اعتبر المحلل الإسرائيلي “ديفيد روزنبرغ” أن الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” غافل عن أكبر خطر حقيقي يهدد نظام حكمه رغم مطاردته الإسلاميين وحظره لجماعة الإخوان المسلمين، وقمع أجهزته الأمنية وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.

وبحسب تحليل نشره “روزنبرغ” بصحيفة “هآرتس” فإن هذا الخطر لا يبدي رغبة في إسقاط حكم “السيسي”، على عكس الإسلاميين، ولا  ينتقده علنا، على عكس المدونين والمنظمات غير الحكومية، اللهم إلا بعبارات رقيقة، تحتاج إلى خبير للتعرف على فحواها.

إنه صندوق النقد الدولي، الذي تقود وصفته لإصلاح الاقتصاد إلى مزيد من فقر المصريين، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى، التي تمثل الخطر الأكبر على نظام الحكم، من وجهة نظر “السيسي”، باعتبار أن جيل الألفية من أبنائها هم من أشعلوا ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وفق الصحيفة العبرية.

وتعتمد وصفة الصندوق، وفق “هآرتس”، على أساس أن ترتيب البيت المالي أولا هو ما سيحقق نقل الفوائد إلى بقية الاقتصاد، وبذلك يكون جميع أفراد المجتمع في وضع أفضل لاحقا، الأمر الذي يمنع الكوارث الاقتصادية طويلة الأجل، كتلك التي مرت بها دول مثل اليونان والأرجنتين.

وبناء على هذا الأساس، رهن الصندوق الموافقة على قرض لمصر، قيمته 12 مليار دولار، بسياسات منها تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، وخفض دعم الوقود والغذاء، وخصخصة الشركات العامة، وفرض ضرائب جديدة، وخفض الإنفاق على الصحة والتعليم.

وبعدما نفذ “السيسي” أغلب المطلوب منه، قدم صندوق النقد الدولي شريحة القرض الأخيرة، وقدرها ملياري دولار، هذا الأسبوع.

لكن هل تحققت النتيجة التي بشر بها الصندوق؟ أجاب “روزنبرغ” بإحصائية كشفت عنها الحكومة المصرية تزامنا مع تحصيل شريحة القرض الأخيرة، مفادها أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغت 32.5% العام الماضي، ارتفاعا من 27.8% في عام 2015، وهو العام السابق لبدء تنفيذ وصفة صندوق النقد الدولي.

وأكد المحلل الإسرائيلي أن الطبقة المصرية الوسطى تعاني جراء سياسات الصندوق الدولي أيضًا، خاصة الشباب من أبنائها، إذ ارتفع معدل البطالة فيما بينهم العام الماضي إلى ما يقترب من الثلث، وهي نسبة أكبر مما كان عليه الحال عشية الربيع العربي.

وأشار “روزنبرغ” إلى أن هكذا سيناريو يبدو مشابهاً لذلك الذي تم تنفيذه في السنوات السابقة لعام 2011 (في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك)، عندما تحسنت أرقام الاقتصاد بأقوى مما هي عليه الآن بفضل مجموعة من إصلاحات السوق الحرة، لكن فوائدها لم تصل إلى معظم المصريين.

وأضاف أن انخفاض قيمة الجنيه المصري بعد تحرير سعر صرفه كان من المفترض أن يسهم في قفزة بالصادرات، بما يخلق فرص عمل ويساعد في سداد الدين العام الناتج عن الاقتراض من صندوق النقد والأسواق الدولية، لكن ذلك لم يحدث، إذ ارتفعت صادرات الطاقة فقط، بفضل اكتشاف احتياطيات جديدة، بينما ظلت الصادرات من خارج هذا القطاع راكدة.

وعلق المحلل الإسرائيلي على هذه النتيجة بقوله: “يبدو أن المشكلات الاقتصادية في مصر أكثر جوهرية من تنظيم بيتها المالي”، مشيرا، في هذا الصدد، إلى انتشار الفساد نتيجة بقاء الاقتصاد المصري خاضعا للتوجيه من قبل ما سماها بـ “إمبراطورية الأعمال التابعة للجيش”، التي نمت بحجم أكبر من أي وقت مضى، ولا يمكن المساس بها، ما أدى إلى ضعف فرص ظهور رواد الأعمال في مصر.

واختتم “روزنبرغ” تحليله بتساؤل ينطوي على دلالة العطيات التي أوردها التحليل: “إذا لم تتمكن من بدء شركة، فلماذا لا تبدأ ثورة؟”.