب، وستمثل الخصخصة عبئاً جديداً”.

وأشار إلى أن القطاع الخاص يهدف للربح، وفي حال لم تحقق له الخدمات التي سيقدمها أرباحاً جيدة فإنه ربما يمتنع عن تقديمها.

صعوبات يفرضها الواقع الاقتصادي

ولا يتوقع الخبير الاقتصادي أن تجد الحكومة السعودية إقبالاً كبيراً من المستثمرين للدخول بشراكات معها في القطاعات التي تنوي خصخصتها، فخلال السنوات الماضية ضعفت القوة الشرائية كثيراً، والاقتصاد بالمملكة يمر بمرحلة صعبة، إضافة إلى أن التوترات السياسية والعسكرية بالخليج ستلقي بظلالها على ذلك.

وتظهر مؤشرات الاقتصاد السعودي مخاطر كبيرة تواجهها المملكة؛ فإضافة إلى عجز الموازنات السنوية المتواصل منذ العام 2014، فإن الاحتياطي العام للمملكة انخفض من 732.3 مليار دولار في نهاية 2014 إلى 490 مليار دولار العام الماضي 2018.

كما قفز الدين العام للرياض من نحو 11.8 مليار دولار نهاية 2014، إلى 153 مليار دولار نهاية العام الماضي.

وتتوقع المملكة زيادة الدين العام ليصل إلى نحو 180 مليار دولار في 2019، وهذا الرقم يمثل نحو 21.7% من الناتج المحلي.