منذ دخول الاحتلال الأمريكي للعراق وظهور الأحزاب والجماعات السياسية في الساحة، أخذ الحزب الإسلامي العراقي مكانه كواحد من أبرز وأقوى التكتلات السنية في البلاد.
ولم يكن الحزب الذي تأسس عام 1960، وهو الذراع السياسية للإخوان المسلمين سابقاً، بمعزل عن الضغوط التي مورست على التيارات السنية السياسية منها والعلمية، فكان له نصيب من عمليات الاغتيال والتصفية على يد الجماعات المتشددة أو المليشيات الشيعية.
لكن أكثر ما أوجع الحزب خلال مسيرته كان الاغتيال السياسي؛ عبر استهداف ممنهج طال أبرز قادته، كرئيسه السابق طارق الهاشمي، والقيادي السابق رافع العيساوي، وآخرين اضطرتهم مذكرات التوقيف بذرائع الإرهاب إلى مغادرة البلاد.
وتتهم الحكومات الشيعية السابقة، وأبرزها حكومتا نوري المالكي التي طالما وصمت بالطائفية، بانتهاج تضييقات سياسية أدت إلى تراجع نشاط الحزب، بتوجيهات من إيران الداعم الأكبر للتيارت الشيعية، وهو ما مكن أذرع طهران من إيجاد موطئ قدم في المدن السنية كافة، وتسبب بتغييرات ديموغرافية غير مسبوقة.
ورغم انفصال الحزب الإسلامي عن جماعة الإخوان المسلمين لاختلاف وجهات النظر السياسية، بقي الحزب متمسكاً بفكر الجماعة، وأخذ على عاتقه مناصرة القضايا السنية وإن كلفه ذلك تراجعاً في المناصب التي تقررها المحاصصة السياسية التي تسيطر فيها الأحزاب الشيعية.
قيادة جديدة تتقرب من إيران
سياسة الحزب الثابتة تلك يتخوف الكثير من عناصره من تبددها مع صعود نجم النائب رشيد العزاوي، الذي فاز بالانتخابات النيابية عن محافظة بابل مرشحاً عن قائمة “النصر” التي يتزعمها حيدر العبادي، تزامناً مع تقاربه اللافت مع قيادات شيعية منها زعيم مليشيا “بدر” النائب هادي العامري، الذي وصفته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية بـ”رجل إيران في العراق” والمقرب من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني.
ومن الشخصيات التي تقربت منه أيضاً فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، التي شكلت المعضلة الكبرى في العراق خلال فترة الحرب على “داعش”، حيث نُسبت إليها انتهاكات لحقوق الإنسان في المدن السنية.
التقارب اللافت بين تلك الشخصيات والعزاوي، يقول مراقبو الوضع السياسي في العراق إنه جاء لدعم فوز الأخير للوصول للبرلمان سعياً لاستقطاب شخصيات من داخل كتلة العبادي؛ في محاولة لتأسيس انشقاق يضعفها بعد الانتخابات وإعاقة وصوله مجدداً لرئاسة الوزراء.
ويقترب العزاوي من الفوز برئاسة الحزب الإسلامي بالانتخابات التي كان من المفترض أن تجرى مؤخراً، ليخلف السياسي المعروف وأحد أقدم أعضاء الحزب إياد السامرائي، إلا أن قرب فوزه أشعل قلقاً بين أوساط الحزب ومؤيديه والجمهور السني.
العزاوي الذي قضى سنوات طويلة من عمره في إيران بعد هروبه من الأسر إبان حربها مع العراق في الثمانينيات، تلقى دعماً إيرانياً غير مسبوق للفوز بالانتخابات النيابية الأخيرة، كما تلقى خمسة ملايين دولار من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بحسب ما أكد لـ”الخليج أونلاين” مصدر مقرب من رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض.
لقاءات العزاوي المستمرة مع رجال إيران في العراق والقيادة السياسية الشيعية أثارت قلق الجمهور السني وعناصر في الحزب من احتمالية أن يقوم الرجل بتحويل أقدم الأحزاب السنية إلى وجه آخر للأحزاب التي تنفذ إملاءات إيران، مقابل وعود بمكاسب سياسية غير مضمونة التنفيذ.
الصعود الخفي
مصدر مقرب من الحزب تحدث لـ”الخليج أونلاين”، لم يخفِ أن جمهور العزاوي داخل الحزب ارتفع بشكل ملحوظ بعد تقربه من السلطة الشيعية، حيث قدم فعلياً دعماً شخصياً لبعض نشاطات الحزب ورجاله، وحرص على أن تقدَّم منه بصفة شخصية وليس من الحزب.
ويؤكد المصدر أنه أطلق وعوداً لقيادات فرعية بالحزب بتوفير الدعم لهم وتحصيل مناصب مرموقة بالدولة، وتأمين وظائف لعناصر الحزب، وهو ما استقطب به الكثيرين منهم، وسط انتشار لافت للبطالة بين الشباب العراقي.
وقال المصدر لـ”الخليج أونلاين” إن العزاوي لا يرى في الشيعة ومن خلفهم إيران خصماً سياسياً، ويحاول إيجاد موطئ قدم في السلطة من خلال التقارب معهم، حاله حال سياسيين سُنة آخرين؛ مثل السياسي الصاعد خميس الخنجر، والنواب أحمد الجبوري، وعمار يوسف، ومحمد الكربولي، رغم كثرة التقارير الحقوقية التي تتهم مليشيات تدعمها إيران بارتكاب انتهاكات بحق أبناء المدن السنية، شملت القتل والتهجير من مناطق كاملة.
