قد تكون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شريكين حميمين لهما هدف مشترك في هزيمة المتمردين الحوثيين في اليمن، لكن مصالحهما المتباينة قد وصلت إلى ذروتها مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين حلفائهما في الدولة التي مزقتها الحرب.

ودخلت المناوشات العنيفة بين قوات الحرس الرئاسي الموالي للرئيس اليمني المنفي “عبد ربه منصور هادي”، والمدعومة من السعودية، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي تدعمه الإمارات، يومها الثالث في مدينة عدن الساحلية الجنوبية.

وتعارض كلتا المجموعتين نشاط الحوثيين، لكن الانفصاليين الجنوبيين يدعون إلى استقلال جنوب اليمن.

واتهمت إدارة “هادي” الإمارات بدعم مطالب الانفصال في الجنوب.

وعلى الرغم من أن الجانبين اشتبكا مرة واحدة على الأقل قبل العام الماضي، جاءت أحدث الاشتباكات بينهما وسط سلسلة من التطورات التي تختبر العلاقات بين أبوظبي والرياض.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان: “تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من اندلاع أعمال العنف والاشتباكات القاتلة في عدن.

وندعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن التصعيد وإراقة مزيد من الدماء، وحل الخلافات من خلال الحوار.

ولن يؤدي التحريض على مزيد من الانقسامات والعنف داخل اليمن إلا إلى زيادة معاناة الشعب اليمني وإطالة أمد الصراع. ويمثل الحوار الطريقة الوحيدة لتحقيق يمن مستقر وموحد ومزدهر”.

وفي الوقت الذي اجتاحت عدن أصوات إطلاق نيران الأسلحة الرشاشة، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي نيوز” بأن مدنيا قد سقط قتيلا، الخميس، برصاصة طائشة، بعد يوم من مقتل 3 أشخاص على الأقل في القتال.

وأكدت وكالة “أسوشيتيد برس”، الأربعاء، مقتل أحد أفراد الحرس الرئاسي، وأفادت وكالة “فرانس برس” بمقتل اثنين من الانفصاليين الجنوبيين في حادثين منفصلين.

 

عودة الحوثيين

وبدأت أحدث موجة من الاضطرابات عندما ضرب هجوم صاروخي، ادعى الحوثيون مسؤوليتهم عنه، عرضا عسكريا للمجلس الجنوبي في عدن الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل العشرات بين صفوف قوات “الحزام الأمني” الجنوبية.

وألقى “المجلس الجنوبي الانتقالي” اللوم في نهاية المطاف على جماعة إسلامية موالية للحكومة، وهي حركة “الإصلاح”، مدعيا ​​أن الهجوم تم تنظيمه لإضعاف قبضة الانفصاليين على المدينة الاستراتيجية التي كان “هادي” قد نقل حكومته إليها.

وفي أعقاب ذلك، اندلعت معارك بالأسلحة النارية في جنازة لقتلى المقاتلين الجنوبيين.

وعقب اجتماع استثنائي عقده المجلس الجنوبي برئاسة نائب رئيس المجلس “هاني علي بن بريك”، صدر بيان يدعو “سكان الجنوب” للمقاومة والاحتشاد في “مسيرة” إلى قصر “المعيشيق” للإطاحة بحكومة “الإرهاب والفساد” المتحالفة مع حزب الإصلاح “الإرهابي” ووضع حد لـ “جرائمها تجاه شعبنا”، على حد وصف البيان.

وأكد البيان اعتراف المجموعة بـ “هادي” كرئيس، وكذلك التزامها بمواصلة الحرب التي تدعمها السعودية والإمارات ضد الحوثيين. ومع ذلك، كلف “هادي” الحرس الرئاسي بالدفاع عن القصر مع تصاعد التوترات وتبادل إطلاق النار.

