على الرغم من حملات التشهير التي قام بها أنصار السيسي ضده وضد غيره من المعارضين، لم يتوانى النائب أحمد طنطاوي في إظهار معارضته لبعض سياسات السيسي، بل كان هو أحد المعارضين القلائل داخل البرلمان المصري الذين هاجموا وبشدة التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي تم تمريرها بالفعل رغم اشتمالها على مواد تمنع الفصل بين السلطات وتدفع البلاد نحو عصر جديد من الاستبداد.
العديد من الشكاوى تم تقديمها ضد طنطاوي من مؤيدي الرئيس وأنصاره، ومع هذا الهجوم الشرس الذي يطاله، هل سيتمكن طنطاوي من مواصلة معارضته للنظام؟
العديد من القوانين القمعية صدرت في مصر بعد تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور عقب انقلاب 2013، كقانون منع التظاهر (2013)، وقانون مكافحة الإرهاب (2015)، وقانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية أو بالأحرى تقييدها (2017)، وهي قوانين منحت نظام السيسي سلطة أكبر لإسكات المعارضة السياسية وإحكام القبضة عليها باسم الأمن القومي والاستقرار.
وفي الأشهر الماضية تم عمل تعديلات دستورية منحت السيسي صلاحيات فوق صلاحياته، تم الموافقة عليها بالأغلبية داخل البرلمان المصري، فمن بين 696 عضواً، صوت 16 نائباً فقط ضد تلك التعديلات، وكان النائب أحمد طنطاوي من بينهم.
أحمد طنطاوي: من صحفي وناشط إلى سياسي
النائب المصري أحمد طنطاوي، والمعروف بمعارضته للسيسي ونظامه الاستبدادي، هو عضو تحالف 25-30، وهو تحالف مكون من عدة أحزاب، سُمي بهذا الاسم كناية عن تاريخ الإطاحة بمبارك في ثورة 25 يناير، وتاريخ الإطاحة بمرسي في أحداث 30 يونيو، والتي أطاحت بأول رئيس مدني منتخب ديموقراطياً في مصر بعد الربيع العربي.
وُلد طنطاوي في 25 يوليو/تموز 1979، في مدينة قلين شمال مصر، عمل في مجال الصحافة والذي كان له الفضل في دخوله للمجال السياسي، فطوال فترة عمله كصحفي كان يقوم بتغطية الأحداث السياسية، كما كان يظهر في البرامج التليفزيونية للتعليق على الأحداث السياسية ونقلها.
في بداية حياته السياسية، انضم طنطاوي إلى حركة الكرامة الناصرية اليسارية، وأصبح أميناً لحزب الكرامة فرع قلين عام 2009، ثم شغل منصب عضو اللجنة العليا للحزب عام 2011، وفي 2012 تم انتخابه عضواً في المكتب السياسي للحزب، قبل أن يستقيل من الحرب بعد ذلك بعامين.
اشتهر طنطاوي بمعارضته السياسية للحكومات المتعاقبة على مصر منذ فترة طويلة، فبعد ثورات الربيع العربي عام 2011، عارض حكومة مرسي وشارك العديد من الفعاليات الاحتجاجية على سياسات الحكومة، وبعد الإطاحة بمرسي عارض طنطاوي ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية، وحالياً، وبعد تولي السيسي الرئاسة، يعد طنطاوي من أبرز المعارضين لسياسات النظام الحالي في مصر، كما كان من أبرز المعارضين للتعديلات الدستورية الأخيرة.
نحو عصور الظلام
قامت كتلة الأغلبية في البرلمان المصري، ائتلاف “دعم مصر” بتقديم طلب تعديلات دستورية، لم تسمح فقط للسيسي بالبقاء في منصبه كرئيس لفترة أطول، بل ساهمت في إحكام قبضته على المعارضة، ومنحته صلاحيات للسيطرة على السلطة القضائية، كما زادت من النفوذ السياسي للجيش.
التعديلات الدستورية المقترحة في 16 أبريل/نيسان 2019 تم الموافقة عليها بالأغلبية داخل البرلمان المصري، 531 نائباً مقابل 16 نائباً، وبعدها تم إجراء استفتاء دستوري في الفترة من 20 وحتى 22 أبريل/نيسان للتصويت على التعديلات المقترحة.
النائب أحمد طنطاوي كان ضمن النواب الذين اعترضوا على تلك التعديلات الدستورية، بل قام بدعوة الشعب إلى التصويت ضد تلك التعديلات من خلال مقطع فيديو تم بثه على صفحته الرسمية على موقع “الفيسبوك”، بل ووصف اول يومين من الاستفتاء بأنها “بائسة” و”الأسوأ في تاريخ مصر”، مشيراً إلى أن النظام اعتمد على رشوة الناخبين لكسب دعمهم في الموافقة على التعديلات الدستورية، حيث قال انها تعديلات “القسيمة والصندوق”، في إشارة إلى صناديق الطعام وقسائم المشتريات التي وزعت على الناخبين.
