بات واضحاً أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وُضعت في موقف حرج بمنطقة الخليج العربي، بعد أن حشدت قوتها العسكرية بمضيق هرمز لمواجهة إيران وإجبارها على توقيع اتفاق نووي جديد، بعد الانسحاب من الاتفاق الموقَّع في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

فالولايات المتحدة عاجزة عن خوض حرب مع إيران، لحسابات سياسية معقدة، رغم تصعيد طهران وتيرة التحدي عكس ما كان متوقعاً، وتجسد ذلك بإسقاط طائرة تجسس أمريكية قالت إنها انتهكت أجواءها، في حين انعكس عجز الإدارة الأمريكية عن الرد، من خلال تراجع ترامب عن توجيه ضربة انتقامية، قبيل ساعة الصفر بقليل.

الحرب الخاطفة

ويرى مراقبون أن القلق أصبح واضحاً في سلوك الرئيس الأمريكي وتصريحاته منذ اندلاع الأزمة، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2020، والتي يأمل أن يفوز فيها بولاية ثانية، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بانفراجة تحقق الأهداف المعلنة للحملة العسكرية.

وفي هذا السياق وتهدئةً لمخاوف أنصاره والجمهور الأمريكي من خوض بلادهم حرباً جديدة في الشرق الأوسط لا تحمد عواقبها وتداعياتها الاقتصادية، تحدَّث ترامب الأربعاء (26 يونيو الماضي) عن احتمال اندلاع حرب مع طهران، لا يتوقع “أن تطول كثيراً”.

وقال بهذا الخصوص: “نحن في وضع قوي للغاية ولن تطول الحرب كثيراً”، مضيفاً: “لا أتحدث هنا عن إرسال جنود على الأرض”.

تصريح الرئيس الأمريكي باحتمال نشوب حرب خاطفة دون استخدام القوات البرية، جاء لتهدئة المخاوف المتنامية في المؤسسات والشارع الأمريكي من مغامرة قد تأخذ البلاد إلى حرب جديدة بالشرق الأوسط بعد حربي العراق وأفغانستان، اللتين لا تزال تأثيراتهما قائمة، بحسب ما أوضحه عمر عبد الرحمن الهلالي، الصحفي العراقي المقيم في ولاية كاليفورنيا.

الهلالي قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “المتتبع لوسائل الإعلام الأمريكية يرصد بكل وضوح، حالة القلق والخوف من خوض حرب مع إيران، فالمؤسسات الأمريكية وعلى رأسها الكونغرس، دأبت على التصريح بأن الولايات المتحدة لا مصلحة لها في خوض حرب بالشرق الأوسط في هذه المرحلة، وهذا الأمر لم يقتصر على الديمقراطيين، بل شمل الجمهوريين والمستقلين”.

وأضاف: “كثيرون في الكونغرس يشعرون بالقلق من ضغوط المحيطين بترامب وإمكانية دفعه إلى الحرب، لذلك سعى السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز لإضافة تعديل على تشريع عسكري، ينص على أن قانون التفويض بالقوة العسكرية لا ينطبق على إيران، كما يهدد بقطع التمويل عن أي نشاط عسكري يجري ضد إيران، دون موافقة الكونغرس”. 

الهلالي أعرب عن اعتقاده أن “ترامب حاول تطمين الشارع الأمريكي بأن الحرب لن تكون طويلة أو مكلفة، موحياً بأنها ستكون على غرار توجيه ضربات موضعية مركّزة باستخدام القاذفات العملاقة والبوارج الراسية في البحار”، مشيراً إلى أن “هناك شبه إجماع بين المحللين بوسائل الإعلام، على أن هذا الخيار لن يكون سهل المنال، وأن إعلان الحرب قد يؤدي إلى مفاجآت غير متوقعة”.

وفي هذا الاتجاه، حذَّر المرشح الرئاسي الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز من أن أي حرب على إيران ستكون أسوأ بكثير من حرب العراق.

وقال في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: إن “القادة العسكريين وخبراء الأمن حذروا مراراً وتكراراً من أن إيران بإمكانها، في حال تعرضت لهجوم أمريكي، استخدام وكلائها للرد على القوات الأمريكية وحلفائها في العراق وسوريا وإسرائيل ومنطقة الخليج”.

وأضاف: إن “الولايات المتحدة كانت -وما زالت- في حالة حرب منذ زمن طويل، حتى إنها اليوم تبدو في طور الاستعداد لخوض حرب جديدة مع إيران هذه المرة، حرب قد تكون الأسوأ حتى الآن”.

في حين يرى المرشح الرئاسي الأمريكي أن “النتيجة التي ستنجم عن ذلك ستكون تعميقاً لحالة زعزعة الاستقرار التي لا يمكن تصوُّر عواقبها بالشرق الأوسط، علاوة على حروب قد تستمر سنوات، مكلِّفة على الأرجح تريليونات الدولارات”.

ساندرز اعتبر أن “الإدارة الأمريكية ينبغي أن تتراجع خطوة إلى الوراء، وأن تعيد التفكير فيما تفعله سواء في إيران أو بالشرق الأوسط بشكلٍ عام، فقد ارتكبت الولايات المتحدة، خلال ما يقرب من عقدين من هجمات 11 سبتمبر، سلسلةً من الأخطاء الفادحة التي لم تضعف ديمقراطيتها فحسب، بل زعزعت صورتها القيادية للعالم”.

