جدول المحتوى

أثارت القرارات الجريئة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبدأت تكشف تفاصيل طريق صفقته السياسية الحساسة، لُعاب الإسرائيليين خاصة بعد اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على القدس وهضبة الجولان المحتلتين.

هذه القرارات التي حظيت بتأييد وتهليل إسرائيلي يعد الأكبر في تاريخ العلاقات مع إدارة البيت الأبيض، دفعت بالكثير من السياسيين الإسرائيليين إلى تعليق آمال كبيرة على قرارات أخرى مماثلة لكن أكثر جرأة، قد تغير خريطة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتقلبه رأساً على عقب.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد، في الأول سبتمبر 2019، قبيل أسبوعين من الانتخابات التشريعية المبكرة، بضم المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وعدم تفكيك أي منها.

وقال خلال تدشينه مدرسة في مستوطنة “إلكانا” بالضفة: “سنمد السيادة اليهودية على جميع المستوطنات كجزء من أرض إسرائيل.. كجزء من دولة إسرائيل”.

ونقلت عنه وسائل إعلام إسرائيلية قوله إنه لن يجري اقتلاع أي مستوطن من الضفة الغربية، وإن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة عام 2005 لن يتكرر.

وفي وقت سابق، قال نتنياهو إنه أبلغ ترامب بأن “إسرائيل” لن تطرد مستوطناً واحداً في إطار أي خطة سلام مقبلة.

وتتواتر تصريحات نتنياهو حول ضم المستوطنات في ظل بروز مواقف أمريكية داعمة لضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية في إطار أي تسوية محتملة مع الفلسطينيين، وكان السفير الأمريكي لدى “إسرائيل”، ديفد فريدمان، عبّر عن موقف من هذا القبيل في يونيو الماضي.

الضفة خط أحمر

سياسيون ومحللون فلسطينيون أكدوا أن مساندة ترامب للاحتلال الإسرائيلي قد فاقت كل حدود التوقعات وتجاوزت القوانين الدولية والإنسانية، وهي “مكافأة على جرائمه”، مشددين في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين” على أن خطوة إعلان الضفة تحت سيادة “إسرائيل” متوقعة، وقد تُشعل انتفاضة دائمة في الأراضي الفلسطينية سيكون أكثر المتضررين منها الاحتلال.

ويقول صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: إن “قرارات الرئيس الأمريكي دائماً ما كانت تصب في مصالح الاحتلال الإسرائيلي، لدعم خطواته العنصرية في المنطقة والتعدي على الحقوق الفلسطينية والعربية”.

وأضاف لـ “الخليج أونلاين” في حديث سابق، أن الدعوات المتكررة من قبل المسؤولين في “إسرائيل” لإعلان الضفة الغربية تحت سيادة الاحتلال، أو حتى التجاوب مع دعوات ضم 60% من مساحتها لـ”إسرائيل” يعد تجاوزاً خطيراً لكل القوانين الدولية لا يمكن القبول به تحت أي ظرف كان.

ويوضح أن ما يطلبه الفلسطينيون والعالم أجمع “هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة بأكملها، وليس كما يسير فريق ترامب لترسيخ الاحتلال على المناطق الفلسطينية والعربية كما جرى من قرارات صادمة حين اعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وهضبة الجولان تحت سيادتها”.

ويلفت أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى أن السلطة لا تستبعد أن يفرض ترامب قرارات صادمة تتعلق بالقضية الفلسطينية ومصيرها، خاصة في ظل سعيه المستميت لفرض “صفقة القرن” المشبوهة التي عبرت القيادة عن رفضها جملةً وتفصيلاً،  ورفض التماشي مع بنودها الخطيرة.

وحذر عريقات من أي قرار أمريكي سيصدر خلال الفترة المقبلة بضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل”، مشدداً على أن هذه الخطوة تجاوز للخط الأحمر وتعد على الشرعيات الدولية بأكملها، وتعد مكافأة مجانية تقدم للاحتلال على الجرائم التي يرتكبها بشكل يومي بحق الفلسطينيين وحقوقهم ومقدساتهم.

وإضافة إلى مخاوف عريقات لم يستبعد السفير الفلسطيني السابق لدى مصر، نبيل عمرو، أن يقدم  ترامب ومعه نتنياهو على ضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل” بمباركة أمريكية، وقال في حديث تلفزيوني: “لا يمكن استبعاد أي مغامرة سياسية من ترامب ونتنياهو، بما في ذلك ضم الضفة.. فكل شيء أصبح متوقعاً من هذه الإدارة”.

