بدأت الولايات المتحدة، أمس الخميس، عملياً، تطبيق مهمة حماية مياه الخليج، في إطار “تحالفها” الأمني البحري، الذي لا تزال تسعى إلى تشكيله، والذي لم تنضم إليه حتى الآن سوى بريطانيا، في مواجهة ما تصفه بـ”الخطر الإيراني”. وفيما طالبت الإدارة البحرية الأميركية السفن التجارية التي ترفع العلم الأميركي بضرورة إخطارها مع نظيرتها البريطانية مسبقاً بنقاط توقفها في مياه الخليج، حذرت وزارة الدفاع الإيرانية من خطر سعي واشنطن لتنصيب نفسها شرطياً في مضيق هرمز، على أمن واستقرار المنطقة، علماً أن طهران بدورها، تحاول التأسيس لشراكة مع حلفائها لمواجهة أي “تحالف” بحري أميركي.
في موازاة ذلك، تتوالى المؤشرات على تفاقم التأثير السلبي الذي أحدثه توتر الخليج على التدفق الطبيعي لحركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية، إذ أعلنت أمس شركة “بي أند أو كروزس” البريطانية إلغاءها رحلات بحرية في دبي والخليج، بسبب تصاعد التوتر.
وفي موازاة الإجراءات الجديدة، بحث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في اتصال أجراه مع ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان، ملفّات الأمن البحري وإيران واليمن. وقالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية مورغن اورتاغوس، أمس الخميس، إن “وزير الخارجية ناقش التوتّرات المتزايدة في المنطقة، والحاجة إلى تعزيز الأمن البحري من أجل تعزيز حرية الملاحة”، مضيفة أن بومبيو وولي العهد السعودي “تطرقا أيضاً الى تطورات ثنائية وإقليمية أخرى، بما فيها مواجهة أنشطة النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار”.
تعليمات أميركية للسفن
وفي مذكرة إرشادية صدرت عنها، أول من أمس الأربعاء، قالت الإدارة البحرية للولايات المتحدة إن “الأنشطة العسكرية المتزايدة والتوترات السياسية المتصاعدة في المنطقة، لا تزال تشكل تهديدات خطيرة للسفن التجارية”، مطالبة السفن بتنبيه الأسطول الخامس بالبحرية الأميركية وعمليات التجارة البحرية بالمملكة المتحدة في حال وقوع أي حادث أو نشاط مريب، ومحذرة إياها من احتمال تعرض أجهزتها لتحديد المواقع على الخرائط عالمياً “جي بي أس” للاختراق.
بالإضافة إلى ذلك، حذرت الإدارة في مذكرتها، بعد تعداد لحوادث وقعت منذ مايو/ أيار الماضي، واستهدفت ناقلات نفط في المنطقة، بما فيها احتجاز إيران للناقلة البريطانية “ستينا إمبيرو”، واحتجاز الناقلة “مسدار” التي كانت ترفع العلم الليبيري (وهو ما نفت طهران حصوله)، من تقارير تحدثت فيها عن “كيانات (بحرية) غير معروفة تدعي زوراً بأنها سفن حربية تابعة للولايات المتحدة أو لحلفائها”.
من جهتها، أصدرت القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” بياناً أول من أمس أكدت فيه “استمرار التزام الولايات المتحدة بالعمل مع الحلفاء والحلفاء الإقليميين لحماية حرية الملاحة، والتدفق الحر للتجارة، وحماية السفن والطواقم الأميركية في المنطقة”.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، لشبكة “سي أن أن”، إن “إيران وضعت أجهزة للتشويش على أجهزة الـ”جي بي أس” في جزيرة أبو موسى، التي تسيطر عليها، والقريبة من مدخل مضيق هرمز، بهدف إعاقة حركة الطيران المدني وبرامج الملاحة، على أمل أن تدخل السفن أو الطائرات عن طريق الخطأ الأراضي والمياه الإيرانية، ما يعطي للقوات الإيرانية الحجة لاحتجازها”. كما اتهم المسؤول القوات الإيرانية بـ”استخدام البرنامج الأوتوماتيكي لتعريف السفن التجارية، للتمويه عن سفنها وقواربها الحربية”.
