في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، اختار أعضاء البرلمان الجزائري الإسلاميَّ المعارضَ والقيادي في “حركة البناء الوطني” المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، سليمان شنين، رئيساً لهذه الغرفة التشريعية خلفاً للمستقيل معاذ بوشارب، ما طرح العديد من التساؤلات بشأن هذه الخطوة؛ دلالاتها، وأبعادها.

فبعد أن كان منتظراً أن يُصوَّت لأمين عام “حزب جبهة التحرير الوطني”، حزب الأغلبية النيابية، محمد جميعي، كرئيس جديد للبرلمان خلفاً لبوشارب، أحد الباءات الثلاثة التي طالب الحراك الجزائري الأخير برحيله من الحكم، أعلن تكتل “الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء”، وهو تكتل يجمع ثلاثة أحزاب إسلامية؛ هي: “البناء، وحركة النهضة، وجبهة العدالة”، قبل ساعات فقط من جلسة الانتخاب، عن مرشحه سليمان شنين.

ورغم أن حظوظ شنين في البداية كانت منعدمة لعدة اعتبارات؛ أبرزها دخول أسماء ممثلة لأحزاب الموالاة، وبشكل خاص حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، كما أن التيار الإسلامي لا يمتلك أغلبية نيابية ترجح الكفة لصالحها، غير أن إعلان التجمع الوطني الديمقراطي تزكية شنين، ثم إعلان جبهة التحرير بعد ذلك بساعات تزكية الرجل، أوضحت أن الطريق باتت معبدة لأول معارض إسلامي لكي يصبح الرجل الثالث في الدولة الجزائرية، ويترأس أعلى مؤسسة تشريعية في البلاد.

وشنين من مواليد ديسمبر 1965، من محافظة ورقلة جنوب الجزائر، إعلامي وكاتب صحفي اشتغل مع العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، ويعدُّ عضواً مؤسساً لحركة المجتمع الإسلامي سابقاً، التي ترأسها الشيخ محفوظ نحناح، وكان مرافقاً له كمستشار إعلامي وسياسي.

بعد الانشقاق الذي شهدته حركة مجتمع السلم كان شنين ضمن الفريق الذي اتجه إلى تأسيس حزب جديد حمل اسم “حركة البناء الوطني”، وذلك في 22 مارس 2013، وأصبح عضواً بمكتبها الوطني ورئيس مجلسها السياسي، ويضم الحزب العديد من رفقاء الراحل محفوظ نحناح، وتُعد “البناء” أحد أكبر الأحزاب قرباً من جماعة الإخوان المسلمين من الناحية التنظيمية والفكرية.

تغيير أم تدوير؟

وبسبب مسار الرجل سياسياً وفكرياً، فقد طرحت تزكيته كرئيس للبرلمان عدة تساؤلات وعلامات استفهام، ورغم أن تصريحات مختلفة لرؤساء الكتل النيابية أكدت أن هذه التزكية جاءت تماشياً مع مطالب الحراك بضرورة رحيل رموز النظام، وتعيين شخصيات نزيهة وغير فاسدة في مراكز القرار، فإن هذا التبرير لم يقنع كثيرين، خاصة أن قرار التزكية وحتى الترشيح اتُّخذ قبل ساعات قليلة فقط من ساعة الحسم.

تعيين الرجل كان محل متابعة واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها المساحة التي يعبر من خلالها نشطاء الحراك عن موافقهم بخصوص مستجدات المشهد السياسي في البلاد.

وفي السياق تساءل الأستاذ الجامعي حسين دوحاجي بقوله: “الذين يقولون إن سليمان شنين ليس ابن الحراك، ألم يكن ينادي في الحراك مع الحراكيين ويطالب برحيل الباءات الثلاثة؟ والآن بحكم منصبه كرئيس للبرلمان أليس مجبراً على التعاطي والتعامل مع هذه الباءات التي ظل ينادي بسقوطها ورحيلها؟”.

وبالنسبة للناشط جعفر خلوفي، فإن “ما حدث في البرلمان، يوم الأربعاء 10 يوليو، سيبين بوضوح من يعمل على تغيير الأشخاص والحفاظ على نفس آليات النظام ومن يريد تغيير آلية الوصول إلى المنصب، من يقبل بالتعيينات الفوقية في الهيئة التشريعية يمكنه أن يقبل بتعيين رئيس في حال ساعده الاسم، وهنا يكمن الفرق بين دعاة التدوير ودعاة التغيير”.

