سبق وأن أغلق الرئيس الأسبق؛ “حسني مبارك”، الإنترنت في مصر لثني المحتجين ضده عام 2011. لذا، فإن ما حدث لأحد أكبر مؤيديه عبر الإنترنت هذا الصيف يعد أمرا مثيرا للسخرية.
واستمر “كريم حسين” في مشاركة الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالديكتاتور السابق مع 3 ملايين متابع لصفحته “آسف يا ريس” على موقع “فيسبوك”. وكانت الصفحة تروج لكيف استطاع “مبارك” ممارسة الإدارة السياسية لبلاده ببراعة، مثل الحديث عن ثبات قيمة العملة المحلية “الجنيه”، والدين الخارجي القابل للإدارة، والسياحة المزدهرة. وقد ساءت جميع هذه المؤشرات منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وكتب “حسين” أيضا أن الرئيس السابق سمح بوجود صحافة حرة. ورغم أنه بالغ في تلك النقطة إلا أن الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي” لا يتسامح حتى مع الحريات السياسية المحدودة التي كان سلفه يسمح بها. وفي 9 يوليو/تموز، اعتقلت الشرطة “حسين” بتهمة “نشر أخبار كاذبة”.
وفي عام 2011 عندما أنهت الانتفاضة الشعبية حكم “مبارك” الذي دام 30 عاما، كان من الصعب تخيل أن يحن المصريون إلى الماضي. فقد شعر الكثير من المصريين حينها بأن بلادهم كانت تحترق، حيث يقودها رجل عجوز لم يعد يمسك بزمام الأمور في منصبه. وقد استهزأ الشباب به آنذاك بوصفه بـ “البقرة الضاحكة”، وهي علامة تجارية تخص شركة للجبن المطبوخ.
وبعد 8 أعوام، ينظر عدد ليس بالقليل من المصريين إلى الماضي بشيء من الحنين. ويتذكر الأشخاص العاديون كيف حافظ الرئيس “مبارك” آنذاك على الدعم الحكومي الذي أبقى الأسعار منخفضة. وتفتقد بقايا المجتمع المدني في مصر الانفتاح النسبي في تلك الأيام.
وكان “مبارك” قد سمح بمساحة صغيرة للمعارضة، كمتنفس للشعب ولتحسين الصورة لدى الغرب. وفي المقابل، ضاعف “السيسي” من عمليات الإعدام ومارس الاضطهاد حتى ضد مؤيديه الذين خرجوا عن الخط. ويقول أحد الناشطين: “كان المسؤولون في السابق محترفين، لكنهم الآن مجرد هواة”.
واستطاع “مبارك” وأبناؤه إذكاء الحنين لدى الناس. وفي مايو/أيار، جلس الرئيس السابق في مقابلة نادرة مع صحفية كويتية، وكان النقاش يدور حول الشؤون الخارجية. وقد تحدث عن غزو العراق للكويت عام 1990، وجهود “دونالد ترامب” في ملف السلام الإسرائيلي الفلسطيني. لكن ابنه الأكبر، “علاء”، أصبح أكثر حضورا ووضوحا. ويظهر “علاء” في الصور على وسائل التواصل الاجتماعي، يلعب الطاولة في المقاهي المتواضعة، أو يتناول الطعام في مطعم “البرنس”، وهو مطعم شعبي في منطقة “إمبابة” التي تقطنها الطبقة العاملة في مصر.
ويبدو أن كل هذا يزعج “السيسي”. ففي 26 يونيو/حزيران، تم تصوير “علاء” وهو يهتف لمصر في مباراة لكرة القدم أثناء كأس إفريقيا في القاهرة. وألغت السلطات بطاقة هوية المشجعين الخاصة به بعد فترة وجيزة، ومنعته من حضور المباريات في المستقبل.
وفي الشهر الماضي، كتب “علاء مبارك” تغريدة انتقدت وزيرة قالت إن الذين يتحدثون عن مصر سلبا يجب قطع أعناقهم. وسرعان ما اتهمته إحدى الصحف الموالية للنظام المصري بصلته بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. ورفع “سمير صبري”، وهو محام مؤيد للحكومة شديد النشاط، دعوى قضائية ضده اتهمه فيها بـ”التضامن مع جماعة إرهابية”.
ويبدو هذا غير منطقي. فلا أحد يتوقع حقا أن يتحدى “علاء” سلطة “السيسي”، حيث لن يحميه ميراثه السياسي حال فعل ذلك. حتى قائد الجيش السابق الذي حاول الترشح للرئاسة العام الماضي انتهى به المطاف في السجن. لكن الغضب الجماهيري يتصاعد ضد “السيسي”، الذي يفتقر إلى حزب سياسي أو حلفاء موثوق بهم، ومن المفارقات أنه قد ضمن لأبنائه مناصب قوية على نحو متزايد.
وكان لدى “مبارك” نظام سياسي واضح وإن كان قمعيا وغير فعال، لكن “السيسي” لا يثق إلا في نفسه. وتعد ردود فعل الحكومة المبالغ فيها علامة على ضعفها، وليست بسبب قوة متصورة لـ “مبارك” أو لابنه. ومن قبيل الصدفة ربما، لاحظنا الشهر الماضي أن “مصر للطيران” لم تعد تقدم الجبن المطبوخ مع وجبات الطعام الخاصة بها.
اضف تعليقا