وهْم الحرب السريعة

الرد الإيراني على تصريحات ترامب جاء سريعاً، على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إذ حذَّر الرئيسَ الأمريكي من الوقوع فيما وصفه بـ”وهْم الحرب القصيرة”.

وغرَّد ظريف على حسابه بموقع “تويتر”، قائلاً: إن “تصوُّر ترامب أن أي صراع قد ينشب مع إيران سيكون حرباً قصيرة مجرد وهْم، وإن توعُّده بمحو الجمهورية الإسلامية يصل إلى حد التهديد بالإبادة”.

ويرى باحثون أن التعويل على حرب قصيرة تستهدف إيران أمر غير مدروس بدقة وعناية، وهو ما أكده تيد جالين كاربنتر، زميل أقدم في الدراسات الأمنية بمعهد كاتو، في مقال له بصحيفة “ناشيونال إنترست”، دعا فيه إلى عدم استعجال الحرب على إيران، مؤكداً أن هذه الحرب لن تكون سهلة.

وأضاف في المقال الذي ترجمه “الخليج أونلاين”: “إذا استخدمت الولايات المتحدة القوة ضد إيران، فلن تضع قواتها على الأرض، لكنها ستشن حرباً من خلال القوة الجوية والبحرية الضخمة، ولم يكن هناك شك بذهن ترامب في نتيجة مثل هذا العمل العسكري، حيث أكد أن مثل هذه الحرب لن تدوم طويلاً، وأن ذلك يعني محو إيران”.

ولكن التاريخ، كما يقول الباحث الأمريكي، “مليء بأمثلة للحروب التي اعتقد القادة السياسيون وعامة الناس خطأً أنها ستكون سريعة وسهلة”.

كاربنتر استشهد بحرب مواجهة انفصال الولايات الجنوبية بالقوة، وأشار إلى أن “أبراهام لينكولن (رئيس أمريكا ما بين عامي 1861 و1865)، حين اختار مواجهة الانفصال بالقوة، كان طلبه الأوَّلي للقوات هو مجرد حرب تمتد 90 يوماً، وكان الناس في العاصمة واشنطن واثقين تماماً بأن الجيش الاتحادي سيسحق المتمردين المبتدئين، لكن تلك الحرب استمرت أربع سنوات، ومات فيها أكثر من 500 ألف جندي أمريكي”.

حرب استنزاف

عبد السلام الراوي، المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني في مركز آفاق للدراسات، يرى أن إيران قادرة على أخذ أمريكا والمنطقة إلى حرب استنزاف قد يطول أمدها سنوات.

وقال الراوي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “إذا كانت قوة الولايات المتحدة كامنة بقدراتها العسكرية الهائلة والتكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها، فإن قوة إيران تكمن في قدرتها على إشعال الحرائق بالمنطقة من خلال أذرعها الممتدة من بغداد إلى صنعاء”.

وتابع: إن “القدرة المفاجئة التي ظهرت بها قوات الحوثي في اليمن مؤخراً، وتصويبها ضربات نوعية مؤلمة للعمق السعودي، رسائل إيرانية قصيرة لما يمكن أن تفعله في حال اضطرارها إلى المواجهة العسكرية”.

وأضاف الراوي: “التسريبات الأمريكية بخصوص استهداف المنشآت النفطية السعودية انطلاقاً من العراق، مؤشر ثانٍ على الأوراق التي يمكن أن تستخدمها إيران”.

واستدرك المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني حديثه بالقول: “إذا كانت المجاميع المسلحة في العراق واليمن تمتلك من الأدوات ما يؤهلها لمثل هذه المواجهة، فماذا يمكن أن يكون بحوزة حزب الله في لبنان؟”.

وأشار إلى أن “وقف ترامب الضربة الانتقامية ضد إيران مؤخراً جاء بناء على هذه الحسابات”، مؤكداً أن “استهداف طهران لن يكون نزهة، خصوصاً إذا ما اضطرت إيران إلى التعامل بسياسة حافة الهاوية في حال إجبارها على مواجهة لا تريدها حالياً”.

يشار إلى أن التوتر تصاعد بين إيران وواشنطن إثر انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الذي أُبرم بفيينا، في 14 يوليو 2015، بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا، والذي وضع حداً لـ12 عاماً من أزمة دولية اندلعت بسبب البرنامج النووي لطهران.

وبموجب الاتفاق، تعهدت إيران بعدم السعي لحيازة القنبلة النووية أبداً، وقبلت بفرض قيود مشددة على برنامجها النووي، مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية التي خنقت اقتصادها، كما وافقت على الخضوع لتفتيش غير مسبوق تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكن ترامب أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق في 8 مايو 2018، واصفاً إياه بالاتفاق الكارثي المعيب، لأنه غير دائم ولا يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية، أو دورها في صراعات الشرق الأوسط، وفرضت عقوبات اقتصادية على إيران، وأعقب ذلك بحشد كبير للقوات الأمريكية في الخليج العربي ومضيق هرمز، وهو ما أثار مخاوف عالمية من احتمال نشوب نزاع في المنطقة.