وفي إطار الأمن الملاحي في مياه الخليج، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً تطرقت فيه إلى ما وصفته بـ”انزعاج” حلفاء لإيران، من التوتر المائي المتفاقم في المنطقة.
وكتبت الصحيفة، في التقرير الذي نشر أمس الخميس، إنه “في أزمة حرب الناقلات، تسعى إيران إلى عدم إغضاب حلفائها”، وهو ما “يضع المسؤولين الإيرانيين في موقع القيادة بموضع صعب”، مع مواصلة تعهدهم بإعاقة حركة الملاحة بالخليج في ردّ باستعراض القوة بمواجهة منعهم من بيع نفطهم في ظل العقوبات الأميركية. ورأت الصحيفة أن التحرك الإيراني هذا قد أزعج “أصدقاء” أو “حلفاء” لطهران، وعلى رأسهم بكين ونيودلهي وبغداد، وكذلك الجزائر.
تحذير إيراني
ورداً على بدء الأميركيين أول إجراءاتهم العملية وفرض شروطهم على نظام الملاحة في الخليج، رأى وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، بحسب ما نقلت عنه وكالة “تسنيم”، أن “التحالف البحري الذي تحاول الولايات المتحدة تشكيله سيخلق مزيداً من عدم الاستقرار وانعدام الأمن”، مؤكداً في اتصالات هاتفية أجراها مساء أول من أمس الأربعاء، مع نظرائه في قطر وسلطنة عمان والكويت، أن بلاده ” تعتبر نفسها مسؤولة تجاه أمن المنطقة، خاصة الخليج الفارسي”.
وأضاف حاتمي أن “الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن اتخاذ أي خطوة في مسار الحفاظ على أمن الملاحة البحرية في الخليج الفارسي ومضيق هرمز وبحر عمان”، وأن “أمن المنطقة هو عمل مشترك بين إيران وسائر دول الجوار في الخليج الفارسي، لذا فإننا نرى أن الأمن يجب توفيره من قبل دول المنطقة التي عليها أن تدخل في محادثات بناءة بهذا الصدد”. واعتبر الوزير الإيراني أن “تطوير العلاقات مع الجيران من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية والدفاعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مشدداً على أن “المنطقة لا ينبغي أن تتحول إلى ساحة يصول ويجول فيها الأجانب”.
ووصف وزير الدفاع الإيراني ما ورد أمس عن رغبة إسرائيلية في المشاركة بـ”التحالف” الأميركي، بـ”الاستفزازي جداً والذي يمكنه أن يعود بتداعيات كارثية للمنطقة”.
من جهته، ندّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سيد عباس موسوي بما وصفه بـ”الإجراءات المناوئة لإيران من جانب النظام البحريني والمتمثلة في عقد اجتماعات مريبة”، في إشارة إلى استضافة المنامة الأسبوع الماضي مؤتمراً حول تطورات المنطقة، وآخر لحماية أمن مياه الخليج مقرر عقده في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، معتبراً أن مثل هذا الاجتماع يؤدي بدوره إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة”، فيما دعت البحرين، رداً على ذلك إيران إلى وقف إطلاق التهديدات والالتزام بالتهدئة.
ورأى القائد العام لـ”الحرس الثوري” الإيراني، اللواء حسين سلامي، أن بلاده “تخوض حرباً شاملة ضد القوى العالمية”، مضيفاً أن “شياطين العالم تحالفوا في إطار ائتلافات صغيرة وكبيرة لفرض أكبر نسبة من الضغوط الاقتصادية والحرب النفسية والحصار، وحتى الضغوط الأمنية والتهديد وبث الرعب ضدنا”.
اضف تعليقا