قال فالي نصر، الباحث في كلية الدراسات المتقدمة بجامعة “جون هوبكينز”، إن استراتيجية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد إيران تساعد الصين لتصبح قوة أكبر في المنطقة، خاصة أن إجبار الهند على الخروج من إيران سيمنح بكين الفرصة للتوسع والتغلغل.

وتابع في مقال على موقع “ذا هيل” الأمريكي، أن إدارة ترامب تميل للنظر إلى إيران ليس على كونها مشكلة شرق أوسطية، وإنما كونها عدواً إقليمياً له طموحات نووية تهدد إسرائيل وحلفاء أمريكا العرب، وهذا خطأ؛ فإيران تقع في الجزء الهام في الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، والطرق التجارية الحيوية التي تمر عبر القارة الآسيوية.

حالياً، وعلى الرغم من أن دونالد ترامب لا يبدو أنه يرى ذلك، فإن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران تنتعش في جميع أنحاء العالم، وتساعد الصين على وجه الخصوص؛ جزئياً من خلال إلحاق الضرر بحليف الولايات المتحدة القوي، الهند.

لقد كانت إيران، كما يرى الكاتب، أولوية السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية التي انسحبت أولاً من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى، ويريد ترامب الآن أن تأتي إيران إلى طاولة المفاوضات الجديدة سعياً لاتفاق أكثر صرامة.

وربما يكون مستشارو ترامب يهدفون إلى المزيد؛ وهو تغيير النظام في طهران، من خلال اختيارهم أقصى الضغوط الاقتصادية؛ وهي تشديد دائم للعقوبات التي ستؤدي إلى عزل إيران عن الاقتصاد العالمي.

لكن إيران رفضت حتى الآن التزحزح عن موقفها، واستجابت للتوترات المتصاعدة في الخليج العربي، وتهدد باستئناف النشاط النووي الشامل.

وقال الكاتب: إن احتواء “الصين يمثل أولوية أخرى للسياسة الخارجية الأمريكية، فلقد شن ترامب هجوماً مباشراً على التجارة الصينية، لكن لكي يدرك هدفه الأسمى المتمثل في حرمان الصين من وضعها كقوة عظمى سيتعين على ترامب أن ينظر إلى ما هو أبعد من التعرفات الجمركية حتى يتنافس مع النفوذ المتزايد للصين في آسيا وأفريقيا”.

وتعوق استراتيجية إدارة ترامب لإيران خططها الموجهة للصين، والتي طالما اعتبرت إيران جائزة اقتصادية لها، ولقد جعلت أمريكا الآن من السهل على بكين أن تطالب بها، حيث تستعد للتجارة والاستثمار في الطاقة والبنية التحتية لملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأوروبي، وببطء سوف ينمو النفوذ الاقتصادي الصيني، ربما بما فيه الكفاية لدعم الاقتصاد الإيراني وهو يكافح تحت ضغط ترامب، ما يعني أن فوائد هذه العلاقة المزدهرة ستعمل في كلا الاتجاهين.

وفي أبريل الماضي، أبلغت إدارة ترامب الهند بأنها لم تعد تتمتع بإعفاء من العقوبات الأمريكية على إيران، ومن ثم لا يمكنها شراء النفط الإيراني، وعليها أن تتخلى عن استثماراتها الكبيرة في ميناء تشابهار الإيراني على خليج عمان، والذي يسمح للهند بالتحايل على باكستان للتجارة مع أفغانستان وآسيا الوسطى.

ووحدها الهند قادرة على أن تكون بمنزلة ثقل موازٍ للصين في القارة، وذلك بفضل عدد سكانها الكبير والإمكانات الاقتصادية وهيمنتها على المحيط الهندي والممرات المائية المترابطة التي تمتد من مضيق ملقا في الشرق إلى القرن الأفريقي في الغرب.

وتقع الهند في خضم طريق الحرير الجديد الطموح -ما يسمى بمبادرة الحزام- والذي سيجلب الكثير من آسيا وأفريقيا إلى المدار الاقتصادي الذي تتربع عليه الصين.

ويرى الكاتب أنه بالنسبة للهند تبدأ المنافسة مع الصين في غرب آسيا، حيث طالما نظرت الهند إلى علاقات الصين مع باكستان بقلق، وهي العلاقات التي تعمقت خلال العقد الماضي مع تعهد الصين لباكستان بتطوير البنية التحتية بقيمة 60 مليار دولار.

وتقابل الهند استثمارات الصين في ميناء جوادار الباكستاني على ساحل مكران في بحر العرب باستثماراتها الخاصة في ميناء تشابهار الإيراني، على بعد نحو 85 ميلاً إلى الغرب، فلقد دفعت الهند مليارات الدولارات لتطوير ميناء تشابهار، وكذلك من أجل التطورات الصناعية من حوله، والسكك الحديدية والطرق التي تربطه بأفغانستان وآسيا الوسطى.

وبحسب الكاتب، فإن إجبار الهند على الخروج من إيران سيمنح الصين قوة أكبر في المنطقة، فمع خروجها من تشابهار ستصبح جوادر الطريق الوحيد للوصول إلى بحر العرب وتجارة المحيط الهندي في أفغانستان ووسط آسيا.

ويختم الكاتب بالقول: إنه “على المدى الطويل تشكل الصين، وليس إيران، التحدي الأكبر للولايات المتحدة في آسيا والعالم”، ومن ثم يتعين على واشنطن أن “تضع سياستها تجاه إيران في سياق أهدافها الاستراتيجية الأوسع، وهذا يتطلب تعزيزاً، وليس إعاقة لقدرة الهند على أن تكون بمنزلة موازنة للصين”.