في ظل تمسك أنقرة بموقفها من قتل الصحفيّ السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم الثاني من أكتوبر الماضي، وإصرارها على كشف المسؤول الأول عن تنفيذ الجريمة، ارتفعت وتيرة ردات الفعل السعودية لمحاولة مواجهة هذا الإصرار التركي؛ لذلك قادت السعودية حملة تشويه للسياحة التركية.

وطالبت الحملة السعوديين بمقاطعة المنتجات التركية، وعدم السفر إلى تركيا، في ظل الأزمة القائمة بين البلدين، ومحاولة الضغط على تركيا اقتصادياً.

هذا الأمر أيضاً دفع الصحف السعودية إلى إفراد صفحاتها الأولى بعناوين تتحدث عن تأثير مقاطعة السعوديين للسياحة التركية في زعزعة أركان الاقتصاد التركي؛ فعلى سبيل المثال كانت هذه العناوين لصحيفة عكاظ السعودية وغيرها “تركيا تصيح.. السعوديون قاطعونا”، “السعوديون يُلقّنون أردوغان درساً، وأنقرة تعترف”.

كما انضمت العديد من الصحف العالمية إلى هذه الحملة في عناوينها الرئيسة، اليوم الجمعة (12 يوليو الحالي)، حيث نشرت صحيفة “مونت كارلو” الفرنسية في صفحتها الأولى تقريراً بعنوان” مقاطعة السياح والمستثمرين السعوديين لتركيا ومنتوجاتها سلاح مدمر للاقتصاد التركي”، ضُخِّم من خلاله حجم تأثير السعوديين على القطاع السياحي التركي في حال أقدموا على مقاطعة السياحة والسفر إلى تركيا.

ومعظم هذه التقارير ربطت الانخفاض المحدود في عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا هذا العام بتدهور مؤشرات الاقتصاد التركي، وبسياسة الحكومة التركية تجاه السعودية، متغافلةً عن الأرقام المتزايدة للسياح العرب من الدول الأخرى خلال الفترة نفسها، ومتناسية حالة الانكماش والتدهور التي يعاني منها الاقتصاد السعودي (في ظل تبني الحكومة سياسات تقشفية) بعد انخفاض أسعار النفط.

وبعيداً عن التجاذبات السياسة، واستناداً إلى الأرقام والاحصائيات الرسمية، هل لدى السعودية أدوات اقتصادية مباشرة تشكل خطراً على الاقتصاد التركي؟

“الخليج أونلاين” رصد أبرز المؤشرات الاقتصادية التى تعكس حجم العلاقة الاقتصادية بين الطرفين، مثل الواردات والصادرات بين البلدين، وحجم السياحة، والاستثمارات السعودية التركية، وتبعات المقاطعة  الاقتصادية على تركيا في حال قاطعتها المملكة اقتصادياً.

السوق العقاري

يعتبر السعوديون من أكثر الأجانب امتلاكاً للعقارات في السوق التركي خلال السنوات الأخيرة بعد العراقيين. ووفق تقارير هيئة الإحصاء التركية، التي رصدها “الخليج أونلاين”، بلغ إجمالي العقارات المملوكة للسعوديين في السنوات الثلاث الأخيرة 9802 عقار، تعود ملكيتها في المعظم للقطاع الخاص والعائلات.

وفي ظل ارتفاع وتيرة الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين، وبالرغم من حملات المقاطعة التى تقودها المملكة للتأثير على المواطنين بعدم الذهاب إلى تركيا وشراء العقارات فيها؛ ارتفع شراء السعوديين للعقارات في تركيا من 977 عقاراً خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي ليصل إلى 992 عقاراً في نفس الفترة من العام الحالي.

وفي ظل استمرار حالة  عدم الاستقرار والضبابية المحيطة بالسوق السعودي، ورغبة المواطنين السعوديين في توزيع مدخراتهم، فلن يكون سهلاً الاستغناء عن سوق العقارات التركي للسعوديين، خاصةً أنه يمثل بيئة آمنة لهم، وهذا ما أثبتته الأرقام الرسمية.

القطاع السياحي

ما تشير إليه الأرقام والإحصائيات الرسمية الخاصة بأداء القطاع السياحي في تركيا، يُظهر حجم النمو الهائل الذي تحقق خلال العام الماضي، فحتى نهاية عام 2018، تصدرت تركيا نمو القطاع السياحي، حيث فاق عدد السياح الذاهبين إلى تركيا حاجز 45 مليون سائح للمرة الأولى، ليبلغ 46.1 مليوناً، محقِّقة ارتفاعاً بنسبة 22.3% مقارنة بعام 2017، وذلك على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي تعانيها المؤشرات الاقتصادية.

ووفق الأرقام من المتوقع أن يحقق قطاع السياحة التركي العام الحالي، أرقاماً قياسية غير مسبوقة مقارنة بالسنوات الماضية.

وذكر بيان صادر عن وزارة الثقافة والسياحة التركية، يوم الجمعة (12 يوليو الجاري)، أن عدد السياح ارتفع بنسبة 11.3% في الأشهر الخمسة الأولى، مقارنة بالفترة نفسها من 2018 حيث بلغ عدد السياح الزائرين لتركيا حتى نهاية مايو من هذا العام  قرابة 12.8 مليون سائح؛ مقارنة بـ11.4 مليون سائح العام الماضي، و8.7 ملايين سائح خلال العام 2017.

وتروج التقارير السعودية لحدوث انخفاض كبير في القطاع السياحي بتركيا عام 2019، مرجعةً السبب إلى سياسة الحكومة الخاطئة، وارتفاع عدد حالات الاعتداء على السياح الخليجيين عموماً، والسعوديين خصوصاً، إضافة إلى انعدام الأمن في مدنها، حيث تراجع عدد السعوديين الذين دخلوا تركيا بقصد السياحة إلى 133 ألف سائح في النصف الأول من العام 2019، مقارنة بـ193 ألف سائح خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

لكنها في الوقت نفسه تتجاهل الأسباب الاقتصادية التي يعانيها المواطن السعودي، وكان لها دور أساسي في تقليل إنفاق المواطن السعودي على السياحة بصفة عامة، إضافة إلى خوف المواطنين من مخالفة التعليمات الحكومية المتعلقة بهذا الخصوص.

وبالعودة إلى الإحصائيات والأرقام، نجد  ارتفاعاً كبيراً في عدد السياح الوافدين من معظم الدول العربية في تلك الفترة نفسها.

وحصل “الخليج أونلاين” على إحصائية من وزارة السياحة التركية، ترصد أعداد سياح بعض الدول حول العالم خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وجاءت كالتالي:

ارتفع حجم السياح العراقيين من 321 ألف سائح في النصف الأول من 2018، إلى 404 آلاف في الفترة نفسها من 2019.

ارتفع عدد السياح القادمين من دول أمريكا الجنوبية من 46 ألف سائح إلى 106 آلاف سائح في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح الصينيين من 81 ألف سائح إلى 168 ألفاً في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح الروس من 960 ألفاً إلى مليون و600 ألف في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح الليبيين من 59 ألف سائح إلى 90 ألفاً في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح الرومانيين من 100 ألف سائح إلى 197 ألف سائح في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح المغاربة من 55 ألف سائح إلى 73 ألف سائح في الفترة نفسها.

ارتفع عدد السياح التونسيين من 53 ألف سائح إلى 73 ألف سائح في الفترة نفسها.