على مدار تاريخ التطبيع العربي الإسرائيلي لم يتجرأ أحد من المطبعين، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، على تقديم الإطراء للاحتلال الإسرائيلي، أو إعطائه الحق في أرض فلسطين، خشية من الغضب العربي، الذي يعتبر ذلك خيانة للأمة العربية.
لكن النخب السعودية كسرت تلك القاعدة، وأصبحت تتحدث دون خجل أو خوف من أي ردة فعل عربية، عن ضرورة التطبيع مع “إسرائيل”، وإبرام الاتفاقيات معها، وتبادل الزيارات، وصولاً إلى التشكيك في أحقية المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك.
وتعكس جرأة النخب السعودية في الحديث عن العلاقات الإسرائيلية العربية أدبيات النظام السعودي الجديد بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تطورت في عهده العلاقات العسكرية والاستخباراتية مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويقف النظام السعودي صامتاً أمام تجرؤ عدد من شخصياته الإعلامية والأكاديمية، والتي كان آخرها موافقته على زيارة الناشط الإعلامي محمد سعود، للمشاركة ضمن وفد إعلامي عربي يزور “إسرائيل”.
وتعكس زيارة سعود الوجه الحقيقي للقيادة السعودية الجديدة التي بدأت بتمهيد تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” عبر إرسال الإعلاميين والنشطاء بشكل أولي.
وسبق زيارة سعود تأييد الباحث السعودي في الحضارات العربية القديمة، لؤي الشريف، خلال مقابلته باللغة العبرية التي يجيدها، مع مراسلة وكالة البث الإسرائيلية الرسمية (كان)، الترويج للسياحة السعودية إلى “إسرائيل”.
وتعد التوجيهات الجديدة للسعودية في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” ضربة كبيرة لتاريخ أجدادهم الذين قدموا كثيراً لفلسطين، والتي كان أبرزها استجابة الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، لرسالة مفتي فلسطين في حينها، أمين الحسيني، في رسالته عام 1948، للدفاع عن فلسطين.
ووقتها أرسل عبد العزيز مجموعة من الجنود وكميات من الذخيرة للمشاركة في الحرب، بقيادة العقيد سعيد بيك الكردي، ووكيله القائد عبد الله بن نامي، وبلغ عدد ضباط وأفراد الفرقة نحو 3200 رجل.
وتلاحم الجيش السعودي بجانب القوات المصرية في عدة مواقع قتالية، وتقول وثائق إن الجيش السعودي تصدر المواجهات في العديد من النقاط القتالية، حيث قتل 173 جندياً في هذه الحرب.
وعربياً لم تكن العلاقات الإسرائيلية السعودية جيدة، حيث أمر الملك فيصل بن عبد العزيز، خلال حرب أكتوبر 1973، بقطع النفط عن كل الدول المتعاونة والصديقة لـ”إسرائيل”.
وكانت أبرز المواقف السعودية الصارمة بعد توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء “إسرائيل” آنذاك مناحيم بيغن اتفاقية “كامب ديفيد”، في 17 سبتمبر 1978 بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ قاطعت الرياض مصر سياسياً واقتصادياً.
تطبيع علني
المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة يؤكد أن التطبيع العربي الإسرائيلي قائم منذ السبعينات، وما دامت العلاقات الإسرائيلية الأمريكية متينة، فإن العلاقات العربية مع “إسرائيل” ستكون متينة.
ويقول جعارة في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “نتائج التطبيع بدأت تظهر على النخب الصحفية السعودية، من خلال اللقاءات التلفزيونية عبر القنوات الإسرائيلية، والحديث عن معتقدات خطيرة تمس الوجود الفلسطيني”.
ويضيف جعارة: “خروج النخب السعودية وحديثها عن ضرورة التطبيع مع “إسرائيل” يعكس حالة المزاج السياسي لدى القادة السعوديين، بمعنى أنهم راضون كل الرضا عن ذلك، بل هم أيضاً خرجوا للحديث عن ذلك بموافقة مسبقة منهم”.
