“ما يجري في جنوب اليمن هو تبادل أدوار بين السعودية والإمارات”.. بهذه الكلمات تحدث مستشار سفارة اليمن في السعودية “أنيس منصور”، عن الانقلاب الذي نفذه انفصاليون، بالعاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية عدن.

“منصور”، قال إن صدمة الحكومة اليمنية، لم تكن من الإمارات التي كشفت عن وجهها القبيح، حسب وصفه، منذ أول يوم لتدخلها في التحالف العربي، و”إنما من السعودية التي دأبت من أول يوم على استخدام المسكنات والاحتواء والتخدير ثم تبين أنهم جزء من المؤامرة”.

ولكن يبقى السؤال الأبرز، عن مصير التحالف العربي، والشريكين السعودية والإمارات، اللاتي تدخلا قبل 5 سنوات، لمواجهة الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، في 2014.

وفي 10 اغسطس/آب الجاري، سيطر أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي، عبر قوات “الحزام الأمني”، على القصر الرئاسي في عدن، ومواقع عسكرية رئيسية تابعة لحكومة الرئيس “عبدربه منصور هادي” في المدينة، في أعقاب اشتباكات بين المسلحين والقوات الحكومية على الرغم من أنهما يقاتلان في صفوف التحالف.

 

اتهام إماراتي

هذه السيطرة، حمل مجلس الوزراء اليمني، مسؤوليتها، للإمارات، عبر توفير الغطاء المالي واللوجيستي والإعلامي للانقلاب على الشرعية في عدن.

وخلال اجتماعه الاستثنائي، برئاسة “معين عبدالملك”، وبحضور جميع أعضائه، الثلاثاء، اعتبر مجلس الوزراء اليمني، أن الإمارات “تتحمل كامل المسؤولية عن التمرد المسلح لميليشيا ما يسمى بالمجلس الانتقالي وما ترتب عليه”.

وشدد المجلس على ضرورة “مواجهة التمرد المسلح بكل الوسائل التي يخولها الدستور والقانون، وبما يحقق إنهاء التمرد وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن”.

وتأتي سيطرة هذه القوات، بعد أيام من إعلان أبوظبي انسحابها من اليمن، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من الإمارات لإخلاء مسؤوليتها عن “تحرك مرتقب ومخطط له ضد حكومة “هادي”، التي كانت على خلاف مع أبوظبي.

ولم يصدر تعليق رسمي من الإمارات حول هذه الاتهامات، غير أن كبار الكتاب والأكاديميين المقربين من السلطات، باركوا خطوة الانقلاب.

ولعل تغريدات الأكاديمي “عبدالخالق عبدالله”، كانت الأكثر دعما والأعلى صوتا، عندما أشاد بخطوة الانفصاليين، التي وصفها بأنها “حدثت بسرعة ودقة وإتقان، وبمساندة شعبية عارمة، وبأقل قدر من الخسائر المادية والبشرية”.

هذا الاتهام، لم يأت من فراغ، بل كانت له سوابق على مدار الأشهر الماضية، والتي كشفت عنها تقارير غربية، عن سعي أبوظبي لفصل الجنوب اليمني عن شماله، في خطوة قيل إنها بمباركة من ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، الذي قد يسمح بإعطاء الشمال اليمني للحوثيين.

 

تواطؤ سعودي

وبالعودة إلى حديث “منصور”، فقد كان تفسيرا واضحا، لما كشف عنه مصدر حكومي يمني قبل أيام، حين أفاد بأن “هادي”، كان بصدد اتخاذ إجراءات صارمة بعد اليوم الأول للاشتباكات في عدن، لكن السعودية تدخلت وطلبت مهلة لإنهاء الأحداث، لكن ذلك لم يحدث.

المصدر، الذي رفض الإفصاح عن اسمه لوكالة “سبوتنيك”، قال: “كانت هناك إجراءات سيقوم بها هادي منذ أول يوم من الانقلاب، لكن السعودية تدخلت وطلبت منحها 5 أيام حتى يتم إنهاء الانقلاب”.

وتابع المصدر: “جاء ذلك بعد اجتماع هادي الطارئ مع الملك سلمان وبن سلمان، وطُلب من هادي عدم إعلان أي بيان حتى يتم حل الموضوع من قبل الأشقاء”، موضحا: “المهلة انتهت ولم تلتزم الميليشيات الانقلابية بالانسحاب وتسليم ما تم احتلاله”.

ووفق مراقبين، لزوم السعودية الصمت المطبق 4 أيام، كانت كافية لتستكمل ميليشيات الانفصاليين، زحفها على القصر الرئاسي.