وعلى الرغم من دعوات طنطاوي وعدد من الأحزاب المعارضة الأخرى لمقاطعة الاستفتاء أو التصويت ضد التعديلات، خرجت النتيجة بموافقة 89٪ من الناخبين على التعديلات الدستورية.
التعديلات الدستورية التي عارضها طنطاوي مددت فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات بحد أقصى لفترتين، وفي حين أن السيسي كان قد انتخب في مارس/آذار 2018 لفترة رئاسة ثانية، فإن التعديلات الجديدة ستطبق عليه بغير أثر رجعي، وهو ما اعتبره العديد من النشطاء والمعارضين تخطيط متعمد لزيادة فترة حكم السيسي القمعي لمدة ست سنوات أخرى، قابلة للتجديد في حالة تم انتخابه ثانية.
العديد من المنظمات الحقوقية عارضت هذه التعديلات، وانتقدتها بشدة، واعتبرتها دليل جديد على القمع الذي يتعامل به السيسي مع حرية التعبير، وبحسب تصريحات لنائب مدير منظمة العفو الدولية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الناشطة مجدولين مغربي، فإن هذه التعديلات “تهدف إلى التوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتقويض استقلال القضاء، وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب لمرتكبي انتهاكات ضد حقوق الإنسان من أفراد الأمن”.
تعديلات “غير دستورية”
كان طنطاوي أحد النواب القلائل الذين عارضوا تلك التعديلات الدستورية، وهو الموقف الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط المصرية المختلفة كون مثل هذه المعارضات لم تعد متواجدة على الساحة المصرية منذ تولي السيسي الحكم.
خلال المناقشات التي دارت داخل مجلس النواب المصري حول تلك التعديلات، وصف طنطاوي التعديلات بأنها “غير دستورية” من الأساس، وأن أي تعديل سيجري يتعارض مع جميع القواعد القانونية، مشيراً إلى أن مجلس النواب لا يملك الحق في إضافة مواد جديدة للدستور.
وأضاف أن التغييرات المقترحة هي “نكسة” وعودة إلى ما هو أسوأ من نظام ما قبل ثورة 25 يناير؛ لأنها ستركز السلطة في يد رجل واحد.
على صعيد آخر، أكثر خصوصية، صرح طنطاوي في إحدى جلسات مجلس النواب أثناء مناقشة التعديلات المقترحة بأنه لا يحب السيسي، حيث قال “أنا شخصياً لا أحب الرئيس، ولا أثق في أدائه وغير راضٍ عنه، وهذا حقي كمواطن قبل أن يكون حقي كنائب”، ومنذ ذلك الحين، وعلى خلفية تلك التصريحات، قام أنصار ومؤيدو السيسي بشن حملة تشويه كبيرة ضده، متهمين إياه بالخيانة، والتعاون مع قوى خارجية، كما طالبوا بفصله من البرلمان.
على سبيل المثال، قام المحامي سمير صبري، المؤيد للنظام، بتقديم شكوى عاجلة في 20 أبريل/نيسان الماضي إلى رئيس مجلس النواب مطالباً إياه باتخاذ إجراءات تأديبية ضد طنطاوي بتهمة “التواصل مع أعداء الدولة”، كما تقدم المحامي محمد حامد سالم بشكوى إلى النائب العام ضد طنطاوي بتهمتين في 16 أبريل/نيسان الماضي، حيث اتهمه “بإهانة رئيس الجمهورية”، و”تنفيذ جداول أعمال جماعة إرهابية والتواصل مع قنوات فضائية معادية”.
وفي أواخر يونيو/حزيران، طلب المحامي أيمن محفوظ من النيابة العامة رفع الحصانة البرلمانية عن طنطاوي بعد اعتقال مدير مكتبه بزعم أنه جزء من خلية إرهابية.
وفي الوقت نفسه، تم منح السيسي صلاحيات إضافية في يونيو/حزيران لتعيين رؤساء القضاء العسكري وخمس هيئات قضائية أخرى، وهو ما اعترض عليه طنطاوي بالكلية، قائلاً “التعديلات تفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل في عمل القضاء، وهو ما سيؤثر على استقلال القضاء”.
لا زال طنطاوي نائباً في البرلمان المصري، ما يمنحه حصانة تشريعية، ولعل هذا هو السبب الأبرز في استمراره في معارضته للنظام والإعلان عن ذلك صراحة، وكذلك ربما هو السبب الذي يجعل السيسي يسكت عنه، والسؤال الآن، ما مصير طنطاوي بعد انتهاء فترته كنائب في البرلمان ورفع الحصانة بشكل رسمي عنه؟
هل سيتمكن من مواصلة مسيرته المعارضة؟ هل سيستمر السيسي في غض الطرف عنه، أم سيقوم بإسكاته كما أسكت عشرات الآلاف من المعارضين من قبله بالتدابير القمعية التي يدير بها البلاد؟
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا