كشفت مصادر مصرية واسعة الاطلاع عن وجود تحركات تجري سراً بين مسؤولين من دول عربية وخليجية، لوضع حد نهائي لمبادرة السلام العربية، التي رأت النور خلال قمة بيروت في عام 2002، وحددت نظرياً أسس العلاقات مع “إسرائيل”.

وأكدت في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أن مبادرة السلام بعد أن صعب على الدول العربية في الوقت الراهن الالتزام ببنودها، وخاصة بالجزأين المتعلقين بدعم القضية الفلسطينية والتطبيع العلني مع “إسرائيل”، بدأ التحرك يسير نحو إلغائها والبحث عن مبادرة بديلة تكون “أكثر ليونة”.

وأوضحت أن تحالفاً عربياً جديداً تقوده السعودية ويشارك فيه كل من مصر والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان، من أجل التوصل إلى اتفاق على صياغة نهائية لمبادرة سلام جديدة مع دولة الاحتلال، ستُطلق رسمياً في منتصف العام المقبل 2020.

المصادر المصرية أضافت أن بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، ورغم توقيعها على جميع بنود مبادرة السلام في قمة بيروت، تصفها الآن بأنها “معقدة”، وتطالب بقوة من أجل إلغائها وصياغة مبادرة جديدة وبتوافق عربي (لمن يرغب) تكون أكثر انفتاحاً ومرونة في المنطقة.

مبادرة تقرب من “إسرائيل”

وأشارت إلى أن الدول العربية المذكورة سابقاً تسعى من خلال المبادرة الجديدة للتقارب العلني مع دولة الاحتلال، وعدم صياغة أي بنود تكون عقبة أمام هذا التطبيع الجريء والعلني، حتى وإن كان ذلك القضية الفلسطينية، وما تتعرض له من مخاطر ومخططات لتصفيتها.

وتابعت حديثها لـ”الخليج أونلاين”: “المبادرة الجديدة ستكون أكثر انفتاحاً في العلاقات خاصة مع دولة الاحتلال، وستتماشى كذلك مع الجهود الأمريكية التي تجري لتكون إسرائيل حليفاً استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً وحتى سياسياً للدول العربية، والانفتاح عليها بشكل واسع، وكسر كل القيود التي وضعتها مبادرة بيروت 2002”.

الجدير ذكره أن جامعة الدول العربية في قمتها التي عقدت في بيروت عام 2002، اعتمدت مبادرة للسلام مع “تل أبيب”، تنص على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب “إسرائيل” من هضبة الجولان السورية المحتلة والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بدولة الاحتلال.

لكن، ووفق المصادر المصرية ذاتها فإن بعض هذه البنود لا يزال مُعلقاً، ومنها ما ألغي فعلياً نظراً لما يجري على أرض الواقع من لقاءات واتفاقيات سرية وعلنية تجري بين الدول العربية و”إسرائيل”، في ظل ما تعانيه القضية الفلسطينية من ويلات وأزمات بسبب الاحتلال.

وأشارت إلى أن المشاورات لصياغة مبادرة السلام العربية الجديدة بدأت رسمياً قبل أسابيع، وجرت العديد من اللقاءات في العواصم العربية لهذا الغرض، وختمت بالقول: “القرار العربي هو التقرب من إسرائيل على حساب الجميع، فأمنهم ومستقبلهم بات أكثر أهمية من فلسطين وقضيتها، وهذا ما تعلمه دولة الاحتلال جيداً”.

وبعد مرور 17 عاماً بات مصير  مبادرة السلام العربية الفشل، بعد أن طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الفلسطينيين “قبول السلام” أو الصمت.

فقد أدلى ولي العهد بملاحظاته هذه في اجتماعٍ عُقد في مارس 2018 في نيويورك مع المنظمات اليهودية الأمريكية. وتابع أن القضية الفلسطينية لم تعد أولويةً للمملكة بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة.

تعدٍّ على قضية فلسطين

بدورها أكدت خالدة جرار، القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالضفة الغربية المحتلة، أن الحديث عن تعديل أو إلغاء مبادرة السلام العربية يؤكد مدى فشل العرب في الوصول إلى حلول توافقية تنصف فلسطين وقضيتها.

وفي تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، قالت: “مبادرة السلام العربية ولدت ضعيفة، وفي بعض بنودها لم تنصف الفلسطينيين، وخاصة بقضية اللاجئين، وتراجع العرب حتى عما كان يرفضه الفلسطينيون، ومحاولة التعديل للتقرب أكثر من إسرائيل، يعد خطوة خطيرة ويعكس اللهث والهرولة خلف التطبيع”.

وأوضحت جرار أن الأطماع العربية في الوصول إلى “إسرائيل” تجاوزت القضية الفلسطينية، ومحاولات الدول العربية المطبع للالتفاف على المبادرات السابقة يعكس مدى  تركيز جهودهم في قضية التطبيع وليس إعادة الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.

وذكرت أن تعديل مبادرة السلام أو حتى إلغاءها سيكون له تأثير سلبي وكبير على القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تواجه فيها مخاطر “صفقة القرن” الأمريكية، وورشة البحرين الاقتصادية التي ستنطلق الثلاثاء ( 25 يونيو).

وقال ياكوف نايجل، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لصحيفة “التلغراف” البريطانية، إن السعودية مستعدة للتوقيع على أي اتفاقات سلامٍ إسرائيلية- فلسطينية مهما كانت غير مواتية للفلسطينيين.

يشار إلى أنه كان هناك الكثير من المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لتعديل أو إلغاء مبادرة السلام العربية، لكن دائماً ما كانت تُواجه برفض عربي قوي، إلا أن العلاقات التي شهدت تطورات مفاجئة في الشهور الأخيرة بين الدول العربية و”إسرائيل” قد تعجل في ذلك.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أعرب في أكثر من محفل سياسي عن أمله بموافقة العرب على إجراء مفاوضات لتعديل مبادرة السلام العربية، لكن الجانب الفلسطيني يرفض أي تعديل عليها.

ولم يحدد نتنياهو النقاط التي يريد تعديلها في مبادرة السلام مكتفياً بقوله: “نحن مستعدون لبدء مفاوضات مع الدول العربية لحلحلة هذه المبادرة بشكل يعكس التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة منذ عام 2002، ولكن عليها أن تحتفظ بالغاية المتفق عليها وهي دولتان للشعبين”.