بشكل مفاجئ بدأت الإمارات انسحاباً تدريجياً جاء بعد مخاوف من استهدافها ورفض شعبي يمني، إذ كشفت مصادر حكومية يمنية، عن بدء القوات الإماراتية انسحاباً جزئياً من محافظة مأرب شرقي اليمن، في حين حلّت مكانها قوات أخرى سعودية تابعة للتحالف الذي تقوده الرياض بالشراكة مع أبوظبي.

وتعتبر المواقع اليمنية التي انسحبت منها القوات الإماراتية ذات أهمية كبرى، لا سيما اقتصادياً، حيث تعد مراكز ثقل مهمة من ناحية الثروات والمواقع الاستراتيجية.

فمناطق مثل مأرب والحديدة وعدن والساحل الغربي لا يمكن اعتبارها سوى مراكز ثروة مهمة، لا بد أن اختيار الإمارات لها لتفرض وجودها العسكري فيها كان مدروساً.

وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال الأمريكية”: إن “الإمارات سحبت جزءاً كبيراً من قواتها المقاتلة في اليمن؛ خوفاً من رد فعل انتقامي قد يطولها في حال اندلعت

الحرب الأمريكية على إيران”.

وفي 28 يونيو الماضي، كشفت وكالة “رويترز” عن سحب الإمارات جزءاً من قواتها في اليمن، بسبب ارتفاع حدة التوتر بمنطقة الخليج بين إيران وأمريكا، ودخول الإمارات على الخط بعد استهداف 4 سفن في مينائها وإسقاط طائرة أمريكية مسيَّرة أقلعت من أراضيها.

وتنقل الوكالة عن دبلوماسيَّين اثنين قولهما: إن الإمارات “سحبت بعض القوات من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن”، وهما من أكثر المناطق التي توجد بها قوات إماراتية.

 

مواقع استراتيجية

محافظة مأرب، التي تعد آخر المناطق المعلن انسحاب القوات الإماراتية منها، من أهم المناطق الخصبة الصالحة للزراعة باليمن، وتحتل المرتبة الثالثة من بين محافظات البلاد في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة (7.6%) من إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية بعد محافظتي الحديدة وصنعاء.

وفي هذه المدينة أيضاً بعض المعادن، من أهمها الغرانيت، والأسكوريا، والملح الصخري، والجبس، والرخام والتلك، بالإضافة إلى أنها مدينة غنية بالنفط، فضلاً عن أنها مدينة سياحية بها آثار مهمة، ومن أهم معالمها سد مأرب القديم، ومعبد الشمس ومحرم بلقيس، وأهم مدنها صرواح وحريب.

أما مدينة عدن، فهي تعد البوابة الاقتصادية لليمن، وتعرف بأنها العمود الفقري للاقتصاد في البلاد.

وتتمتع عدن بموقع استراتيجي منحها أهمية كبرى على مر العصور، وتوجد فيها كبرى مصافي النفط في البلاد.

بدوره يتمتع الشريط الساحلي الغربي المطل على البحر الأحمر بأهمية بالغة؛ نظراً إلى اشتماله على موانئ ومنافذ بحرية عدة ابتداء من ميدي وحتى باب المندب، المضيق البحري الذي يمثل أهمية جيواستراتيجية كأهم المنافذ العالمية؛ حيث يمر منه يومياً 3 ملايين برميل نفطي.

ويعرف الساحل الغربي لليمن باسم “تهامة”، ويبلغ طوله نحو 440 كم، ويتوزع في ثلاث محافظات (تعز، والحديدة، وحجة)، وفضلاً عن أنه يشرف على الممر الدولي بباب المندب، وتقع على امتداده عشرات الجزر اليمنية، أربع منها من أهم الجزر، بالإضافة إلى أنه من أهم نقاط الاتصال مع القرن الأفريقي، ويقصده كثير من المهاجرين الأفارقة.

أما محافظة الحديدة، التي تقع على بُعد 226 كم، غربي العاصمة صنعاء، فلها أهمية بالغة.