ويوضح أن ما يقدمه السعوديون من خلال مقابلاتهم مع القنوات الإسرائيلية هو اعتراف مجاني بدولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك سيزيد مضاعفة جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ويرى أن التطبيع السعودي العلني مع دولة الاحتلال يعود إلى الضغط الأمريكي على القيادة السعودية الجديدة، ورغبة الأخيرة بتقوية العلاقات، وتمهيد الطريق من خلال زج تلك النخب للحديث حول العلاقات السعودية الإسرائيلية.
ويعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي أن ما يحدث من تبادل للزيارات بين السعوديين والإسرائيليين، مقدمة لتحطيم النظام السعودي، وبداية لتمزيقه، لأن غالبية الشعوب ترفض التطبيع وتجرمه.
ويشير إلى أن القيادة السعودية الحالية تغض النظر عن هؤلاء المطبعين وتعطيهم الضوء الأخضر للتطاول على الفلسطينيين، والمس بوطنيتهم، على خلاف توجه أجدادهم الذين قاطعوا الاحتلال لسنوات طويلة.
وحول الصحفي السعودي الشريف الذي تحدث باللغة العبرية، يقول جعارة: “احتفى الإسرائيليون بشكل كبير بهذا الصحفي وبقوة لغته العبرية، ولأنه شكك بأحقية المسلمين في المسجد الأقصى”.
وكذلك فند جعارة ادعاء الإعلامي السعودي فهد الشمري حول أن المسجد الأقصى معبد لليهود بالقول: “الهيكل ليس من أماكن العبادة اليهودية، فهو فكر متأخر جداً عن أنبياء العهد القديم، وبهذا يكون الهيكل تقليداً للهياكل الفلسطينية والبابلية والرومانية”.
واحتفى الإعلام الإسرائيلي بمقابلة أجراها، الثلاثاء الماضي في البحرين، مع الباحث الشريف الذي يعتقد أن المسلم هو امتداد لأنبياء بني “إسرائيل”، وأن اللغة العبرية هي برأيه لغة لسان أنبياء الله.
وقال الباحث في الحضارات العربية القديمة، الشريف، لمراسلة وكالة البث الإسرائيلية الرسمية (كان): “أحب العبرية بسبب الأنبياء، والعبرية هي لسان أنبياء الله مثل الملك داود، أشعيا، أرميا، دانيال، يوشع، وأعتقد أن المسلم هو امتداد لأنبياء بني إسرائيل”.
ويرى الشريف أن هذا العام سوف يحمل علامات الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وأن الأمير محمد بن سلمان قد اختاره الله لتحقيق نبوءة أشعيا فيما يتعلق بالسلام بين الشعوب.
كذلك وصف الإعلامي السعودي فهد الشمري الفلسطينيين بـ”الشحادين”، وأنهم “بلا شرف”، والأقصى بـ”المعبد اليهودي” بحسب تعبيره؛ ليثير بذلك زوبعة من الغضب والجدل الواسع في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الشمري في مقطع فيديو متداول: إن “الفلسطينيين شحادون وبلا شرف، والمسلمون لديهم مئات الآلاف من المساجد في العالم”، معتبراً أن “الصلاة في مسجد بأوغندا أبرك من الصلاة بالقدس ومن أهلها”.
وسبق حديث الإعلاميين السعوديين عن العلاقات مع الاحتلال حديث صريح للأمير السعودي تركي الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات السابق، عن تمنيه زيارة “إسرائيل”.
الأمير السعودي، في زيارته التي يأمل إتمامها قبل وفاته، بحسب ما كشفه في حديث مصوَّر مع إعلامي إسرائيلي، نشره الأخير على منصة “تويتر” في فبراير الماضي، يود أن يزور مكاناً بالأراضي المحتلة، لكنه ليس المسجد الأقصى أو مسجد قبة الصخرة، المَعلمين الإسلاميَّين المهمَّين عند المسلمين والعرب في فلسطين، بل شارعاً مسمَّى باسم والده الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز.
كذلك لم تتوقف العلاقات الإسرائيلية السعودية عند التصريحات الصحفية المؤيدة للاحتلال، فقد سبقتها زيارة المستشار السابق بمجلس الوزراء السعودي، اللواء أنور عشقي، إلى دولة الاحتلال.
اضف تعليقا