في خطوةٍ غير متوقعة أعلنت حركة النهضة التونسية ذات الأغلبية البرلمانية (68 نائباً من جملة 217 نائباً موزعين بين كتلٍ حزبية وأخرى مستقلة) مشاركتها في سباق الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في 15 سبتمبر المقبل، عبر ترشيح أحد أهم قاداتها الشيخ عبد الفتاح مورو  (71 عاماً)، الذي يرأس حالياً مجلس نواب الشعب (برلمان).

قرارٌ مفاجئ أربك حسابات بعض المرشحين لهذا الاستحقاق، وأحدث جدلاً كبيراً على المشهد السياسي في تونس، المتحرّك بطبعه، نظراً للقاعدة الشعبية الواسعة التي تحظى بها الحركة، خاصّةً أنّها المرة الأولى التي ترشح فيها الحركة أحد أعضائها للرئاسة منذ بدء حركة الانتقال الديمقراطي التي بدأت عقب ثورة 2011 التي أطاحت بنظام حكم الرئيس زين العابدين بن علي.

وكانت النهضة قد اختارت لأوّل مرّةٍ منذ عودتها للنشاط السياسي بعد ثورة يناير 2011، المشاركة بطريقةٍ مباشرةٍ في السباق الرئاسي، بعد أن اكتفت بدعم مرشح من خارجها في انتخابات الرئاسة، عام 2014، في حين أسهمت في الدفع بمنصف المرزوقي رئيساً للبلاد، في انتخاباتٍ غير مباشرة عبر المجلس التأسيسي، عام 2011.

النهضة في السباق الرئاسي للمرّة الأولى

يذكر أن حركة النهضة حريصة منذ أول انتخاباتٍ ديمقراطية ونزيهة في البلاد، بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، على المحافظة على الأغلبية البرلمانية، باعتبار أنّ السلطة الفعلية تبدأ من داخل أسوار البرلمان، حتّى إنّها أكدت، منذ انطلاق العملية الانتخابية في يوليو 2019، أنّها ستتجه نحو دعم مرشّحٍ توافقي من خارجها، مراعاةً لديمقراطية البلاد التي ما زالت تتحسس طريقها.

هذا واتّخذ مجلس شورى النهضة (أعلى سلطة في الحركة) قرار ترشيح مورو، في ساعةٍ متأخرة من مساء الثلاثاء 6 أغسطس 2019، دون اعتراضاتٍ بين الحاضرين في المجلس، إذ تمّت تزكيته من قبل 98 عضواً، فيما احتفظ ثلاثة فقط بأصواتهم.

وفور اتّخاذ القرار أعلن زعيم الحركة، راشد الغنّوشي، على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، أن “مجلس شورى حركة النهضة يصوّت بأغلبية 98 صوتاً لفائدة ترشيح الأستاذ عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية”.

من جانبه قال القيادي بالحركة، سليم بسباس، في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، أنّ “النهضة استشعرت جسامة الموقف، وسعت إلى تحمّل المسؤولية، وهو ما دفعها إلى المشاركة في السباق الرئاسي، وترشيح عبد الفتاح مورو الذي قال إنّه يحظى بالإجماع، كما أنّه يتمتع بثقافة الدولة، وهو ما كان واضحاً لدى ترؤسه جلسات مجلس النواب”.

بسباس أضاف أيضاً أنّ “عبد الفتاح مورو من الشخصيات المحافظة، وله أيضاً قدرة  على إقناع غير المحافظين”، مبدياً ثقته بمروره إلى الدور الثاني. 

قاعدة شعبية

هذا وتحظى حركة النهضة التي تمثل التيار الإسلامي في تونس، والتي أسست عام 1972 وأعلنت رسمياً عن نفسها في 6 يونيو 1981، بقاعدةٍ شعبية عريضة، يمكن أن تؤهلها للوصول ثانية إلى السلطة، خاصّةً أنّها ظلّت الحزب الوحيد الذي لم يتعرض للانشقاق والانقسام وبقيت متماسكة.

وأكدت مختلف نتائج سبر الآراء أنّ حركة النهضة تتصدّر نوايا التصويت لدى التونسيين، فيما يبلغ عدد منخرطيها حسب آخر المعطيات 112 ألف منخرط، وتتحصل بذلك على أكبر عدد منخرطين، مقارنة بباقي الأحزاب الناشطة في البلاد.

في المقابل، يرى المحلل السياسي محمد بوعود، في تصريحه لـ”الخليج أونلاين، أنّ “فوز النهضة برئاسة البلاد مستبعد، لأنّ المرشحين حمادي الجبالي (قيادي سابق بالحركة)، والمنصف المرزوقي (الرئيس التونسي السابق)، وزهير مخلوف، يحظون بدعم عدد كبير من أبناء الحركة، ومن ثم فإن مورو وإن مر إلى الدور الثاني، فسيجد نفسه في فضاء ضيّق”.

وقال: إنّ “النهضة لم تكن تبحث عن رئيس للبلاد بقدر ما كانت تبحث عن شريك في الحكم، وقد التجأت إلى ترشيح مورو بعد أن فشلت مفاوضاتها مع المرشحين لهذا المنصب، من الذين رفضوا شروطها”.

من جانبه، رجّح المحلل السياسي جمعي القاسمي، في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، أن “تظل الحركة رقماً صعباً في البرلمان، بعد فوزها بعدد هام من المقاعد النيابية، غير أنّها قد تفشل في الفوز بالاستحقاق الرئاسي”.

فنّ ملاعبة الخصوم

وترشّح إلى الانتخابات الرئاسية حتى اليوم 15 شخصاً، من مختلف التوجهات الفكرية، ومستقلين، أبرزهم مؤسّس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، ورئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي، ومالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي، الذين سجلوا أرقاماً قياسية في نتائج سبر الآراء الأخيرة، في نوايا التصويت.

ويعدّ رئيس البلاد السابق المنصف المرزوقي، الذي دعمته حركة النهضة في المحطات الانتخابية السابقة، منافساً جدياً؛ نظراً لتقارب التوجهات، إلى جانب القيادي السابق بالنهضة حمادي الجبالي، وهو ما ينبئ بمنافسة شديدة بين مختلف المترشحين.

في قراءة لهذا القرار يرى المحلل السياسي علي اللافي، في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، أنّ “زعيم الحركة راشد الغنّوشي اكتسب ورقات ملاعبة خصومه  في الانتخابات التشريعية، بعد أن رشّح رفيق دربه (عبد الفتاح مورو) للرئاسيات، ليحافظ بذلك على وحدة حركته، كما أعدّ بهذا القرار نفسه لسيناريوهات المؤتمر الـ11 المنتظر إعداده في صائفة 2020، مما يمكنه من دور إقليمي قوي”.

ولفت إلى أنّ “النهضة طرحت موضوع المشاركة في رئاسيات 2019، منذ أشهر، وعُقد مجلس شورى خاص بالموضوع بداية 2019، غير أنّها ظلت تبحث عن توافق جديد يكون استراتيجياً لأن التوافق السابق (مع نداء تونس العلماني) كان في الحقيقة تعايشاً، وليس توافقاً بالمفهوم السياسي”.