وتعد الحديدة ثاني كبرى المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، وترتبط المحافظة بأكثر من 250 كم مع الساحل، من خلال تسع مديريات متفاوتة في مساحتها، إضافة إلى جزيرة كمران التي تعتبر من أهم جزر البحر الأحمر.

تلك المناطق المهمة كان للإمارات نفوذ عسكري فيها، وبانسحابها منها فإنها تؤكد تلقيها خسارة كبيرة.

 

الوجود العسكري الإماراتي في اليمن

وفقاً لورقة بحثية أصدرها مؤخراً مركز “إيماسك” للدراسات، تمتلك الإمارات 3 أنواع من القوات في اليمن: النوع الأول قوامه 1500 جندي وضابط من الجيش الإماراتي يؤدون غالباً مهام تدريبية.

أما القوة الثانية فتتشكل من مجندين يمنيين يتلقون التدريب والتمويل والتسليح والأوامر أيضاً من الإمارات، ولا يخضعون لإشراف قيادة الجيش اليمني.

والقوة الثالثة تتكوّن من مجندين من المرتزقة الدوليين بعدد تقريبي (1800 مجند/مرتزق) من كولومبيا وبنما وسلفادور وتشيلي وإرتريا، ويتبعون هيكلياً لقوة حرس الرئاسة الإماراتية.

وذكرت دورية “إنتليجينس” الاستخباراتية، في يونيو 2018، أن “الإمارات استأجرت ضباطاً أمريكيين سابقين حاربوا في العراق وأفغانستان، لتحسين أداء قواتها باليمن”.

 

اليمنيون يرفضون الوجود الإماراتي

المطالبة بطرد دولة الإمارات من التحالف، بسبب استمرارها في دعم المليشيا الانفصالية، ومحاولتها السيطرة على المناطق الجنوبية باليمن، كانت من بين ما شهده الشارع اليمني من أحداث، في الشهور الأخيرة خاصة.

ومؤخراً أطلق ناشطون في اليمن حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل وسم “#طرد_الإمارات_مطلب_شعبي”، لمطالبة رئيس البلاد عبد ربه منصور هادي بتحقيق هذا الأمر.

وسبق أن اعترف وزير الخارجية المستقيل خالد اليماني، مطلع أبريل الماضي، بوجود “خلل” بين بلاده والتحالف بقيادة السعودية، قائلاً إن الحكومة “الشرعية” لم تستطع إقامة شراكة حقيقية مع التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وأواخر فبراير الماضي، دعا نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، إلى “تصويب” العلاقة مع التحالف، وقال إن خللاً يشوبها، مشيراً إلى أن جهات تنازع سلطات وزارته بالتحكم في الملف الأمني بعدن.

فضلاً عن هذا، وُجِّهت اتهامات إلى الإمارات بالتسبب في منع عودة الرئيس اليمني إلى بلاده، إضافة إلى محاولتها المستمرة السيطرة على جزيرة سقطرى، والتي فجَّرت أزمة كبيرة بين الحكومة اليمنية وأبوظبي منتصف العام الماضي.

 

خسائر كبيرة

خسرت الإمارات في تدخلاتها العسكرية خارج حدودها، منذ عام 2015 وحتى يونيو 2018، قرابة 111 فرداً من قواتها العسكرية، أغلبهم في اليمن، فضلاً عن الخسائر المالية.

وكانت أكبر ضربة تلقتها الإمارات، بمقتل 48 في هجوم واحد بمأرب (45 قُتلوا في يوم الهجوم نفسه 4 سبتمبر 2015، و3 توفوا في أكتوبر متأثرين بجراحهم).

بالإضافة إلى هذا، يهدد الحوثيون مراراً باستهداف العمق الإماراتي؛ حيث بث الحوثيون، في مايو 2019، مقطع فيديو قالوا إنه يرصد استهدافهم منشآت في مطار أبوظبي الدولي عام 2018 بطائرة مسيَّرة، في حين نفت الإمارات تعرض المطار لأي هجوم، وقالت إن الحادث تسببت فيه مركبة إمدادات