وتزامناً مع التحضير لانتخابات الحزب، اكتشفت 31 جثة بعضها أشلاء لنساء وأطفال، في منطقة جرف الصخر في محافظة بابل التي ينتمي إليها العزاوي، ويسيطر على ملفها الأمني الشرطة ومليشيا “الحشد الشعبي” منذ طرد “داعش” قبل سنوات.
رأي العزاوي بما حدث كان ضرورة استمرار التحقيقات بعيداً عن أعين الإعلام؛ “لما قد يسببه ذلك من إرباك لعمل الجهات المختصة”، ورغم عدم انتهاء التحقيقات أضاف في تصريحات صحفية: “شائعات تحدثت عن احتمالية وجود أبعاد طائفية خلف القضية، لكن متابعة خلفية الضحايا تنفي تلك الشائعات، حيث ينتمون إلى مكونات مختلفة”.
لكن مسؤولاً في شرطة بابل قال لصحيفة “العربي الجديد”: إن “المنطقة لم تشهد أي نشاط إرهابي منذ سنوات طويلة، ولم تسقط بيد داعش، ولذا فإن أصابع الاتهام تشير لأطراف أخرى”.
ويغيب دور العزاوي عن مأساة النازحين السُّنة في جرف الصخر التابعة لمدينته بابل، الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في مخيمات، ويمنعون من العودة لمنازلهم بقرار من مليشيا “حزب الله” العراقية و”النجباء”، سعياً لتحقيق تغيير ديموغرافي يقوض نسبة سكان المنطقة من السُّنة.
وتقوم تلك المليشيا بابتزاز الناس وأخذ الإتاوات، بحسب ما أكده القائم بأعمال السفارة الأمريكية جوي هود، خلال مقابلة مع محطة تلفزيون محلية عراقية، في أبريل الماضي.
مخاوف على الثقل السُّني في البلاد
سيطرة إيران على المشهد السياسي العراقي باتت واضحة من خلال ما بات يُعرف بـ”الفيتو الإيراني” على صعود أي شخصية سُنية لمنصب مرموق في الدولة.
ومع تقرب الكثير من السياسيين السنة من طهران سعياً للسلطة، حُرم العزاوي من مناصب تردد اسمه كمرشح لها؛ مثل رئاسة ديوان الوقف السني، ورئاسة البرلمان، التي ذهبت لمحمد الحلبوسي بعد موافقة قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس القائد العسكري الأول لمليشيات الحشد الشعبي، والذي وصفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر ناوبرت، عام 2017 بـ”الإرهابي”.
المصدر الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” نقل مخاوف تنتاب شطراً واسعاً من أنصار الحزب والتيار السني بشكل عام؛ بسبب سيطرة مقرب من إيران على مقدرات الحزب، وسط العقوبات الأمريكية المستمرة على إيران، ونذر حرب تلوح في الأفق ضدها.
حيث انطلقت في الآونة الأخيرة تهديدات من عدة مليشيات شيعية باستهداف المصالح الأمريكية، الأمر الذي أوقع حكومة عادل عبد المهدي في حرج، وطالبها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بالمسؤولية عن أي استهداف لقواته في العراق.
الضغوط الاقتصادية على إيران شكلت هي الأخرى قلقاً آخر للجمهور السني، حيث تسعى طهران لاستخدام حيل تجارية لدعم اقتصادها المتهالك، وقد يكون العزاوي أبرز الأسماء في قائمة المتعاونين مع إيران؛ لخلفيته السنية و”الإخوانية” تحديداً والبعيدة عن الشبهات، لكن افتضاح الأمر قد يضيفه على قائمة العقوبات الأمريكية لمنتهكي الحظر المفروض عليها.
ويضع التقرب من السياسة الإيرانية في العراق السياسيين في دائرة الرقابة الأمريكية؛ ففي يونيو الماضي، قال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، إن واشنطن تفرض عقوبات على قادة المليشيات المرتبطة بإيران في العراق، والتي اتهمتها بـ”نشر الإرهاب”.
وذكر موقع وزارة الخزانة الأمريكية على الإنترنت أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على أربعة عراقيين تتهمهم بانتهاك حقوق الإنسان وممارسات تنطوي على فساد؛ شملت ريان الكلداني قائد مليشيا “بابليون”، والمقرب من قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري.
كما شملت وعد قدّو، زعيم مليشيا “الشبك” في سهل نينوى، وكذلك نوفل العاكوب محافظ نينوى السابق، وأحمد الجبوري رئيس تحالف المحور ومحافظ صلاح الدين سابقاً.
وكان من اللافت أن الشخصيات الأربعة لا تنتمي للتيار الشيعي، لكنها نالت مكاسب سياسية ودعماً على الأرض بالتنسيق مع الموالين لإيران في البلاد، وهو ما يثير مخاوف تيار واسع من جمهور الحزب الإسلامي من أن تطوله تهم الإرهاب ودعم النشاطات الإيرانية، وسط تقارب العزاوي مع قاسم سليماني وآخرين.
اضف تعليقا