وقال وزير الداخلية اليمني “أحمد الميسري”: “إننا نرفض الإجراءات غير المسؤولة التي اتخذتها المجلس الانتقالي، التي بلغت حد استخدام الأسلحة الثقيلة ومحاولة اقتحام مؤسسات الدولة. ونؤكد التزامنا بالحفاظ على مؤسسات الدولة وسلامة المواطنين، والتصدي لجميع المحاولات للتمييز ضد المؤسسات والأفراد”.

وتعود جذور الحرب في اليمن إلى احتجاجات الربيع العربي عام 2011، التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأدت المظاهرات الجماهيرية إلى الإطاحة بالزعيم اليمني “علي عبد الله صالح” عام 2012، وحل “هادي” بدلا منه، حيث واجه تمردات منفصلة من الحوثيين والقاعدة، زعزعة استقرار البلاد.

وتمكن الحوثيون من الاستيلاء على العاصمة صنعاء في أوائل عام 2015، ما أجبر “هادي” على الفرار إلى عدن، في الوقت الذي حشدت فيه السعودية حلفاءها العرب في تحالف بدء قصف المتمردين الحوثيين في مارس/آذار. وعلى مدار السنوات التالية، أنتجت حرب التحالف في اليمن “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، على حد تعبير الأمم المتحدة.

وقدمت الولايات المتحدة دعما كبيرا للتحالف الذي تقوده السعودية، حيث استخدم الرئيس “دونالد ترامب” حق النقض الرئاسي “الفيتو” في مواجهة مساعي الكونغرس لدفع الولايات المتحدة للتخلي عن الحرب بسبب الاتهامات المستمرة بانتهاكات حقوق الإنسان، والعلاقات بين التحالف الذي تقوده السعودية وبين تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية الأخرى. واعتبرت إدارة “ترامب” الرياض عنصرا حيويا في جهودها لعزل طهران، وهي تنظر إلى الحرب في اليمن باعتبارها ساحة معركة نشطة لتحقيق هذه الغاية.

 

الانقسام السعودي الإماراتي

ويتم النظر إلى الإمارات أيضا على أنها حليف مهم ضد إيران، على الرغم من أن أبوظبي خفضت فقط من علاقاتها بطهران عام 2016، ولم تقطعها تماما كما فعلت الرياض.

ومع تزايد الاضطرابات وسط التوترات الأمريكية الإيرانية الساخنة في الخليج العربي، اتخذت الإمارات موقفا مختلفا حيث رفضت أبوظبي توجيه اللوم إلى إيران على الهجمات منخفضة المستوى التي استهدفت ناقلات النفط في خليج عمان القريب، مخالفة في ذلك الموقف المشترك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وبخلاف ذلك، أعلنت الإمارات نهاية يونيو/حزيران أنها تنوي سحب قواتها من اليمن، كما التقى مسؤولون من خفر السواحل الإماراتيين مع قوة أمن الحدود الإيرانية، ووقع الطرفان مذكرة تفاهم بشأن الأمن البحري المشترك.

وحاولت الإمارات التقليل من شأن الحديث حول وجود انقسام مع السعودية.

ومع تدهور الوضع في عدن الأربعاء، غرد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” داعيا إلى التهدئة بين مختلف الأطراف المتصارعة في عدن.

ومن جانبهم، يراقب الحوثيون بفارغ الصبر التشققات في جسد التحالف السعودي الإماراتي الذي يقاتلونه منذ 4 أعوام ونصف العام.

وصرح “محمد علي الحوثي”، العضو البارز في المجلس السياسي الأعلى للحوثي الأربعاء: “لا يوجد خلاص للمحافظات المحتلة إلا بطرد المحتل وإنهاء كل علاقة معه”.

وفي اليوم التالي، صعدت المجموعة من هجماتها عبر الحدود، وجلبت الحرب مرة أخرى إلى الأراضي السعودية. وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجومين على مطار أبها الدولي في المملكة باستخدام طائرات بدون طيار.