التقرير الذي رفعه السفير البريطاني في واشنطن كيم داروك، إلى حكومته، عن الرئيس دونالد ترامب، فتح تسريبه مشكلة بين البلدين.

رد البيت الأبيض بلغة حادة على السفير وتسخيفه لرئيسة الحكومة تيريزا ماي، ثم دخول وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت للدفاع عن سفيره، نقلت الجدل إلى مستوى غير مسبوق من التنافر والتحدي المتبادل وبما يهدد بتحويل عمل دبلوماسي روتيني إلى مشروع أزمة سياسية بين الحليفين الأكثر قرباً في الكتلة الغربية.

واللافت أنّ السفير وجد في واشنطن من المتعاطفين والمؤيدين ما يوازي الدعم الذي حظي به من جانب حكومته، وربما أكثر.

الاعتقاد السائد في صفوف المراقبين، أنّ ما قاله السفير عن ترامب يندرج في “إطار وظيفته كدبلوماسي”، يقوم بمهمته في نقل الصورة عن وضع البلد الذي يعمل فيه “وبما يعني حكومته” في تعاملها معه.

ومثل هذا الأمر عادي “ويقوم به سفراؤنا في عواصم العالم”، كما قال جون برينن مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” السابق. وكلام السفير البريطاني عن ترامب بأنّه “أحمق وغير كفوء” لا يشكل خروجاً عن وظيفته هذه. خاصة “أنّ مثل هذا التوصيف معروف ومتداول عندنا في واشنطن”.

وبالتالي كانت المسألة انتهت عند هذا الحد من غير أن تحتل العناوين، لو تجاهلها ترامب وتعاطى معها من هذا المنظار.

لكن ترامب لا يرى الأمور بهذه العدسة. ولأنّه اعتاد على رد الصاع صاعين، سارع إلى إعلان “وقف التعامل مع هذا السفير الأحمق والغبي”. ثم أوعز بسحب دعوة هذا الأخير إلى حفل العشاء الذي أقامه وزير المالية ستيف منوتشين، مساء الثلاثاء، على شرف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وحضره ترامب. كما ألغت ابنته إيفانكا لقاءها، أمس، مع وزير التنمية الدولية البريطاني ليام فوكس.

بيد أنّ الرد بهذه السرعة والحدة، أثار الإرباك والتحفظ لدى أكثر من جهة رسمية. الناطقة الرسمية في وزارة الخارجية الأميركية، أكدت وبعد ساعات من كلام ترامب، استمرار الوزارة في التعاطي مع السفراء المعتمدين “ولغاية أن تأتينا تعليمات مغايرة من البيت الأبيض”.

من جهتها، التزمت قيادات الكونغرس الصمت الذي بدا بمثابة دعوة للتروي؛ لا أدانت تقرير السفير، وبما يعكس تفهمها لمهمته، ولا أيّدت خطوة البيت الأبيض بمقاطعته.

وازدادت المخاوف من نشوب أزمة فعلية بعد رد هنت وتأكيده على إبقاء السفير في منصبه، لو فاز بخلافة ماي. والاعتقاد أنّه تعمّد التشدد لتحسين فرصة اختياره لمنصب رئاسة الحكومة، على اعتبار أن مواجهة ترامب غير المحبوب في بريطانيا قد ترفع من رصيده في لحظة تحدٍّ وطني من هذا النوع.

لكن مصير السفير مرهون بالنهاية، بموقف البيت الأبيض منه. فإذا استمر التعامل معه “كشخص غير مرغوب به” في واشنطن وسد الأبواب الحكومية في وجهه، عندئذ لا فرار من تغييره. ولا يستبعد البعض من تصعيد المشكلة لو فاز هنت برئاسة الحكومة وأصر على نبرة خطابه تجاه الرئيس ترامب، سواء أَبقي السفير أم جرى تغييره بالاضطرار.

 

العلاقات الأميركية البريطانية كانت الأقوى خلال الثمانين سنة الماضية، وبما أعطاها خصوصية نادرة. لم تعرف الهزات منذ حوالي مائة سنة. في عشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن الماضي، مرت بحالة من ضعف الثقة بنوايا الولايات المتحدة الأميركية وبمدى الركون إليها. وازدادت الريبة بعد انسحاب واشنطن من عصبة الأمم المتحدة عام 1933.

ثمة شيء من هذا القبيل مسؤول عن التوتر الحالي الأبعد في أسبابه من التقرير والرد عليه. تنافر ترامب مع الأوروبيين ومنهم بريطانيا، منذ البداية، وعلامات الاستفهام التي أثارها حول مصير حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ثم رفعه لرسوم استيراد الألمنيوم والحديد من أوروبا بنسبة 25%، ومحاولة تدخله في الشأن الأوروبي، وموقفه السلبي من الاتحاد الأوروبي، وتحريضه لانفصال بريطانيا عنه، جميعها أدت إلى تراكم الظنون والتشكيك في النوايا وبما أدى إلى انفجار العلاقة مع الحليف الأهم عند أول اختبار بسيط. 

مؤشر ينبئ بالمزيد من تردي العلاقات لو جدد الرئيس ولايته، وتعذرت مساعي ترميم العلاقات مع القارة القديمة عموماً.