وتستحضر رئاسة شنين للبرلمان الجزائري سياسة المشاركة التي انتهجتها الأحزاب الإسلامية خلال مختلف المحطات السياسية السابقة مع النظام، حيث كانت ممثلة في الحكومة، كما دخلت في تحالفات مع النظام تحت مسمى “التحالف الرئاسي”، وهو ما كان سبباً في انتقادات واسعة، بل سبباً في حدوث الانقسامات داخل هذه الأسرة السياسية.

مرحلة تقارب

ويخشى البعض على الإسلاميين في الجزائر من أن يكرروا النموذج المصري، حيث يلجأ إليهم النظام من أجل امتصاص غضب الشارع، على أن يتبرأ منهم في أقرب فرصة تتاح.

المحلل السياسي محمد بابوش، وفي قراءته لتزكية شنين، يرى أن “أحزاب الموالاة بتزكيتها لنائب من المعارضة تسجل هدفاً لصالحها قد يمكّنها من الدخول في مرحلة تقارب مع بعض أحزاب المعارضة، ما سيسمح لها بالانخراط في مسعى الحوار الذي دعا له المشاركون في ندوة 6 يوليو الماضي”.

وبحسب رأيه فإن “تزكية شنين مؤشر على أنّ أحزاب السلطة، وبالتحديد جبهة التحرير الوطني، مقبلة على مرحلة جديدة، ولن تكون لها الغلبة المفبركة كما كانت في عهد الرئيس المخلوع”.

واللافت في جلسة التزكية عدم مشاركة نواب حركة مجتمع السلم، أحد الأحزاب الإسلامية الفاعلة، ما أثار عدة تساؤلات.

وبحسب حديث باشوش لـ”الخليج أونلاين” فإن “عدم تزكيتها لشنين سببه أنّها فهمت رسالة السلطة لـ”حمس” جيداً؛ ومفادها أن الخريطة الحزبية ستتغير، ومن ضمنها أحزاب المعارضة، التي كانت تعتبر نفسها القوة المعارضة الأولى، وفيها دلالة على أن السلطة الفعلية الحالية لا تراعي مخرجات الانتخابات البرلمانية السابقة، بما يفهم أن تلك النتائج كانت مفبركة، وأن المرحلة الجديدة ستبنى على قواعد جديدة”.

وعلى عكس ما سبق، يجزم القيادي في حركة البناء، أحمد محمود خونا، أن “نجاح سليمان شنين برئاسة البرلمان إنما هو نجاح لثقافة المشاركة السياسية في الجزائر”.

شخصية متزنة

بالمقابل يؤكد النائب والقيادي في “جبهة العدالة والتنمية”، حسن عريبي، أن “تعيين شنين على رأس البرلمان لا علاقة له بأي صفقة بين التيار الإسلامي والنظام”، ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن تعيينه جاء نظراً لشخصيته المتزنة.

ويتابع عريبي حديثه قائلاً: “خطوة تعيين شنين جاءت في وقتها؛ لأن رئاسة البرلمان تتطلب أن يكون شخصية متزنة وعارفة للمرحلة، وسليمان من الرجال السياسيين المحنكين لهذه المرحلة، ولا يوجد أي تحالف بين السلطة والإسلاميين، ودليل ذلك أن حركة حمس التي ترعرع فيها سليمان، وكان مرافقاً للشيخ نحناح، قاطعت الجلسة ولم تصوت عليه”.

وعن رده على سؤال كيف سيتعامل مع رئيس الدولة والوزير الأول وهما الشخصيتان اللتان كان يطالب برحيلهما قبل أسبوع، أكد عريبي أن “أصحاب القرار الذين ساهموا في تنصيبه يدركون المرحلة جيداً، ويعرفون أنه سيكون إضافة وليس معول هدم، وسيتعاون مع كل مؤسسات الدولة القائمة، ومن ضمنها الرئاسة والجيش والحكومة وكل مؤسسات الدولة”.

وعن خشية البعض استغلال الإسلاميين ومحاكاة النموذج المصري، يرى عريبي أن “التجربة المصرية لا يمكن أن تتكرر في الجزائر؛ فالإسلاميون في مصر جاءت بهم الانتخابات وتعرضوا للانقلابات، في حين أن ما يحدث في الجزائر هو أن أصحاب القرار اتفقوا على شنين بحكم شخصيته وكفاءته”.

وتشهد الجزائر، منذ 22 فبراير، مسيرات شعبية وُصفت بالمليونية، ضد استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم ورموز نظامه الذي أسسه منذ 20 سنة، حتى أجبرته على الاستقالة من منصبه، وتعيين عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للبلاد.