في عبارة أخرى، كانت السعودية تتيح للإمارات فرصة استرداد بعض أثمان مشاركتها في التحالف عن طريق إرساء نفوذ بعيد المدى في الجنوب اليمني.

دليل جديد، على تواطؤ السعودية، وفق المراقبين، فهو صمت القبور الذي خيّم على “هادي”، وكأن القصر الذي سقط لم يكن آخر ما تبقى لرئاسته من عناوين، أو كأنه لم يكرر في الماضي شكواه من اتساع نفوذ الإمارات في الجنوب عموماً، وفي عدن تحديداً.

في المقابل كانت مبادرة الرياض إلى دعوة أطراف النزاع لاجتماع طارئ، أو الإنذارات التي أطلقها ضباط التحالف بقصف مخالفي وقف إطلاق النار، مجرد ذر للرماد في العيون.

 

خلافات التحالف

وعلى الرغم من هذا التواطؤ السعودي، لكن أحداث عدن، أثارت الكثير من التساؤلات حول طبيعة واستمرارية التحالف بين الرياض وأبوظبي.

وبعيداً عن التصريحات الرسمية والزيارات المتبادلة بات واضحاً أن طرفي التحالف ليسا في حالة اتفاق، فرغم الحديث الدائم حول العلاقة الأبدية بين البلدين، فإن أي متابع لتطورات الأحداث في المنطقة، يعرف أن العلاقة كانت متوترة ما قبل 2010، على أكثر من صعيد، وفي الحقيقة أن مشروع الإمارات في المنطقة لا يتحمل وجود قيادة سعودية له.

وطالما أشارت السعودية إلى رغبتها في الحفاظ على وحدة اليمن، بينما واصلت الإمارات دعم الانفصاليين الجنوبيين، وكان هذا الخلاف دائما مصدرا للتوتر المكتوم بين الحليفين.

الوجود الإماراتي العسكري بالإضافة إلى نظام سياسي يدين بالولاء لها هناك يشكل أداة مهمة لترجيح كفة أبوظبي في أي مواجهة مقبلة مع الرياض تكون فيها منهكة بعد مغامراتها الحالية.

ورغم ذلك، قلل ولي عهد أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” من أهمية الصدع مع السعودية، بعد قمة في المملكة، قائلا إن الحليفين العربيين الخليجيين “سيواجهان بقوة جميع القوى التي تهدد سلامة وأمن منطقة”.

ووفق مراقبين، ومع تطور الأحداث، سيحاول السعوديون والإماراتيون إدارة مصالحهم المتضاربة وأولوياتهم المختلفة في اليمن بطريقة تمنع حدوث تحول كبير في العلاقة الثنائية الأوسع.

بيد أنه من المرجح أن يصب هذا التمزق، في صالح الحوثيين، الذين ما زالوا يسيطرون على أكثر أجزاء اليمن اكتظاظاً بالسكان، حيث يرى الحوثيون المأزق في عدن كدليل على أن “هادي” لا يصلح كرئيس، وأنه لا يمكن أن يكون شريكًا موثوقًا به في أي مفاوضات مستقبلية.

وأدى القتال إلى تحطيم ما كان بالفعل أفقر بلد في المنطقة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الناس، بينما يسحق الجوع والكوليرا الأحياء، وفيما تزداد الحرب فوضوية، أصبح من الصعب تخيل التوصل إلى سلام قابل للاستمرار.

 

طريق التقسيم

ومن شأن استمرار حالة عدم الاستقرار واحتمالات اندلاع مواجهات مفتوحة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة، ودخول المنطقة في فراغ أمني، أن يعطي زخما لتنظيم “القاعدة” في استعادة بعض نفوذه في المراكز الحضرية جنوبي البلاد.

وتفتح الأحداث أخيراً في عدن، الباب على مصراعيه لمطالب الاستقلال، وتطلعات الانفصال شمالا وجنوباً.

كما أن مواجهات كتلك، ستؤدي حتما إلى تشتيت جهود التحالف والقوات المدعومة منه، في قتال الحوثيين، الذين يمكن لهم توسيع نفوذهم ومناطق سيطرتهم وسط اليمن.

كما تعيد طرح التساؤلات بشأن الشرعية ومفاهيم القوة، حيث لا يزال الوصول إلى السلطة في اليمن مرهوناً بالعنف شمالاً وجنوباً، ما أوصل إلى هذه الانقلابات وسلطات الأمر الواقع.