واعتبر عمرو أن المنطقة “ج” هي المعنية بالدرجة الأولى في حالة إقدام “إسرائيل” على هذه الخطوة المخالفة لقرارات مجلس الأمن واتفاقات أوسلو.

وتقسم الضفة الغربية وفق اتفاقات أوسلو عامي 1993 و1995، إلى ثلاث مناطق وهي: المنطقة “أ”  التي تضم كل المراكز السكانية الرئيسية وتخضع لسيطرة فلسطينية أمنياً وإدارياً كاملة، وتبلغ مساحتها نحو 18% من مساحة الضفة، في حين تشمل المنطقة “ب” القرى والبلدات الملاصقة للمدن وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية إسرائيلية، وتبلغ 21% من مساحة الضفة.

أما المنطقة “ج” التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية فتخضع لسيطرة مدنية وأمنية كاملة للاحتلال الإسرائيلي، باستثناء المدنيين الفلسطينيين.

وبحسب الأمم المتحدة، فقد تم تخصيص غالبية المنطقة “ج” للمستوطنات الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي، على حساب التجمعات الفلسطينية.

وتظهر السياسات الإسرائيلية في هذه المنطقة سعياً حثيثاً لتغيير المكون السكاني بها، عبر أوامر هدم المنازل الفلسطينية، ممَّا يخلق حالة من الشك والتهديد المزمن ويدفع الناس إلى الرحيل.

وبحسب إحصاء لمجلس المستوطنات الإسرائيلي، فقد ارتفع عدد المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية بنسبة 3% خلال عام، ليصل إلى 448672 شخصاً في عام 2018، دون أن يشمل نحو 200 ألف مستوطن يهودي يعيشون في القدس الشرقية المحتلة.

مكافأة “إسرائيل”

الكاتب والمحلل السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم، أكد أن التعاون الأمريكي – الإسرائيلي في عهد ترامب فاق كل التصورات والتوقعات، والمكافآت التي يقدمها الرئيس الأمريكي لنتنياهو “كمن يوزع الهدايا على الحضور بحفلة”.

ويوضح لـ “الخليج أونلاين” أن فترة ترامب على كرسي الحكم قد تكون الأخطر على القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية بشكل عام، مؤكداً أن ترامب “يسير وفق شهواته ورغباته غير العقلانية ويتجاوز كل الأسس والقوانين الدولية”.

ويشير البروفيسور قاسم إلى أن كل القرارات التي اتخذها المتعلقة بالوضع العربي والفلسطيني؛ ومن بينها اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها، ووضع هضبة الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، “تؤكد أن هذا الرجل يسير على خطته السياسية الخطيرة التي تسمى بـ”صفقة القرن” لتضييع القضية الفلسطينية وتقزيمها لحساب الاحتلال ومصالحه”.

وبسؤال “الخليج أونلاين” عن ردة فعل السلطة الرسمية حول خطوة ترامب المتوقعة بإعلان الضفة تحت سيادة “إسرائيل”، قال: “السلطة لن تحرك ساكناً، وموقفها الضعيف شجع على تجاوزات ترامب ونتنياهو، والرئيس عباس لن يستطيع فعل أي شي غير التنديد والاستنكار”.

أما على المستوى الشعبي، يضيف قاسم، فسيكون هناك رد فعل غاضب للغاية وقد يصل لإشعال فتيل مواجهات وانتفاضة قوية في الضفة وقد تنتقل شرارتها للقدس وغزة، وسيكون أكثر الخاسرين من هذا القرار هو المحتل الإسرائيلي.

وفي مارس الماضي، وبحضور نتنياهو ومن قلب البيت الأبيض، وقع ترامب قراراً باعتراف واشنطن بضم هضبة الجولان إلى دولة الاحتلال، ليخلق معها ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية غاضبة ومنددة.

الجدير ذكره أنه بعد قرار الرئيس الأمريكي نهاية العام 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” تعالت الأصوات في الأحزاب اليمينية للاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الضفة، ودعت تلك الأحزاب لضم كل الضفة أو أجزاء منها تصل إلى 60%.

وفي خطوة غير مشجعة وتبعث على القلق ألغت وزارة الخارجية الأمريكية مصطلح “محتلة” عند إشارتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في تقريرها الأخير هذا الشهر حول حال حقوق الإنسان في العالم.

وكانت “إسرائيل” احتلت الضفة الغربية، ومن ضمنها “القدس الشرقية”، وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في العام 1967.