قبل يومين غرد الأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله قائلا بأن الحرب في اليمن انتهت إماراتيا.

طبعا لا يمكن القول بأن هذه التغريدة صادرة عن شخص رسمي لكنها بالفعل تمثل توجها جديدا في الإمارات التي بدأت استدارة واضحة في اليمن وفي العلاقة مع إيران. اللافت في هذا الموقف الإماراتي الجديد أنه مفاجئ ولا يوجد ما يشي بأن هناك تنسيقا بالفعل بين الرياض وأبوظبي في الآونة الأخيرة.

الإمارات دخلت في تحالف مع المملكة العربية السعودي هدفه إلحاق هزيمة بإيران باليمن، كما أنها أيضا شريكة أصيلة في الحصار على قطر بتهمة أن الأخيرة ترتبط بعلاقات مع إيران.

وبهذا المعنى كان هناك تطابق في الخطوات السعودية والإماراتية صورها البعض بأنها ستصنع الفارق في السياسة الدولية والإقليمية.

لكن الخطوات الإماراتية على مدار الأسبوعين الماضيين تعكس تغيرا في القراءة الإماراتية لدورها وقدراتها والتهديدات التي تنطوي على سياساتها.

بدأت الإمارات تدرك أن الحرب في اليمن لن تحسم عسكريا، فبعد مرور خمس سنوات على الحرب لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن هناك نصرا في متناول اليد، بل على العكس من ذلك، تحولت الإمارات إلى قوة احتلال يعارضها اليمنيون الذين يتهمون الإمارات بسعيها إلى تقسيم اليمن إلى يمنين.

وربما شكلت هجمات الحوثيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة تهديدا جديدا لم تحسب له أبوظبي حسابا عندما قبلت أن تكون في تحالف مع السعودية.

ومن دون شك، بدأت الإمارات بقراءة النوايا الأمريكية بشكل دقيق، فالرئيس دونالد ترامب لا ينوي خوض حرب مع إيران وبخاصة وهو يستعد لمعركة إعادة الانتخاب، كما أن تحذيرات حسن نصرالله للإمارات قد دقت ناقوس الخطر عند الإمارات.

فحديثه عن الثمن الباهظ الذي ستدفعه المدن “الزجاجية” دفع القادة الإماراتيين إلى التسريع في الانسحاب من اليمن والتقارب مع إيران. فالانسحاب جاء بشكل مفاجئ ولم تمهد له الإمارات التي كانت ولوقت قريب تتصرف بجنوب اليمن كأي قوة استعمارية أخرى.

لا نعرف بالضبط حجم التنسيق بين الرياض وأبوظبي، لكن ما نعرفه أن السعودية حاولت ثني الإمارات من الانسحاب من اليمن لكن من دون طائل، فالإمارات بدأت بإعادة حساباتها والراهن أنها لا تريد أن تكون وقودا لحرب قادمة، فالنأي بالنفس عن السعودية وسياساتها في الإقليم أصبح وسيلة للبقاء في أجواء ملبدة بالغيوم لا يعرف أحد أي طفل سيأتي به الطلق.

من المنتظر أن تثير خطوات الإمارات المستقلة عن السعودية حفيظة السعوديين لكن في نهاية الأمر يمكن القول بأن خطوة الإمارات في الانسحاب والتفاهم مع إيران واقعية وعقلانية.

فمن شأن تغيير المقاربة الرسمية للإمارات أن تبعث على الارتياح داخل الإمارات، فهناك ما يشي بأن إمارة دبي على وجه التحديد ليست منسجمة مع السياسة الرسمية للإمارات، فدبي كانت تشكل رئة للتجارة مع إيران إلا أنها بدأت تتراجع بفعل العقوبات على إيران والتماهي مع التوجهات السعودية حيال إيران.

وشكل استهداف الناقلات في ميناء الفجيرة سببا إضافيا للقلق على مستقبل الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني للإمارات.

وربما لاحظ قادة الإمارات تراجع أمريكا عن تهديداتها لإيران وأن اللعب مع إيران لن يمر من دون كلفة باهظة لا تريد أن تدفعها الإمارات.

باختصار، بدأت الإمارات تدرك أن القارب السعودي لم يعد آمنا وأنه غارق لا محالة، وعليه فإن المخرج هو القفز من هذا المركب والإبحار تجاه شاطئ الأمان. وينبغي ألا نفاجأ إن سلكت الرياض في نهاية الأمر سلوك أبوظبي.