أعاد التوتر الأخير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تسليط الضوء على طبيعة نظام الحكم في الجمهورية التي أسسها الخميني، عام 1979، على أنقاض حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، حيث أدركت السلطات الجديدة أنها بحاجة إلى قوة كبيرة تكون ملتزمة بأهداف النظام للدفاع عن قيم ومبادئ الثورة.

وبناءً عليه بُنيت قوة عسكرية تضم؛ القوات النظامية (الجيش)، ومهمتها الدفاع عن حدود البلاد، وحفظ الأمن الداخلي، وقوات الحرس الثوري وتكلف بحماية النظام الحاكم (الثورة).

وأصبح الحرس الثوري من أهم مرتكزات الجمهورية التي وصفت نفسها في الدستور بـ”الإسلامية الشيعية الاثني عشرية”، وأدت هذه المؤسسة دوراً محورياً في الحياة السياسية الإيرانية أكبر مما يحدده لها القانون؛ بعد أن عززت قوتها العسكرية، والبحرية، والجوية، مستعينةً بقوة اقتصادية جبارة أرست أسسها منذ مرحلة التأسيس وتنامت حتى وصفتها بعض التقارير الغربية بأنها دولة داخل الدولة.

 

عقوبات أمريكية

وقد أدرك صانع القرار الأمريكي أهمية الحرس الثوري ودوره في إقامة دعائم النظام الحاكم في إيران، لذلك أعلنت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، إدراجه على لوائح الإرهاب؛ في إطار محاولتها إخضاع طهران للموافقة على اتفاق جديد يخص برنامجها النووي يتلاءم مع رؤية التيار اليميني الذي تمثله.

وشملت العقوبات تجميد أصول قد يمتلكها الحرس في الولايات المتحدة، وفرض حظر على الأمريكيين الذين يتعاملون معه، أو يقدمون الدعم المادي لأنشطته، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تصنّف فيها واشنطن جزءاً من جيش دولة أجنبية رسمياً كمنظمة إرهابية.

وتسيطر الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني على ما يصل إلى 20% من اقتصاد البلاد، بحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 2017، عندما كان رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية.

وبررت وزارة الخزانة الأمريكية، في مارس الماضي، سبب تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، في بيان، بالقول إنّ النظام الإيراني تسبب في مقتل 603 أمريكيين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية في العراق، منذ عام 2013.

وبحسب تقرير لمركز “أكسيو” الأمريكي فإن واشنطن تأمل أن يكون لعقوباتها على الحرس تأثير سياسي واقتصادي يعيق حركته ويجعل قدرته على المناورة ضعيفة.

إلا أن الحرس الثوري لا يزال قادراً على التحايل على العقوبات الأمريكية، بل إنّ تقارير صحفية غربية أكدت نمو وارداته المالية خلال فترة العقوبات.

وبحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، ترجمه “الخليج أونلاين”، في 17 يونيو الجاري، فإن الحرس وجد مصادر جديدة للدخل؛ من ضمنها عقود البنية التحتية الموقعة حديثاً في سوريا والعراق، بالإضافة إلى شبكات التهريب الموسعة.

ووفق مستشارين للحرس الثوري ومصادر بالحكومة الأمريكية، نقلت عنهم الصحيفة، فإن أنشطة الحرس “توسعت لتشمل البناء والمصارف والتهريب”.

وأشارت إلى أن بنك الأنصار المملوك لـ”الحرس الثوري”، الذي حظرت وزارة الخزانة الأمريكية التعامل معه، زادت ودائعه خلال الشهرين الماضيين بنسبة 4٪، حسب إفصاحاته للبنك المركزي الإيراني.

 

مصادر القوة

وقام الحرس الثوري في بداية الثورة على أساس فكرة حماية النظام الذي شكّله الخميني من المخاطر الداخلية والخارجية، ومع استتباب الأوضاع وتمكن الثورة من الحكم أصبحت هذه المؤسسة مركز قوة خيوطها بيد المرشد الإيراني بشكل مباشر، وهو ما جعل منها سلطةً عليا فوق الدولة، بحسب عبد الناصر الحمداني، الكاتب والباحث المختص بالشأن الإيراني في “منظمة كتاب بلا حدود – الشرق الأوسط”.

الحمداني قال في حديثه لـ”الخليج أونلاين: إنّ “ما أعطى للحرس الثوري التمكين داخل إيران، عدا القدرة العسكرية التي تجعله بموازاة الجيش النظامي، هي القوة الاقتصادية التي اكتسبها من خلال تأسيسه مجموعة واسعة من الشركات والمجموعات الاقتصادية العاملة داخل إيران، وتنشط في مجالات؛ البناء والطرق والجسور، وفي قطاع السيارات والطرق السريعة، والسكك الحديدية وبناء مترو الأنفاق والسدود، كما تتشابك أنشطتها مع اقتصاد النفط والغاز واستخراج المعادن”.

وأضاف: إن “شركة خاتم الأنبياء للإنشاءات تتربع على عرش الشركات التابعة للحرس الثوري، وعلى عاتقها يقع العبء الأكبر من توفير التمويل”.

وتابع الحمداني: إن “تقارير المخابرات الأمريكية تشير إلى أن الحرس يمتلك كذلك مجموعة شركات تعمل خارج إيران، تتوزع مهامها بين تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات، إضافة إلى نشاطاتهم في أسواق النفط السوداء، وقدّر خبراء حجم معاملاتها عام 2014 بنحو 140 مليار دولار”.

وختم الحمداني حديثه بالقول: إن “سيطرة إيران على العراق، بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وترسيخ وجودها ونفوذها في سوريا بعد ثورات الربيع العربي، واستعانة بشار الأسد بها لمواجهة المعارضة المسلحة، فتحت للحرس الثوري آفاق أنشطة استثمارية جديدة درّت على خزائنه مليارات الدولارات؛ من خلال مجموعة مشاريع ينفذها عبر رجال أعمال وشركات وسيطة داخل العراق وسوريا، لذلك لا يمكن لأي عقوبات أن تنال من قوته الاقتصادية الجبارة”.

يشار إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية فرضت، يوم 12 يونيو الجاري، عقوبات على شركة عراقية وشخصين قالت إنهم يعملون في إطار مساعدة طهران على الإفلات من عقوبات واشنطن.

وقالت في بيان: إن “شركة موارد الثروة الجنوبية سهّلت بشكل سري وصول الحرس الثوري الإيراني إلى النظام المالي العراقي؛ من أجل التهرب من العقوبات”.

وأضاف البيان: إن “الشركة المذكورة كانت تعمل كواجهة لتهريب أسلحة بمئات ملايين الدولارات إلى وكلاء الحرس الثوري داخل العراق، كما أنها نقلت ملايين الدولارات بشكل غير مشروع

لصالح الحرس الثوري والفصائل التابعة له في العراق”.

وبحسب البيان، شملت العقوبات أيضاً “شخصين عراقيين هما مكي كاظم الأسدي، الذي كان يعمل وسيطاً لتسهيل الشحنات التابعة للحرس الثوري وتقديم الدعم المالي والتكنولوجي عبر الشركة، ومحـمد حسين صالح الحسني، وهو الوكيل والممثل المعتمد للشركة، ووقّع عقود أسلحة لصالح الشركة”.

وسبق لواشنطن أن وضعت صاحب بنك “البلاد” العراقي، آراس حبيب، على لائحة عقوباتها، وقالت في بيان: إن “حبيب نقل ملايين الدولارات من قوات فيلق الحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله بشكل سري، وعمل على إثراء ودعم الأجندة العنيفة والراديكالية للحزب اللبناني”.