كشفت مصادر حكومية يمنية في الثالث من يوليو الماضي عن بدء انسحاب جزئي للقوات الإماراتية من محافظة مأرب شرقي اليمن، الأمر الذي وصفته صحيفة الإيكونومست البريطانية بأنه بمثابة “تسلل من الباب الخلفي” لجأت إليه الإمارات كمحاولة منها للهروب من كلفة الحرب مع تزايد حصيلة القتلى من المدنيين وصدور بيانات من الأمم المتحدة تتهمها بارتكاب جرائم حرب دولية، إلا أن الأحداث التي تلت هذا الانسحاب الجزئي أثبت أن الإمارات لن تترك شبرًا واحدًا في المناطق التي استولت عليها، بل ربما تسعى نحو مكتسبات جديدة مما يترتب عليه مزيد من الانتهاكات في حق المدنيين اليمنيين.

سيطرة الإمارات على القصر الرئاسي “انقلاب عدن”

اندلعت اشتباكات عنيفة في السابع من أغسطس الماضي في مدينة عدن بين قوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا والقوات الموالية للشرعية، وبعد كر وفر بين الطرفين استطاع الطرف الأول الموالي للإمارات حسم المعركة لصالحه في مساء يوم السبت العاشر من أغسطس و تمت السيطرة على القصر الرئاسي بمنطقة المعاشيق وسائر مناطق العاصمة المؤقتة، حيث كشفت مصادر عسكرية يمنية أن الانقلاب العسكري والسيطرة على مدينة عدن خُطط لهما سلفا بين الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وقالت المصادر العسكرية ان قوات الشرعية سيطرت على زمام المعركة لمدة ثلاثة أيام، مما دفع الإمارات إلى التدخل ودعم المتمردين بأربعمائة مدرعة، وأكدت أن الإمارات قدمت للمتمردين كل أنواع الدعم، مضيفًا أنه “في اليوم الثالث للقتال انهارت بعض الوحدات وصمدت أخرى مما إدى لإنسحابها بالكامل”، وحمّلت الحكومة اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات “تبعات الانقلاب” في عدن، مطالبة أبو ظبي بوقف دعمها المادي والعسكري فورًا للانفصاليين.

يذكر أن مجموعة الأزمات الدولية حذرت في تقرير الجمعة أن الاشتباكات “تهدد بإدخال جنوب اليمن في حرب أهلية داخل الحرب الأهلية” الدائرة حاليًا، وقالت أن أي نزاع مماثل “سيعمق ما هو بالفعل الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم وسيصعب من تحقيق تسوية وطنية سياسية”، وأشارت أن الوضع المعقد في عدن يكشف “التوترات داخل التحالف بقيادة السعودية، حيث أنه متحد ضد عدو مشترك ولكنه مجزأ ويفتقد لهوية مشتركة”.

قصف سجن ذمار من جانب السعودية والإمارات

قتل أكثر من مائة شخص في الغارة التي شنها التحالف السعودي الإماراتي على سجن في محافظة ذمار جنوب العاصمة اليمنية صنعاء الأحد الماضي، حيث صرح المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام -في تغريدة على تويتر-، أن التحالف العربي يدشن العام الهجري الجديد بمجزرة مروعة، مستهدفًا أحد السجون التابعة للأسرى في ذمار، وأضاف أن الحصيلة الأولية للاستهداف تشير إلى سقوط خمسين قتيلا ومائة جريح.

وقال مسؤول لجنة الأسرى التابعة للحوثيين عبد القادر مرتضى، إن الصليب الأحمر الدولي والتحالف نفسه على علم بأن كلية المجتمع التي تعرضت للاستهداف هي سجن يضم عشرات الأسرى من الموالين للحكومة الشرعية،وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها من قصف مركز الاحتجاز الخاضع لسيطرة الحوثيين، كما حمّلت جماعة الحوثي السعودية والإمارات المسؤولية الكاملة عن استهداف السجن.

وقال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي، أن السجناء كانوا ينتظرون الإفراج عنهم في إطار عملية تبادل أسرى مع الطرف الآخر، قبل أن تفجعهم طائرات التحالف وتغيّر على المبنى الذي يحتجزون فيه، ومن جانبه، حمل رئيس لجنة شؤون الأسرى التابعة للحوثيين عبد القادر المرتضى، من وصفهم بـ”قوى العدوان، وعلى رأسها النظامان السعودي والإماراتي” المسؤولية الكاملة عن هذا الاستهداف وما سينتج عنه.

من جهتها، أعلنت قيادة التحالف السعودي الإماراتي يوم الأحد الماضي استهداف “موقع عسكري للمليشيات الحوثية بذمار”، مشيرة إلى أنه “مخزن للطائرات دون طيار وصواريخ الدفاع الجوي”، كما أضاف التحالف أن عملية الاستهداف هذه “تتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية، وأنه تم اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية لحماية المدنيين”.

الأمم المتحدة تنشر أسماء عسكريين بالسعودية والإمارات كمسؤولين عن جرائم دولية

أشار محققو الأمم المتحدة حول اليمن في تقرير صادر اليوم الثلاثاء الى “جرائم حرب” محتملة مع انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال قتل وتعذيب وعنف جنسي في هذا البلد فيما يفلت جميع أطراف النزاع من العقاب، حيث قال المحققون الذين عينهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2017، إنهم “حددوا، حيثما أمكن، أفرادًا قد يكونون مسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية”، وقدموا قائمة سرية بالأسماء إلى مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “ميشيل باشليه”.

وقال المحققون في بيان إنه في حال أكدت محكمة مستقلة ومختصة العديد من الانتهاكات التي تم توصيفها، فإنها “قد تؤدي إلى تحميل أفراد مسؤولية ارتكاب جرائم حرب”، كما قال كامل الجندوبي الذي يرأس فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين بشأن اليمن “يجب على المجتمع الدولي أن يكف عن غض الطرف عن هذه الانتهاكات وعن الوضع الإنساني الذي لا يطاق” في اليمن.

وتشمل القائمة الملحقة بالتقرير أسماء أكثر من 160 “لاعبًا أساسيًا” من كبار المسؤولين العسكريين بالسعودية والإمارات واليمن وكذلك حركة الحوثي، لكن لم ترد إشارة تظهر إن كانت أي من هذه الأسماء مدرجة أيضاً في قائمة المشتبه بهم المحتملين، كما قال التقرير: “ربما نفذ أفراد في الحكومة اليمنية والتحالف، بما فيه السعودية والإمارات، ضربات جوية تنتهك مبادئ التمييز والتناسب والاحتياط، وقد يكونون استخدموا التجويع كأسلوب حرب، وهي أفعال قد تصل إلى حد جرائم الحرب”.

يذكر أن الأمم المتحدة أعلنت في تقريرهم الثاني الذي من المقرر أن يرفعوه إلى مجلس حقوق الإنسان في وقت لاحق من هذا الشهر، أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ربما شاركت في جرائم حرب في اليمن، من خلال تقديم العتاد والمعلومات والدعم اللوجستي للتحالف بقيادة السعودية، والذي قالت إنه يلجأ لتجويع المدنيين كأسلوب حرب.