التصنيف الائتماني هو تصنيف يعكس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية، وله تأثير في قرارت المستثمرين بشأن متانة واستقرار وقدرة الاقتصاد على النمو.

يوجد العديد من الوكالات الدولية (المستقلة) تصدر تقارير دورية بخصوص مخاطر الائتمان وقدرة الدول على السداد، مستندة على دراسات اقتصادية وتقييمات للأداء الحكومي المتعلق بإدارة معدلات التضخم، واستقرار أسعار الصرف، وحجم الدين الخارجي، ومعدلات النمو، وغيرها.

لكن في الحالة التركية شهدت السنوات الأخيرة تبايناً في التقارير المتعلقة بالتصنيف الائتماني لتركيا، وكان آخرها قبل أيام قليلة؛ فبمجرد صدور قرار عزل محافظ البنك المركزي أصدرت وكالة فيتش تصنيفاً سلبياً جديداً، وكأن التصنيف الائتماني للدول يُحدَد فقط بظروف تعيين محافظ البنك المركزي، مظهرة أن هذه الوكالات حريصة على الاقتصاد التركي أكثر من أنقرة نفسها.

وفي نفس السياق، وبعيداً عن المشاكل الهيكيلة التي يعاني منها الاقتصاد التركي، فإن هذه التقارير تظهر كلما بدأت المؤشرات بالتعافي، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام والتي يحاول الخليج أون لاين الإجابة عليها من خلال هذا التقرير.

في العام 2017، حقق الاقتصاد التركي معدلات نمو وصلت إلى 7.4%، وكانت معظم القطاعات الاقتصادية في نمو، في الربع الأول من العام 2018؛ منها قطاع السياحة، والاستثمارات، والتجارة، وغيرها.

إلا أن وكالات التصنيف منحت تركيا تصنيفاً منخفضاً مع نظرة سلبية غير مستقرة، الأمر الذي دفع الرئيس التركي للتعليق على تلك التقارير بالقول: إن “التقييم الذي تقدرونه لنا لا قيمة له عندنا.. المهم عندنا بالدرجة الأولى هو تقييم شعبنا لنا”. كما صرح أردوغان منتقداً القرار قائلاً: إن “الشغل الشاغل للوكالات هو وضع تركيا في مأزق لمنح الفرصة لمن يرغب في الاستفادة من هذا الوضع”.

في ظل هذه التباين الواضح هل يحاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التغطية على فشل إدارته للملف الاقتصادي؟ أم إن تلك الوكالات تحاول تصفية حسابات سياسية مع الرئيس التركي وحزبه الحاكم من خلال التأثير في الاقتصاد، الذي تدرك أنه الوسيلة الأهم والأسياسية لأردوغان وحزبه.

هنا بعض المفارقات في تقارير وكالات التصنيف الائتماني المتعلقة بتركيا خلال العقدين الأخيرين:

– في العام 1995، في ذروة صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، ومعدل تضخم وصل إلى 88%، وحجم دين خارجي قرابة 50% من إجمالي الناتج المحلي، وإجمالي ناتج محلي 427 مليار دولار فقط، ومعدل دخل سنوي 2300 دولار، حازت تركيا تصنيفاً ائتمانياً عند “+B” بنظرة مستقرة وإيجايبة.

– في العام 2000، بلغ معدل التضخم في تركيا قرابة 55%، وكان حجم الدين الخارجي لتركيا 43.2% من إجمالي الناتج المحلي، والناتج الإجمالي المحلي 520 مليار دولار فقط، ومعدل دخل الفرد 4300 دولار، في حين أن التصنيف الائتماني الذي حازته تركيا كان “+B”، بنظرة مستقبلية مستقرة وإيجابية.

– في 2011، بلغ معدل التضخم قرابة 6% فقط، مع استقرار أمني وسياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وحجم الدين الخارجي 37% فقط من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل نمو وصل إلى 11.1%، ومعدل دخل فرد سنوي 11300 دولار، ومع ذلك كان تصنيف معظم الوكالات الائتمانية لتركيا منخفضاً “BB”.

– في 2014 (الانتخابات الرئاسية)، بلغ معدل التضخم 8.9%، وحجم الدين الخارجي 43%، وتم سداد آخر شريحة من ديون البنك الدولي، والبالغة 412 مليار دولار، ومعدل نمو وصل إلى 5.7%، في حين بلغ معدل دخل فرد 12.100 دولار، ومع ذلك نالت تركيا تصنيفاً سلبياً غير مستقر.

وبعد مراجعة التصنيفات الائتمانية لمجموعة من الدول العربية والأوروبية، التي تعاني اقتصادياً على أصعدة مختلفة، زاد الشك لدى بعض المحللين بأن التصنيف الائتماني لتركيا ليس إلا تصفية حسابات مع تركيا، وأن هذه الوكالات تتغاضى عن الظروف الحقيقية للمؤشرات الاقتصادية، وأنها تدعم الدول التي لها مصحلة في دعمها أو لها مصلحة في الحفاظ على النظام الحاكم فيها، فعلى سبيل المثال وبصفة عامة من دون الدخول في تفاصيل كل دولة:

– إسبانيا: وصل فيها معدل الديون الخارجية إلى 99.3% من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل بطالة 17.1%، ولديها أقل من 70 مليار دولار احتياطات نقدية، تم تصنيفها BA، مع نظرة مستقبلية موجبة.

– اليونان: بلغ معدل الدين الخارجي أكثر من 220% من إجمالي الناتج المحلي، شبه مفلسة، نمو اقتصادي فقط 1.4% في 2017، وبطالة 20%، واحتياطات أجنبية 6 مليارات دولار فقط، ومع ذلك تم تصنيفها B، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

– مصر: حجم الدين الخارجي 97% من إجمالي الناتج المحلي، البالغ 100 مليار دولار تقريباً، تضخم وصل إلى 26%، وانهيار كبير في قيمة الجنيه، حجم قروض هائل، غياب الاستقرار الأمني، حصلت على تصنيف B مع نظرة مستقبلية مستقرة.

– الأردن: وصل حجم الديون الخارجية إلى 95% من إجمالي الناتج المحلي، احتياطات نقدية قرابة 11 مليار دولار فقط، معظم مؤشراتها الاقتصادية غير مستقرة وغير مشجعة، ومع ذلك حصلت على واحد من أعلى التصنيفات في الدول العربية، ونظرة مستقرة وإيجايبة.

– السعودية: تصنيف A+ في ظل غياب الشفافية ونظام الحوكمة.

ويرى مراقبون أن هذه البيانات وغيرها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة وكالات التصنيف الائتماني الدولية وعدم حياديتها، بل ودخولها معترك السياسة بشكل كبير للتأثير في سياسات البلدان اقتصادياً واجتماعياً.

كما يعتبر البعض قراراتها وتصنيفاتها رديفاً للسياسة الخارجية للدول التي تنتمي لها هذه الوكالات، وهدفها ممارسة الضغوط على الخصوم والتشكيك في استقرارها المالي والاقتصادي.